عمالة الأطفال في تونس تتحول ظاهرة مقلقة
klyoum.com
ارتفاع نسب الأولاد العاملين في القطاع الزراعي يمثل 50 في المئة من مجموع العاملين في مجالات عدة أخرى
بدأت عمالة الأطفال في تونس تتحول إلى ظاهرة مقلقة تثير اهتمام الباحثين في علم الاجتماع وبعض الجمعيات المدنية، وسط صمت رسمي، خصوصاً بعد الكشف عن أرقام صادمة لتزايد عدد الأطفال العاملين في القطاع الزراعي.
وأظهرت نتائج دراسة ميدانية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن عمالة الأطفال في البلاد شهدت زيادة مثيرة خلال السنوات الأخيرة، إذ كشفت أن أكثر من 136 ألف طفل يعملون في القطاع الزراعي، وهو ما يمثل 50 في المئة من مجموع الأطفال العاملين في مجالات عدة أخرى.
وبحسب الدراسة نفسها، أسهم التسرب المدرسي بصورة كبيرة في ارتفاع عمالة الأطفال، كما تفاقمت حدة هذه الظاهرة مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر في بعض المناطق الداخلية والريفية التي تشهد بطئاً في تحقيق التنمية، إذ يدفع بالأطفال من دون إرادتهم إلى سوق العمل في سن مبكرة، للمساهمة في إعالة أسرهم التي تسعى إلى تحسين الظروف المادية. في هذا الصدد يقول الناشط في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رامي بن علي في تصريح خاص إن "الدراسة الميدانية أثبتت أن غالب الأطفال الذين يزج بهم إلى العمل في سن مبكرة ينتمون إلى المحافظات الأقل تنمية في الشريط الغربي للبلاد، إذ يستغلون في أعمال مختلفة، أبرزها في قطاعي الفلاحة والصناعة".
ظاهرة مقلقة
ويضيف بن علي أن عمالة الأطفال في تونس بدأت تتحول إلى ظاهرة مقلقة، خصوصاً وأن بعض الأطفال الذين يشتغلون في الأنشطة الزراعية هم دون سن الـ13، وغالبهم من الفتيات المنقطعات عن الدراسة في مراحلها الأولى أو الأميات بصورة تامة، وقد تترتب على هذه المظاهر نتائج وخيمة على المجتمع.
ويواصل الناشط المدني "في المقابل يقع استغلال الذكور بدرجة أكبر في الأعمال الصناعية"، و"تبعات العمل في سن مبكرة تشكل خطراً كبيراً على صحة الناشئين من خلال تعرضهم لأخطار مختلفة، من بينها التعامل المباشر مع المبيدات الزراعية واستنشاقها خلال الأنشطة الفلاحية المختلفة".
آثار الانقطاع عن الدراسة
ويحذر بن علي من الآثار النفسية المترتبة عن الانقطاع المبكر عن الدراسة والانخراط في سوق الشغل داخل بيئة عمل غير محمية وغير مناسبة لأعمارهم، مبيناً بأن ذلك يخلق مستقبلاً شخصيات هشة ومنكسرة، خصوصاً إذا جرى التعامل معهم بطرق فيها كثير من العنف المعنوي المادي، ويضيف "غالبية الأطفال العاملين في القطاع الزراعي تدفع بهم عائلاتهم إلى العمل في الحقول لعدم توفر حلول أخرى لتحسين وضعهم المادي، مما يحرمهم من عيش حياة طبيعية خلال أهم مرحلة من مراحل العمر، وهي المرحلة التي تتشكل فيها شخصية الفرد".
إحصاءات رسمية
وبينت إحصائيات رسمية أن عدد المنقطعين عن الدراسة خلال العام الدراسي 2019-2020، في تونس بلغ نحو 73 ألفاً، أكثر من 35 في المئة منهم من الإناث، وفق تقرير وزارة المرأة لعام 2021 حول الطفولة، كما أن 70 في المئة منهم يعودون للتعليم الخاص أو التكوين المهني، وينقطع الـ30 في المئة المتبقون نهائياً.
غياب الرقابة والعائلة وصاحب الشغل
في سياق متصل، يقول الباحث في علم الاجتماع فؤاد غربال إن من أهم أسباب انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال في القطاع الفلاحي هي تفاقم الفقر لدى عدد العائلات في بعض المناطق الداخلية غرب البلاد ووسطها"، ويواصل في تصريح خاص "وبزج أبنائهم في سوق الشغل الهش هم يبحثون في الأصل عن تطوير الاستراتيجيات لمقاومة الفقر، ولهذا نجد غالباً أن العائلات التي تفكر بهذه الطريقة عدد أطفالها مرتفع مقارنة بالبقية"، ويضيف غربال "وبالتالي هم في البداية يحاولون سرقة وقت المدرسة من أجل تشغيل أبنائهم، مما يتسبب في فشلهم في الدراسة وكنتيجة حتمية يضطرون إلى التسرب المدرسي".
ومن الأسباب المهمة الأخرى يشير غربال إلى "غياب الرقابة القانونية من الدولة على رغم ترسانة القوانين ومجلة الطفل والاتفاقات الدولية التي وقعت عليها تونس، التي تحرم تشغيل الأطفال".
كما تحدث فؤاد غربال عن الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها القطاع الفلاحي، التي تسهم في البحث عن حلول لتخفيف ضغط المصاريف من خلال تشغيل الفئات الهشة، وخصوصاً الأطفال، واستغلالهم بأجر زهيد من أصحاب المشاريع الفلاحية.
ويستخلص غربال أن تشغيل الأطفال هو "تواطؤ بين العائلة والدولة وأصحاب المشاريع الفلاحية".
وأشار إلى الأسباب الاجتماعية وارتفاع نسب الفقر في مناطق عدة، مما يسهم في ارتفاع نسب تشغل الأطفال في المنازل والفلاحة والمهن الأخرى، على رغم القوانين والاتفاقات التي صادقت عليها تونس. هذا والأخطر من ذلك أن هولاء الأطفال معرضون أكثر من غيرهم لأخطار العنف والاستغلال، كما أشار إلى أن دخول المدارس في مناطق داخلية عدة صعب بسبب البنية التحتية المنعدمة وبعد المسافة وأخطار الفياضانات وغيرها.