مرضى الأبطن في تونس... رحلة بحث عن الغذاء والدواء
klyoum.com
أخر اخبار تونس:
النقابات الفرنسية تنظم جولة جديدة من الاحتجاجاتيعانيه واحد في المئة من السكان نصفهم من الأطفال وينتظرون اعتراف الدولة بمعاناتهم
يعاني واحد في المئة تقريباً من سكان تونس مرض الأبطن (تحسس الغلوتين)، ويصل عددهم إلى 100 ألف شخص نحو 50 في المئة منهم من الأطفال و50 في المئة من الكهول، منتشرين في جميع جهات الجمهورية، وثلث هؤلاء فقط تم تشخيصهم ويتابعون حمية غذائية خاصة، ويصل عددهم إلى نحو 35 ألف شخص، رحلتهم متواصلة، مثخنة بالألم وبالمعاناة، بحثاً عن الغذاء المناسب والكلفة الملائمة، وعن الاعتراف في منظومة التأمين الصحي في البلاد.
ومرض الأبطن هو تحسس لمادة زلالية وهي الغلوتين الموجودة في القمح والشعير، حيث تتوقف الأمعاء الدقيقة عن امتصاص الأغذية بصورة طبيعية، لدى المصابين، ويعتبر الإسهال المزمن وانتفاخ البطن وسوء التغذية، من أبرز علامات الإصابة بهذا المرض، بينما يصبح الطفل ضعيفاً، ولا ينمو بشكل طبيعي، علاوة على الإصابة بفقر الدم ونقص الفيتامينات وهشاشة العظام، ويتم تشخيص الإصابة بالمرض من خلال تحاليل الدم والفحص بالمنظار، والعلاج الوحيد هي الحمية الغذائية من دون مادة الغلوتين التي تتواصل مدى الحياة.
دلال المشرقي (52 سنة)، اكتشفت إصابتها بمرض الأبطن في عام 2008، بعدما أجرت سلسة من التحاليل والفحوصات الطبية، ومنذ ذلك التاريخ تواجه صعوبات كبرى في الحصول على الغذاء المناسب، تقول "كلفة الغذاء والعلاج عالية جداً، ولا تتماشى والقدرة الشرائية لعموم التونسيين"، لافتة إلى أن "الأغذية في البداية لم تكن متوافرة بالشكل المطلوب، وكلها مستوردة، إذ يصل الكيلوغرام الواحد من المكرونة إلى 18 ديناراً (ستة دولارات)، وأتناولها للضرورة ولسد الرمق، إلا أنها ليست لذيذة، بينما يبلغ سعر الكيلوغرام من الدقيق 24 ديناراً (ثمانية دولارات)".
ومنذ أن اكتشفت إصابتها فقدت دلال لذة ونكهة الأكلات العادية، وباتت تنتقي ما يتناسب مع حالتها الخاصة، إلا أن الكلفة المادية للأغذية المناسبة قصمت ظهرها قائلة "أتناول 200 غرام من المكرونة بـ14 ديناراً (خمسة دولارات)".
وتطالب دلال بـ"توفير الأغذية بأسعار رمزية، وبالتخفيض في كلفة التحاليل التي تصل إلى 600 دينار (200 دولار) وهي تحاليل دورية".
وفي تعليقها على المساعدة المادية التي رصدتها وزارة الشؤون الاجتماعية لمرضى الأبطن من العائلات الفقيرة، أكدت دلال أنها "لا توفر سوى كيلوغرام واحد من الدقيق شهرياً، إنها مفارقة عجيبة، أطالب بحل مجز ينصف كل المرضى، أنا لست في حاجة إلى تلك المساعدة، لم أذهب إلى الطبيب منذ ثلاثة أعوام، وأعاني آلاماً مزمنة، إنها معاناة يومية ومأساة".
في المقابل، لن تنتفع نسرين المحمودي (24 سنة) خريجة الجامعة تخصص اقتصاد، من المساعدة التي وضعتها الدولة لمرضى الأبطن (تحسس الغلوتين)، إذ لا تصنف أسرتها ضمن الأسر الفقيرة، أو محدودة الدخل التي يشملها نظام الأمان الاجتماعي، إلا أنها تعتبر إقرار مساعدة مالية لهذه الفئة من المرضى خطوة في الاتجاه الصحيح في انتظار تعميمها والترفيع في قيمتها.
وتتقاسم نسرين مع دلال الهواجس نفسها إذ تواجه صعوبات في الحصول على الغذاء المناسب وبسعر ملائم، وتقول "أضطر إلى العمل أحياناً في مجالات لا تناسب مؤهلاتي من أجل مساعدة أسرتي على توفير الغذاء الخالي من الغلوتين".
وتستعد نسرين للهجرة إلى أوروبا من أجل العمل، ولتوفر نظام تأمين صحي، يشمل مرضى الأبطن عكس تونس التي لا يعترف نظامها للتأمين الصحي بهذا المرض وهي "مفارقة غريبة" في تقديرها.
يشار إلى أن المواد الغذائية الخالية من الغلوتين توجد عادة في الصيدليات وفي المحال الكبرى، وغير متوافرة بالشكل المطلوب بخاصة في الجهات الداخلية والمناطق النائية، لذلك تعمل الجمعية التونسية لمرضى الأبطن على معالجة وتذليل تلك الصعوبات.
ويبلغ عمر الجمعية اليوم أكثر من 20 عاماً، عملت خلالها على التكوين والتعليم من خلال ورشات تدريبية في جهات عدة في الجمهورية لتعميم الفائدة حول خصوصية هذا المرض، حيث يتم تعليم العائلات التي لها مصاب أو أكثر بحساسية الغلوتين، كيفية استعمال دقيق الرز والذرة، وإعداد أطباق بسعر أقل من المواد التي تباع في المحال والصيدليات، كما توفر الجمعية كتباً ومطويات تتضمن معلومات حول الحمية وكل ما يهم حياة المرضى اليومية.
من جهته، يقول رئيس الجمعية التونسية لمرضى الأبطن منجي حرز الله لـ"اندبندنت عربية"، إن "الجمعية أنشأت ثلاثة مخابز في كل من تونس وجربة وسيدي بوزيد، توفر الخبز والمواد الخالية من الغلوتين بأسعار معقولة، وفي متناول جميع التونسيين".
وتقدم الجمعية المساعدة الفنية والمادية لمن يرغب في الاستثمار في هذا المجال، وهي حركة رمزية وإنسانية تحرص الجمعية على استمرارها، نظراً إلى ما تواجهه هذه الفئة من صعوبات، داعياً إلى "تعميم التجربة لأنها توفر الشغل من ناحية، والمواد الأساسية لمرضى الأبطن من ناحية أخرى".
يذكر أن عدداً من المستثمرين اليوم يشتغلون في هذا المجال، وبرزت عدة علامات تجارية ناشطة، وتوفر مواد غذائية خالية من الغلوتين، وعلى رغم أن أسعارها أقل من الصيدليات والمحال الكبرى، فإنها تبقى باهظة، وليست في متناول المصابين بهذا المرض من الفئات المتوسطة والضعيفة.
وبينما تقدم الجمعية مساعدات لأكثر من 500 عائلة، يدعو حرز الله السلطة إلى "الاعتراف بهذا المرض، كمرض طويل المدى، ليتمكن المصابون به من استرجاع مصاريف الحمية الغذائية التي تكلفهم أعباء إضافية"، معبراً عن تفهمه لحال الصناديق الاجتماعية، ومقترحاً "التدرج في الاعتراف به كأن يتم في مرحلة أولى الاعتراف بالأطفال المصابين، ثم يتم تدريجاً تعميم الإجراء على بقية المرضى".
ويشار إلى أن كلفة المواد الغذائية الأساسية لكل مريض بحساسية الغلوتين تراوح ما بين 150 ديناراً (50 دولاراً)، و250 ديناراً (80 دولاراً) في الشهر الواحد، لذلك يرى رئيس الجمعية أن "المساعدة المالية التي وضعتها الدولة، وإن كانت إيجابية، فإنها غير كافية، لأنها لا تغطي إلا 30 في المئة فقط من الكلفة الغذائية لمريض الأبطن في الشهر"، داعياً إلى الترفيع في قيمتها وتعميمها، وموضحاً أن "المنحة تهم فقط العائلات المعوزة والمسجلة في برنامج الأمان الاجتماعي".
يذكر أن وزير الشؤون الاجتماعية، عصام الأحمر، أفاد في تصريحات إعلامية بأنه تم اتخاذ إجراء جديد يتمثل في الإحاطة بهذه الفئة عبر تمتيعهم بمنحة شهرية قدرها 30 ديناراً (10 دولارات)، لكل فرد، بعنوان التكفل بنفقات الغذاء، مشيراً إلى أن الوزارة بصدد العمل على تعميم هذه الإحاطة على أصناف أخرى من الأمراض النادرة ضمن مشروع قانون المالية 2026.