تونس تواجه أزمة نقص الخدمات الطبية بمستشفيات افتراضية
klyoum.com
أعلنت إنشاء أول مؤسسة صحية رقمية في البلاد داخل مدينة طبرقة
دشنت السلطات الصحية في تونس مستشفى رقمياً هو الأول من نوعه داخل البلاد، بهدف تقريب الخدمات الطبية والصحية من المواطنين الذين يعانون اكتظاظاً في المستشفيات الحكومية، مما يثير امتعاضاً مستمراً.
وقالت وزارة الصحة التونسية ضمن بيان إن "هذا المستشفى سيركز في بدايته على خدمة التصوير الطبي من بعد، ولضمان نجاح هذا المشروع قامت الوزارة بتنظيم دورات تكوينية للأطباء"، وكشفت عن أنها تعمل على توسيع هذه التجربة لتشمل بقية مناطق البلاد.
وهذا المستشفى أُنشئ في مدينة طبرقة التابعة لولاية (محافظة) جندوبة التي تبعد من العاصمة تونس نحو 160 كيلومتراً، ولم تعلن السلطات الصحية المناطق التي ستشملها الخدمات الطبية من بعد.
ويأتي هذا المشروع خلال وقت تسعى فيه السلطات التونسية إلى "رقمنة" المنظومة الصحية، التي تعاني مشكلات كبيرة على غرار هجرة الأطباء ونقصاً حاداً في الأدوية، وهو ما يثير مخاوف جدية حول مستقبل العلاج في البلاد.
وتعهدت السلطات الصحية بتوسيع مشروع خدمات الطب من بعد لتشمل أنحاء البلاد كافة، دون الكشف عن موازنات رصدت أو سترصد من أجل تنفيذ ذلك.
وقال الباحث في الطب المتخصص في علم الأورام معز بن علي إن "الطب من بعد أمر ليس جديداً في العالم، ونجح في نقاط وفشل في أخرى، ونجح في المناطق الداخلية والأرياف وهي مناطق لا تتوافر فيها خدمات طبية بالصورة المطلوبة".
وأضاف بن علي ضمن حديث خاص لـ"اندبندنت عربية"، "في تونس سُنَّ إطار قانوني من أجل إطلاق الطب من بعد، لكنني كنت أتمنى أن تُطلق المستشفيات الافتراضية لأن ميزاتها كثيرة، ولم تنجح حتى الآن سوى دولة عربية وحيدة في اعتمادها وهي السعودية".
وشدد على أن "الطب من بعد اختصاص قديم، وإطلاقه مع تبني إطار قانوني يجعل فرص نجاحه في تونس ممكنة، لكن المشكلة أن هذا الاختصاص أُطلق بعد ضغوط سُلطت على الحكومة من أجل ذلك. لذلك، يجب أن تُطلق مثل هذه المشاريع بعد دراسات عميقة".
واستدرك بن علي بالقول "لكن هذا الاختصاص قد يكون حلاً خصوصاً للذين يعانون أمراضاً مزمنة في ظل الاكتظاظ الذي تعرفه المستشفيات التونسية، ومع ذلك فإن نجاح هذا المشروع يبقى رهين بعض الإجراءات التي من أبرزها توفير بنية تحتية ضرورية تشمل على سبيل المثال إنشاء منصة لتسجيل المواعيد، وأيضاً التقارير الطبية والتنسيق بين الأطباء والمرضى وغير ذلك".
ولفت المتحدث إلى أن "تكوين الإطار المعالج من أطباء وتقنيين أمر ضروري أيضاً لإنجاح هذه الخطط، بالتالي الطب من بعد قد يكون حلاً للحد من الفوارق بين المدن الداخلية والمدن التي بها مستشفيات جامعية وحكومية، وحلاً للاكتظاظ، لكنه يبقى حلاً قديماً ولابد من تدعيم النصوص القانونية وخلق بروتوكولات علاجية منظمة".
ومن المقرر أن تعطي السلطات الصحية داخل تونس الأولوية في إنشاء المستشفيات من بعد إلى المناطق النائية والداخلية، من أجل تمكين سكانها من الخدمات الطبية، خصوصاً في ظل نقص الإطارات الطبية هناك وأيضاً تخفيف الأعباء عن مستشفيات العاصمة المكتظة.
وشهدت تونس خلال الأعوام الماضية نزفاً غير مسبوق للأطباء الذين اختاروا مسار الهجرة إلى خارج البلاد، مبررين ذلك بالأوضاع المادية الصعبة وأيضاً تردي البنية التحتية داخل المستشفيات الحكومية.
وعدَّ المكلف الذكاء الاصطناعي وتطوير المنظومة الرقمية بوزارة الصحة في تونس أيمن الشخاري أن "المشروع يعد تجربة فريدة، تندرج ضمن استراتيجية وزارة الصحة لدفع تونس نحو استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في القطاع الطبي".
وأشار الشخاري إلى أن "بعض الدول الأوروبية المتقدمة لا تمتلك حتى الآن مستشفى رقمياً مماثلاً"، لافتاً إلى أن "مقر المستشفى الرقمي سيكون داخل وزارة الصحة، وسيتعاون مع جميع المؤسسات الصحية العمومية في أنحاء البلاد، مع خطة لتوسيع نطاق التخصصات المتاحة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة".
ومن جانبه، اعتبر طبيب القلب نزيه الزغل أن "تكريس الطب من بعد في تونس يشكل خطوة خارقة للعادة، لأنها ستخفف من وطأة الضغوط على المستشفيات الحكومية، وسيُبدأ بالتصوير الطبي قبل توسعتها لتشمل اختصاصات أخرى، وستُجرى كشوفات من بعد".
وأردف الزغل ضمن تصريح خاص أن "هذه الخطوة ستساعد كذلك على حل مشكل رئيس تعانيه تونس، وهو النقص في الأطباء والتقنيين الذين يقومون بالكشوفات الطبية، ولابد من توسيع هذا المشروع ليشمل مناطق أخرى خصوصاً تلك التي تعاني نقصاً في الإطارات الطبية".
وحول ما إذا كانت هذه الخطوة تحمل أخطاراً ما، نفى الزغل ذلك قائلاً إنها "لا تحمل أية أخطار، بل على العكس تحمل إيجابيات كثيرة وستشكل نقلة نوعية في قطاع الصحة داخل البلاد، شريطة أن يُمضى قدماً فيها".
وفي خضم تزايد المشكلات التي تعانيها المنظومة الصحية في تونس، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطط ستقود إلى تطوير الطب داخل البلاد، التي تشكو أصلاً من أزمات مالية وسياسية واقتصادية خانقة.