اخبار تونس

اندبندنت عربية

سياسة

قانون الإجهاض في تونس... حق مسلوب ورادع مفروض

قانون الإجهاض في تونس... حق مسلوب ورادع مفروض

klyoum.com

إجراءات ساعدت على تحسين صحة المرأة وحمايتها من الممارسات الخطرة التي كانت شائعة قبل ذلك

على رغم أن تونس تعد من الدول العربية الرائدة في سن تشريع الإجهاض، فإن تطبيق هذا القانون بات يعاني معوقات عدة تحول دون تفعيله بالطريقة العادلة بحسب ما لاحظت جمعيات نسوية طالبت بتذليل هذه الصعوبات لوصول كل النساء إلى حقهن في الإجهاض.

ضحى الدريدي أم لأربعة أبناء كانت تنتظر دورها في أحد مراكز الرعاية الصحية في حي بتونس العاصمة للقاء طبيبة المركز من أجل الخضوع لعملية إجهاض، تقول ضحى "للأسف وضعي المادي والصحي لا يسمحان لي باستقبال طفل آخر"، وأضافت وعلى وجهها علامات التعب والحيرة "جئت إلى هنا كي أتمكن من إجهاض الجنين بطريقة صحية وآمنة وبصورة مجانية أيضاً وأتمنى ألا يلقى طلبي صداً بسبب نقص أقراص الإجهاض بحسب ما علمت". وفي سياق آخر، تقول ضحى إنها في صراع مع الوقت لأن الإجهاض لا يمكن صحياً ولا قانونياً الخضوع له بعد مرور ثلاثة أشهر على الحمل بخاصة أن زوجها لا علم له بالموضوع، موضحة أنه يرفض الإجهاض لأنه يعتبره "حراماً شرعاً ولا يمكن أن يرضى بذلك".

ويمنح القانون التونسي المرأة وحدها حق أخذ القرار في الإجهاض من عدمه من دون موافقة الزوج أو الرجوع إليه.

في زاوية أخرى من المركز، تجلس سلمى بنت عشرينية تبدو من الوهلة الأولى أنها في حال ضياع وتشتت وإرباك، تلتفت بنظرها يميناً ويساراً وتلتفت باستمرار نحو غرفة الطبيبة في انتظار دورها، عندما اقتربنا منها لمعرفة قصتها وسبب قدومها للمركز، قالت إنها تعيش بمفردها في العاصمة وإنها تعمل في شركة خاصة بإحدى ضواحي العاصمة.

تروي سلمى قصتها قائلة "تعرفت إلى شاب ثلاثيني، عشنا قصة حب جميلة إلا أنه ما لم يكن في الحسبان أنني حملت منه قبل موعد الزواج، ولهذا أنا هنا حتى أجهض الجنين قبل حصول كارثة"، وتضيف "كما يعلم الجميع أن الحمل خارج إطار الزواج يعتبر فضيحة كبرى في تونس وأن الأم العزباء منبوذة ولا يمكن أن يعيش طفل غير شرعي حياة طبيعية، لذا من الضروري إجهاض الجنين."

لكن ما يخيف سلمى هو أن يرفض المركز العمومي إجهاضها مجاناً مما يضطرها إلى التوجه إلى مصحة خاصة، وتقول "لست قادرة على تغطية كلف عملية الإجهاض في مركز خاص".

وكشف الاختصاصي النفسي والمدير بالديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، محسن حسان، عن ارتفاع حالات الإجهاض في تونس خلال عام 2023، في المؤسسات الاستشفائية في القطاع العام، لتبلغ نحو 20 ألف عملية إجهاض.

وأكد محسن حسان أن "عدد عمليات الإجهاض كان أقل مما وقع تسجيله عام 2022"، مرجعاً أسباب ارتفاعها إلى تأخر سن الزواج عند الشباب والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وتوجه الشباب نحو الهجرة وغيرها من الأسباب الأخرى.

وتعد تونس الدولة العربية الوحيدة التي كرست الحق في الإجهاض بموجب القانون الصادر عام 1973، إذ أتاح للمرأة ممارسة هذا الحق مهما كانت حالتها الاجتماعية. وينص القانون على إمكان إجراء الإجهاض مجاناً في المستشفيات العمومية خلال الثلث الأول من الحمل، من دون أن تكون المرأة ملزمة تقديم أي مبرر لقرارها، وبذلك تتمتع المرأة بالحرية الكاملة في إنهاء الحمل، في إطار يحمي حقها في الاختيار الذاتي ويضمن سلامتها الجسدية والنفسية.

وقد شكل هذا التشريع خطوة ريادية في المنطقة العربية، إذ أسهم عدم تجريم الإجهاض في تعزيز حماية النساء من الأخطار الصحية المرتبطة باللجوء إلى الممارسات السرية وغير الآمنة، كما كرس موقع تونس كدولة سباقة في ضمان حقوق المرأة الإنجابية بما يتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان والحرية الفردية، لكن هذا الحق يلقى عقبات مختلفة منها إدارية بسبب نقص الأدوية وأخرى اجتماعية لرفض فئة من المجتمع مبدأ الإجهاض علة تحريمه شرعاً.

في هذا السياق، دعت مجموعة "توحيدة بالشيخ " وهي منظمة نسوية، إلى التعامل مع الإجهاض ووسائل منع الحمل كحق أساس بغض النظر عن نسب الخصوبة المنخفضة، وذلك خلال لقاء على هامش إحياء اليوم العالمي لحق الإجهاض الموافق الـ28 من سبتمبر (أيلول) من كل عام لتسليط الضوء على العراقيل التي تقف عائقاً أمام تنفيذ القانون التونسي، الذي يسمح للنساء بالحق في الإجهاض منذ عام 1973.

وقالت رئيسة مجموعة "توحيدة بالشيخ" هادية بلحاج "على رغم أن تونس من الدول السباقة في سن تشريعات تضمن الحق في الإجهاض، فإن دور الدولة تراجع خلال الأعوام الأخيرة في ضمان هذا الحق، إذ إن الوصول إلى الخدمات الصحية والإنجابية أصبح صعباً"، لافتة إلى أن العازبات دائماً ما يتعرضن للوصم عندما يتقدمن لإجراء عملية إجهاض إلى جانب الإجراءات الإدارية التي تقف حاجزاً أمام الوصول لحقهن في الإجهاض، بخاصة بالنسبة إلى النساء غير المتزوجات أو القاصرات.

وأشارت رئيسة المجموعة إلى أن بعض موظفي المراكز الصحية يمتنعون عن إجراء عمليات الإجهاض بحجة المعايير الاجتماعية والأعراف الدينية السائدة، التي ترفض الإجهاض وتحرمه، مشيرة في السياق ذاته إلى أن "الإجهاض الدوائي الذي يعتبر وسيلة آمنة وفعالة تساعد على الإجهاض بسهولة غير معمم بكل المراكز الصحية".

كما انتقدت بلحاج "مطالبة الفتاة في سن 18 بالاستظهار بترخيص أبوي، في حين أنها مواطنة تتمتع بحقوق وواجبات"، وأضافت أن "الوصم الذي تتعرض له النساء عند طلب الولوج إلى حقها في الإجهاض له عواقب وخيمة على صحتها الجسدية والنفسية وعلى مستوى المجتمع".

 وبحسب نتائج آخر دراسة أنجزتها مجموعة "توحيدة بالشيخ"، كشفت عن أن ربع الأشخاص الذكور المستجوبين هم على دراية بوجود قانون يضمن الحق في الإجهاض، مقابل أقل من 50 في المئة من الإناث، كما أظهرت الدراسة وجود تفاوت بين المناطق الريفية والحضرية وصعوبات مضاعفة للشابات والنساء في وضعيات هشة والضعيفة في بلوغ المعلومة والوصول إلى الخدمات الصحية.

ووفق الدراسة ذاتها فقد انخفضت نسبة استعمال موانع الحمل منذ 2018 وارتفعت نسبة الحاجات غير الملباة مما أسهم في تدهور معدل استخدام وسائل منع الحمل بنسبة تقارب 50 في المئة، وأن النفاذ المتكرر لمدخرات موانع الحمل الآمنة والناجعة والواقي الذكري ومنتجات الإجهاض الدوائي، تحرم مستعملي ومستعملات هذه الوسائل من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.

كذلك لاحظت المجموعة ارتفاعاً في نسب الامتناع عن القيام بعمليات الإجهاض، وتقليص الحكومة الموازنة المرصودة للصحة الإنجابية والجنسية.

وحسب شهادات بعض "النساء المستضعفات" حسب تعبير الدراسة، تبين أن الإدارات تمثل لهن عائقاً للتمتع بخدمات الصحة الإنجابية والجنسية وتكلفهن مادياً ومعنوياً أثماناً باهظة، وخطرة في بعض الأحيان.

قالت إحدى المسؤولات السابقات في الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري إن الديوان أول من أدخل طريقة الإجهاض الدوائي، ومن ثم فهو متخصص في هذه الطريقة من الإجهاض، وإن المستشفيات العمومية الأخرى ما عدا مستشفى الولادات مسؤولة عن تولي عمليات الإجهاض. وفسرت المسؤولة، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن الدواء ينقطع في بعض الفترات لكن عمليات الإجهاض متواصلة من دون مشكلات، مستدركة بأن العراقيل موجودة أكثر بالمستشفيات العمومية متعددة الاختصاصات لأسباب عدة، أهمها عدم وجود المستلزمات الطبية وعدم تدريب العاملين في هذا المجال، إضافة إلى رفض بعضهم القيام بعمليات الإجهاض بسبب الوازع الديني أو الأعراف المجتمعية. ودعت النساء اللاتي يردن الإجهاض إلى التوجه لمراكز الصحة الإنجابية وهي مراكز عمومية منتشرة في عموم البلاد تتمتع بخدمات مجانية عوض الذهاب إلى المستشفيات العمومية الأخرى التي يجدن فيها كثيراً من العراقيل.

وفي السياق ذاته، تقول المسؤولة السابقة إن كل أعوان وإطارات مراكز الصحة الإنجابية يتمتعون بدورات تكوينية متواصلة، سواء في كيفية إعطاء الأدوية أو كيفية التعامل النفسي مع النساء الراغبات في الإجهاض وبخاصة اللاتي يحملن خارج إطار الزواج.

وفي هذا الشأن، انتقدت المسؤولة السابقة الجمعيات النسائية التي ترى أنها تبالغ في تصوير الواقع، وأن عمليات الإجهاض في تونس متواصلة على رغم بعض النقائص المتمثلة أساساً في نقص الأدوية أحياناً.

وقال المكتب الإقليمي للاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة في العالم العربي إن تونس تمتلك تشريعات رائدة في المنطقة العربية تتعلق بالحقوق الإنجابية للمرأة، معتبراً أن قانون الإجهاض الصادر منذ عام 1973 من أكثر القوانين الإنجابية تقدمية في العالم العربي، إذ يسمح للمرأة بإنهاء الحمل من دون قيود تذكر، كذلك تلا تطبيقه إنشاء مراكز متخصصة لتنظيم الأسرة تقدم خدمات الإجهاض مجاناً، مما أسهم في تقليل نسبة الإجهاض غير الآمن.

واعتبر المكتب الإقليمي للاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة أن هذه الإجراءات ساعدت على تحسين صحة المرأة التونسية وحمايتها من الممارسات الخطرة التي كانت شائعة قبل إقرار القانون. ولاحظ المكتب في المقابل أن عدداً من النساء في تونس يواجهن تحديات في الوصول إلى هذا الحق، على رغم الإنجازات التشريعية التي تحققت مع مرور خمسة عقود على هذا التشريع.

وبين مكتب المنظمة أن التوزيع غير المتوازن للمراكز الصحية يشكل عائقاً كبيراً، ملاحظاً، أن مراكز تنظيم الأسرة التي تقدم خدمات الإجهاض توجد أساساً في المناطق الحضرية، مما يصعب على النساء في المناطق الريفية الوصول إلى هذه الخدمات.

وخلص إلى أن التفاوت الجغرافي يجعل النساء في القرى والمناطق النائية أكثر عرضة لخطر الإجهاض غير الآمن. وذكر أن رفض إسداء هذه الخدمة يترك النساء في موقف صعب، بخاصة العازبات والقاصرات اللاتي يعانين وصمة اجتماعية إضافية. ولاحظ أن نقص التوعية والدعم النفسي للنساء اللاتي يلجأن إلى الإجهاض يظل قضية ملحة، إذ إن كثيراً من النساء لا سيما الفتيات القاصرات والنساء الأميات لا يتلقين المعلومات الكافية حول الإجراءات الصحية أو الآثار النفسية المحتملة للإجهاض.

وترى جمعيات نسوية في تونس أن تقلص نسب الإجهاض ربما يرجع إلى سياسة الدولة غير المعلنة من خلال التشجيع على الإنجاب، وذلك نظراً إلى التراجع الملحوظ في معدل الخصوبة بتونس.

وكشفت إحصاءات حديثة للمعهد الوطني للإحصاء عن تراجع ملحوظ في عدد من المؤشرات الديموغرافية بالبلاد التونسية، منها انخفاض حالات الزواج بنحو 10 في المئة خلال عام 2024 مقارنة بالسنة التي سبقتها.

وبينت الأرقام الواردة في النشرة الشهرية للإحصاء ليوليو (تموز) أن عدد حالات الزواج قد بلغ نحو 71 ألف حالة خلال عام 2024 مقابل 78 ألف حالة خلال عام 2023 أي بتراجع بأكثر من 8 آلاف حالة.

وأظهرت الأرقام ذاتها تراجعاً في عدد الولادات ليبلغ 133 ألفاً و322 خلال عام 2024، مقابل 147 ألفاً و242 عام 2023، أي بانخفاض يقارب 10 في المئة في ظرف عام واحد.

ويعكس هذا التراجع حسب أستاذ الجامعة التونسية المتخصص في الديموغرافيا حسان قصار "استمرار المنحى النزولي لمعدل الولادات في تونس خلال الأعوام الأخيرة، في ظل تحولات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية متداخلة، من بينها تغير أنماط الزواج وتأخر سن الإنجاب فضلاً عن الضغوط الاقتصادية التي تؤثر في قرارات العائلات في شأن الإنجاب".

وكشف التعداد العام للسكان لعام 2024 أن معدل الخصوبة بلغ 1.7 طفل لكل امرأة، وهو مستوى أدنى بكثير من معدل الإحلال السكاني (2.1 طفل لكل امرأة النسبة الدنيا لتجديد الأجيال)، مما يشير إلى توجه المجتمع التونسي نحو شيخوخة متسارعة.

كذلك أبرز التعداد أن معدل النمو الديموغرافي السنوي انخفض إلى 0.87 في المئة خلال الفترة من 2014 – 2024، وهو الأضعف منذ الاستقلال.

وتظهر هذه المؤشرات تحولاً ملحوظاً في التركيبة العمرية للسكان، مع ارتفاع نسبة كبار السن وتراجع قاعدة الهرم السكاني من فئة الأطفال والشباب، وهو ما يطرح تحديات مستقبلية أمام سوق الشغل ونظم الحماية الاجتماعية والسياسات العمومية في مجالات الصحة والتعليم والرعاية.

ويرى متخصصون في الشأن الديموغرافي أن استمرار هذا التراجع في معدلات الزواج والولادات والخصوبة، قد يعمق إشكالات شيخوخة المجتمع إذا لم يتم اعتماد سياسات فعالة، مؤكدين الحاجة إلى مقاربات شاملة توازن بين الفئات العمرية وتضمن استدامة المنظومات الوطنية.

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار تونس على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com