اخبار تونس

اندبندنت عربية

سياسة

التحرش في تونس "وصمة" تتوارى خلف جدار الصمت

التحرش في تونس "وصمة" تتوارى خلف جدار الصمت

klyoum.com

90 في المئة من النساء تعرضن له في وسائل النقل العمومي و"الإلكتروني" قد يفضي إلى الانتحار

على رغم أن تونس تعد من الدول الرائدة في مجال حقوق النساء، فإنها تشهد تنامياً ملاحظاً لظاهرة التحرش في الفضاء العام. وعلى رغم ما أقرته السلطات من تشديد للعقوبات ضد مختلف أشكال العنف المسلط على المرأة، بما في ذلك التحرش، فإن ضعف تطبيق القانون على أرض الواقع أسهم في تفشي الظاهرة واستفحالها، وسط مناخ من الإفلات من العقاب.

تظهر إحصاءات أعدها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة أن 90 في المئة من النساء في تونس، تعرضن للتحرش الجنسي في وسائل النقل العمومي وتعرضن للعنف النفسي في الأماكن العامة بنسبة 78.1 في المئة، وللتحرش الجنسي من زملائهن في العمل بـ75.4 في المئة، فيما بلغ معدل النساء ضحايا العنف الجنسي 43.8 في المئة.

يصف المهتمون بالقضايا النسائية هذه الأرقام بالمفزعة والصادمة، التي تقر وجود مشكل حقيقي لا بد من التوقف عند أسبابه، وكيفية معالجته، في بلد تولي فيه القوانين أهمية كبيرة لحقوق النساء.

وكشفت شهادات عدة لنساء وفتيات عن معاناتهن وتجاربهم القاسية، جراء التحرش بشتى أنواعه.

تقول أمل، موظفة ثلاثينية، إنها تضطر يومياً إلى ركوب وسائل النقل العمومية، مما يجعلها عرضة للتحرش المعنوي واللفضي وأحياناً الجسدي. وتروي أمل حادثة وقعت لها في أحد وسائل النقل، إذ تحرش أحد الركاب من الشباب بها وتقرب منها بطريقة مقرفة، فضربته في وجهه مما أثار غضبه، وواصلت "توجهت إلى مركز الشرطة لتقديم شكاية قانونية ضده، إلا أن عون الأمن ضحك بسخرية وقال (اقتني سيارة وهكذا لا تتعرضين لا للتحرش ولا لغيره)". وتابعت "للأسف لم أتحصل على حقي والشكاية بقيت على رفوف مركز الأمن".

أما مروى، شابة عشرينية، فتقول إنها خسرت عملها لأن صاحب الشركة تحرش بها، وعرض عليها الذهاب معه إلى منزله الخاص، وعند رفضها أصبح يبحث لها عن هفوات وأخطاء لطردها. تقول إنها قررت الاستقالة، لأنها لم تعد تشعر بالأمان، وعند سؤالنا عن تتبع صاحب العمل قانونياً، قالت إنها تخاف كلام الناس، وإن أحداً لن يصدقها، بخاصة أن زملاءها في العمل لا يمكن أن يشهدوا معها بسبب خوفهم من خسارة عملهم.

هذه قصص من بين آلاف القصص التي تمر بها نساء تونسيات يومياً، مما جعل منظمات المجتمع المدني تشن حملات للتوعية بخطورة ظاهرة التحرش التي أخذت أبعاداً أخرى أخطرها التحرش بالأطفال، وأيضاً انتشار هذه الظاهرة في وسائل التواصل الاجتماعي.

في هذا الصدد تقول المديرة التنفيذية لجمعية كلام النسوية فريال جرادي شرف الدين إنه "على رغم أن تونس من البلدان العربية التي تنخفض فيها نسبة التحرش، إلا أن الظاهرة تقلق المجتمع بانتشارها في الفضاءات العامة وبخاصة الافتراضية".

وأوضحت شرف الدين في تصريح خاص أن "المتحرشين اليوم يجدون التحرش في هذه الفضاءات أسهل وأكثر أماناً، في ظل الثغرات القانونية وعدم تطبيق القانون".

 

ويعد الفضاء الرقمي من أكثر الفضاءات التي تتعرض فيها النساء في تونس للتحرش، وفق الدراسات الرسمية، بحسب المتحدثة.

تقول الناشطة الحقوقية إنهم نظموا حملات للتوعية بأخطار هذه الظاهرة، ولكسر حاجز الصمت حولها، وتحفيز الضحية على ردع المتحرش من خلال فضحه، وعدم السكوت على فعله، خصوصاً في وسائل النقل العمومي التي تجمع كل الدراسات على كونها من أكثر الفضاءات التي تتعرض فيها المرأة للتحرش.

كما تحدثت الناشطة النسوية عن انتشار العنف في الوسط المدرسي، وتقول إن هناك حاجة إلى مزيد التوعية، ولتكريس ثقافة جنسية تجعل الأجيال الناشئة مدركة لأهمية التصدي لهذه الظاهرة، وترى أن تدريس مادة التربية الجنسية، وهي الخطوة التي كانت وزارة التربية قد أعلنتها سابقاً من دون تنفيذها، مهمة جداً لتنشئة أجيال واعية بأهمية احترام الجسد والحفاظ عليه.

ونوهت شرف الدين على أهمية تعاون الدولة مع المجتمع المدني الذي أثمر نتائج جيدة على أرض الواقع، إلا أنها تأسفت على توقف الدولة عن التعاون مع المنظمات في الفترة الأخيرة، مما أسهم في تفشي ظواهر وسلوكات سيئة.

من جهتها أكدت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن التحرش الإلكتروني من بين أكثر أنواع العنف ضد النساء شيوعاً في الفضاء الرقمي بتونس، إذ يمثل 31 في المئة من الحالات.

وبحسب معطيات قدمتها الجمعية خلال محاكمة صورية للعنف السيبراني ضد النساء بالعاصمة تونس، فإن التحرش يمثل 31 في المئة من مجموع حالات العنف ضد النساء في الفضاء الرقمي، فيما تمثل المطاردة والمراقبة الإلكترونية 24 في المئة.

وذكرت الجمعية أن نتائج المسح الوطني حول العنف القائم على النوع الاجتماعي، التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء عام 2022، أفادت بأن 84.7 في المئة من النساء المستجوبات أكدن تعرضهن لصورة واحدة من العنف في الأقل منذ سن الـ15، وأن 14.4 في المئة من هذه الحالات تمت في الفضاء الافتراضي.

وأضافت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن دراسات أخرى تؤيد هذه الأرقام لا سيما تلك التي أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان ومختبر البحوث التابع لأحد المستشفيات المحلية حول انتشار ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي ارتفعت وتيرته في ظل استعمال وسائل التواصل الاجتماعي.

واستناداً إلى هذه الدراسات جرى التأكيد خلال اللقاء أن 60 في المئة من النساء التونسيات اللاتي تفوق أعمارهن 18 سنة وقعن ضحايا لنوع واحد في الأقل من 14 صورة من صور العنف القائم على النوع الاجتماعي المدرجة في قائمة صندوق الأمم المتحدة للسكان، إذ مثلت التكنولوجيا عامل تيسير للاعتداء على النساء.

واعتبرت الجمعية أن العنف السيبراني أصبح يشكل خطراً على حياة النساء عموماً، مما يستدعي الاهتمام والمتابعة والتفكير للكشف عن هوية مرتكبيه وتداعيات ممارساتهم العنيفة على النساء وعلى صحتهن النفسية، والتركيز على التحديات التي يواجهنها في ظل تسارع نسق التغير الاجتماعي وبخاصة التطور الرقمي والتكنولوجي.

تفيد الكاتبة العامة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات هالة بن سالم أن القانون الأساس رقم 58 لعام 2017، المتعلق بالقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، ثورة ومكسب في الحرب ضد التحرش والعنف ضد النساء، إلا أن واقع التطبيق ومسار التقاضي مغاير ولا يعكس التطلعات التي انتظرها الضحايا.

وتؤكد بن سالم في تصريح خاص أن تقديم الشكايات ضد المتحرشين يطول مسارها، وتواجه عراقيل يخلقها من جرى تكليفهم بتطبيق القانون.

وبحسب بن سالم فإن إثبات الواقعة من بين أبرز الأسباب التي تجعل النساء يتراجعن عن فضح تعرضهن للتحرش، مضيفة أن "الوصم الاجتماعي والخوف من رد فعل المجتمع الذي دائماً ما ينظر للمرأة على أنها المذنبة، ويحملها مسؤولية التحرش بها، علاوة على صعوبة إثبات فعل التحرش يدفعها للجوء إلى الصمت".

وتعتبر بن سالم أن "الإفلات من العقاب وعدم الصرامة في تطبيق القانون، شجعا المتحرشين على التمادي في أفعالهم"، وتؤكد أن التحرش هو صورة من صور العنف ضد المرأة، وله تداعيات كبيرة عليها وعلى المجتمع.

ويعاقب القانون التونسي كل من يضايق سيدة ويجرم التحرش بموجب القانون الأساسي رقم 58 لعام 2017 المذكور، ويعرف التحرش كما يلي "يعتبر تحرشاً جنسياً كل اعتداء على الغير بالأفعال أو الإشارات أو الأقوال، تتضمن إيحاءات جنسية تنال من كرامته أو تخدش حياء، وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغبات المعتدي أو رغبات غيره الجنسية، أو بممارسة ضغط خطر عليه، من شأنه إضعاف قدرته على التصدي لتلك الضغوط".

وتصل عقوبة جريمة التحرش الجنسي إلى السجن مدة عامين، أو غرامة قدرها 5 آلاف دينار (1500 دولار).

وكانت وزارة المرأة التونسية قد أطلقت سابقاً تطبيقاً يتيح لضحية التحرش أو للشهود، تحديد مكان وزمان ونوعية الاعتداء، وتشغيل صوت عال لإحراج وإخافة المتحرش وتذكيره بالعقوبة.

تحدثت المختصة في علم النفس مروى إسكندراني، في تصريح خاص، عن الآثار النفسية العميقة التي تتعرض لها ضحية التحرش، وتصل أحياناً إلى نوبات هلع قوية تؤثر في صحتها وفي حياتها، وأضافت أن "حالات الصدمة التي شعر بها بعض الضحايا قد تؤدي إلى الانتحار".

وتتذكر إسكندراني إحدى الضحايا، وهي مراهقة جاءت بها عائلتها للعلاج النفسي بعد محاولة انتحار، بعد تعرضها إلى عملية تحرش على مواقع التواصل الاجتماعي أدت بها إلى عملية ابتزاز من خلال صور لها، مما جعلها تشعر بالخوف الشديد من عائلتها وبكتمانها للحادثة أدى بها الأمر إلى محاولة انتحار.

وترى المختصة في علم النفس أن "المسؤولية تحمل دائماً للمرأة أياً كان نوع الفعل المرتكب ضدها، فهي التي ارتدت ثياباً غير لائقة، أو قامت بإشارات أو تفوهت بعبارات أثارت الطرف الآخر"، وتتابع "هناك دائماً من يصم المرأة ويؤنبها، لذلك يرتفع جدار الصمت عالياً، ويظل هذا الموضوع من المواضيع المسكوت عنها، التي تفضل النساء عدم الخوض فيها وفضحها خوفاً من تداعيتها عليها، وهو ما يشجع المتحرش على الاستمرار في فعله مع أكثر من ضحية".

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار تونس على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com