تابعنا أيضا عبر تليجرام t.me/alwatanvoice رام الله - دنيا الوطن

قبل أكثر من قرن، اختفت بولندا تمامًا من خريطة أوروبا بعد أن تقاسمتها ثلاث قوى كبرى هي روسيا والنمسا وبروسيا في عام 1795، عقب سلسلة من الصراعات الداخلية والإقليمية التي أضعفت الدولة البولندية.

ولم تعد بولندا إلى الخارطة إلا بعد الحرب العالمية الأولى، حين أعلن الجنرال جوزيف بيوسودسكي، في 11 نوفمبر 1918، قيام الجمهورية البولندية الثانية، بعد انهيار الإمبراطوريات التي كانت قد اقتسمت أراضيها.

إصلاحات ملكية وصراعات إقليميةتعود بداية مأساة بولندا إلى القرن الثامن عشر، عندما حاول الملك ستانيسلاو الثاني أغسطس إنقاذ بلاده من الانحدار عبر سلسلة إصلاحات سياسية وعسكرية بعد فقدان جزء من أراضيها في التقسيم الأول عام 1772.

أقرّ الملك دستورًا جديدًا حد من سلطاته وامتيازات النبلاء وأرسى مبدأ الفصل بين السلطات، لكن هذه الإصلاحات أغضبت الأرستقراطيين وأثارت قلق القوى الإقليمية، ولا سيما روسيا، التي رأت فيها تهديدًا محتملاً على مصالحها، مستوحى من أفكار الثورة الفرنسية.

الغزو الروسي وخيانة الحلفاءفي عام 1792، اجتاحت الجيوش الروسية الأراضي البولندية بحجة 'وقف الثورة'، بينما خذلها البروسيون حلفاؤها، ولم يقدم النبلاء دعمًا للملك، فانهار الجيش البولندي بسرعة، لتُقتطع أراضٍ جديدة لصالح روسيا (250 ألف كيلومتر مربع) وبروسيا (58 ألف كيلومتر مربع)، وفقدت بولندا ثلثي أراضيها الأصلية.

انتفاضة 1794 وسقوط الدولةتحت تأثير الثورة الفرنسية، حاول البولنديون استعادة حريتهم عام 1794، فاندلعت انتفاضة ضد الاحتلال الروسي، لكن القوى الثلاث (روسيا وبروسيا والنمسا) اجتمعت لقمعها نهائيًا. وفي 24 أكتوبر 1795، أُلغيت رسميًا الكومنولث البولندي الليتواني، ليُمحى اسم بولندا من خريطة أوروبا.

وبموجب اتفاقية التقسيم النهائية في 26 يناير 1797، استحوذت النمسا على غرب غاليسيا وجنوب مازوفيا بما يقارب 1.2 مليون نسمة، واحتلت بروسيا بودلاشيا ووارسو بنحو مليون نسمة، فيما سيطرت روسيا على باقي الأراضي، مضيفة 1.2 مليون نسمة لرعاياها.

نهاية الملك وبداية النفيأُجبر الملك ستانيسلاو الثاني على التنازل عن العرش ونُفي إلى سانت بطرسبرغ، حيث عاش تحت المراقبة حتى وفاته. وشنّت القوى الثلاث حملات لطرد المثقفين والسياسيين خوفًا من عودة النزعة الوطنية، لتبدأ بذلك أطول مرحلة في تاريخ بولندا الحديث من الغياب والاحتلال والحنين إلى الحرية.

الطريق إلى الاستقلال مجددًامع بداية القرن العشرين، رفض القيصر الروسي ألكسندر الأول اقتراح نابليون بونابرت بإقامة دولة بولندية مستقلة، خشية أن تتحول لاحقًا إلى تهديد للإمبراطورية الروسية. ولم تتحقق الدولة البولندية المستقلة إلا مع نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ نصت بنود معاهدة فرساي 1919 على الاعتراف باستقلال بولندا، بعد أن فقدت خلال الحرب جزءًا كبيرًا من سكانها.

وبعد مضي أكثر من قرن عن التقسيم، ظهرت بولندا مجددًا على الخارطة، لتشرع في استعادة أراضيها التاريخية من خلال حروب حدودية بين عامي 1918 و1921 ضد البلشفيين والأوكرانيين والليتوانيين، قبل أن تحصل حدودها الجديدة على اعتراف دولي عام 1923.

دور الدبلوماسية والسيادة الجديدةلعب الدبلوماسيان البولنديان رومان دموسكي وإغناتسه يان بادروفسكي دورًا مهمًا في الترويج لاستقلال بولندا، فيما دعم الرئيس الأميركي وودرو ولسن إنشاء دولة بولندية ضمن نقاطه الأربعة عشر لإنهاء الحرب العالمية الأولى.

وبينما حاول البولنديون ضم مناطق إضافية من ألمانيا وبروسيا الشرقية لتعزيز حجم الدولة الجديدة، واجهت هذه الطموحات رفضًا بسبب مطالبات استقلال أوكرانيا وليتوانيا وبيلاروسيا، وكذلك اعتراضات تشيكوسلوفاكيا وألمانيا على نقل أراضٍ تاريخية.

ومع ذلك، نصت معاهدة فرساي على منح بولندا منفذًا على بحر البلطيق عبر منطقة دانتزيغ، واقتسمت سيليزيا العليا بين ألمانيا وبولندا، لتتمكن الدولة الناشئة من السيطرة على مناطق صناعية مهمة وتعزيز حضورها الإقليمي.