اخبار تونس

أنباء تونس

ثقافة وفن

كتاب ”نجاتولوجيا’’ لمحمد الخزامي : نحو التّأسيس لأدب الإنقاذ

كتاب ”نجاتولوجيا’’ لمحمد الخزامي : نحو التّأسيس لأدب الإنقاذ

klyoum.com

ما يُكْتَبُ في مجال "التّنمية البشريّة" هي كتُبٌ نجحت في أن تفرض نفسها لدى جمهور القرّاء، وهي كتب تلقى رواجا لدى شريحة مخصوصة من القرّاء اليافعين، وهذا في تقديرنا سبب كافٍ لنعترف بمشروعيّتها وحقّها في أن تتمتّع بمساحة كافية في السّوق الثّقافيّة المحليّة والعالميّة.

د. هالة العتيري

ننطلق في قراءتنا هذه من إشكاليّة تهمّ مصطلح "أدب الإنقاذ" باعتباره منبثقا من "أدب تنمية الذّات". ولا نميل في هذا الصّدد إلى استعمال مصطلح "الأدب" عند الحديث عن كتب "التّنمية البشريّة"، لأنّ أدبيّتها، في تقديرنا، تبقى قيْد الاختبار، وتتدخّل في تحديدها معاييرُ مختلفة منها الأسلوبيّة والجماليّة والمضمونيّة…

فلنتّفق إذن على أنّ ما يُكْتَبُ في مجال "التّنمية البشريّة" هي كتُبٌ نجحت في أن تفرض نفسها لدى جمهور القرّاء، وهي كتب تلقى رواجا لدى شريحة مخصوصة من القرّاء اليافعين، وهذا في تقديرنا سبب كافٍ لنعترف بمشروعيّتها وحقّها في أن تتمتّع بمساحة كافية في السّوق الثّقافيّة المحليّة والعالميّة.

في العرض والطّلب

يحقّ لنا أن نتساءل عن سرّ رواج هذا النّوع من الكتب التي صارت تستقطب عددا كبيرا من القرّاء، وهذا واقع نلاحظه خاصّة في معارض الكتاب الدّولية والجهويّة.

يبدو أنّ كتب تنمية الذّات تستقطبُ جمهورا من القرّاء اليافعين لأنّها تمنحهم جرعة مطلوبة من الأمل… تلك القشّة التي نتشبّثُ بها في واقع متأزّم.

ويكون هذا الأمل المنشود مُتاحا يكادُ يُلمسُ باليدين، يُقدّمُ في شكل نصائح منبثقة من تجارب شخصيّة، أو وصفات جاهزة تأخذ بيد القارئ ليحقّق نجاحا في ميدان مّا… وهو نجاح لا يكاد يتحقّق إلّا بفضل قيمتيْن أساسيّتيْن تروّج لهما كتب تنمية الذّات:

– القيمة الأولى هي قيمة "الذّات" أو "الأنا" (من خلال كتب تعزيز الثّقة في النّفس على سبيل الذكر لا الحصر).

– القيمة الثانية هي قيمة المادّة (من خلال فكرة جلب المال/ تحقيق الكسب/ الرّبح…)

أدب الإنقاذ في مواجهة الآلة المتوحّشة

لا ننكر بطبيعة الحال أهمّية القيمتين المذكورتين آنفا في عصرنا اليوم وفي عالمنا الرّاهن، ولكنّنا نتعامل معهما بحذر شديد، ذلك أنّهما تبدوان في تقديرنا سليلتيْ التّوجّه اللّيبرالي الرّأسمالي، تلك الآلة المتوحّشة التي سقطت عنها كلّ الأقنعة.

ويمكن أن نلخّص ما يجعلنا نحذر من التّرويج لفكرة الفردانيّة كونها تستبطن فكرة الخلاص الفرديّ، ولا نظنّها ملائمة لواقعنا الوطنيّ والعربيّ، خاصّة في ظلّ الأزمات المتراكبة الّتي نعيشها. صارت فكرة الفردانيّة شبيهة بورم خبيث ينخر الهيكل المجتمعي. وتتجلّى أعراضه في الأزمة الأخلاقيّة الّتي يشكو منها مجتمعنا… تتضخّم قيمة "الفردانيّة" على نحو غير سويّ لتتحوّل إلى أنانيّة مفرطة تحكم العلاقات الإنسانية انطلاقا من أبسط الوضعيّات وصولا إلى أعقدها وأشدّها تأثيرا في النّاس. وتتضخّم فكرة "الكسب" لتصير هدفا أسمى يُضحّى في سبيله بقيم أخرى نذكر منها النزاهة والأمانة والصّدق وغيرها… وهي في تقديرنا القيم التي نحتاج إليها اليوم لننجو من الطّوفان الرّأسمالي الشّنيع، وهي أطواق الإنقاذ التي علينا أن نتشبّث بها…

"نجاتولوجيا، خطط ممكنة لإنقاذ شامل"

ينطلق محمد الخزامي في كتابه الموسوم " نجاتولوجيا، خطط ممكنة لإنقاذ شامل"، من وضعيّات وتجارب، بعضها شخصيّ وبعضها الآخر جمعيّ، قدحت في ذهنه تأمّلات وأسئلة، هدفُها- في تقديرنا- واحدٌ، وهو تجاوز الألفة التي تربطنا بعادات استهلاكيّة وسلوكيّة مؤذية.

هذا التّطبيع مع الأذى، هو تحديدا ما يحاول أن ينقذنا منه.

ولكن، أين يتجلّى الأذى؟ وكيف يتجلّى؟

لا ينطلق محمد الخزامي من أفكار مسبقة، بل من وضعيّات نعيشها على نحو يوميّ أو شبه يوميّ: مشاهدة التلفاز، الإبحار على النّت، استعمال وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وغيرها من الوضعيّات المستحدثة الّتي لا نكادُ نجد فيها مرجعيّات نقديّة عربيّة.

وينبّهنا محمّد الخزامي أيضا إلى وضعيّات أخرى راسخة في القدم لطالما كانت قادحا للتّفكير والتّأمّل، على غرار وضعيّات المرض، والوهن، والألم، والعشق القاتل… إضافة إلى كونه يؤثّث تأمّلاته بما توفّره المادّة الإعلامية وما يصلنا يوميّا، كرها لا اختيارا، من أخبار متفرّقة وشتات أحداث قد لا نعطيها اهتماما في ظلّ مشاغلنا اليوميّة ونسق حياتنا السّريع. ولكنّها تترك فينا أثرا عميقا وجروحا غائرة موجعة، على غرار الكمّ الهائل من الأخبار والمتفرّقات التي حاصرتنا زمن الكورونا ونحن محاصرون بين جدران الحجر الصّحّي.

هذه الوضعيّات الّتي يُخيّلُ لنا أنّنا مُكرهون على قبولها والتّعامل معها، هي وضعيات نحتاج فيها إلى من يمدّ إلينا يدا منقذة لتكشف لنا عن منفذ صغير يمكن أن نفلت منه إلى عالم أنقى وأشدّ إنسانيّةً.

لا يتحقّق ذلك بطبيعة الحال إلّا حين يثق القارئ في الكاتب، وحين يبني الكاتب جسرا يصله مباشرة بقارئه، وذلك ما يسعى إليه محمد الخزامي منذ العتبات النّصيّة الأولى التي استهلّ بها كتابه موجّها فيها خطابه إلى قارئ مفترض يقاسمه هموم الوطن، والأمّة، والإنسانيّة جمعاء، علّنا بالكتابة ننجو معا من براثن الواقع.

*المصدر: أنباء تونس | kapitalis.com
اخبار تونس على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com