اخبار تونس

اندبندنت عربية

سياسة

قرى أمازيغ تونس... منازل في الصخر تختزن الحكايات والأحلام

قرى أمازيغ تونس... منازل في الصخر تختزن الحكايات والأحلام

klyoum.com

نمط معماري فريد من نوعه ينتظر قطار التنمية الذي لم يمر أبداً على رغم أنها مناطق سياحية بامتياز

في قلب الجبال الصامتة والسهول القاحلة جنوب تونس وبين المروج في الشمال، تنتصب قرى أمازيغية شامخة وضاربة في عمق تاريخ البلاد القديم.

توجان وتمزرط وشنني وقلالة وتكرونة والزريبة العليا وغيرها من القرى الشاهدة على حضارة تمتد جذورها إلى آلاف السنين، بيوتها محفورة في أعالي الجبال تشكل جزءاً من تراث معماري وثقافي فريد لا مثيل له في العالم.

وعلى رغم ما تملكه هذه القرى من مقومات جذب سياحي وثقافي، فإن واقعها اليوم يطرح أسئلة عدة حول ما تستحقه هذه المناطق من عناية وتثمين.

فهل هي منارة ثقافية وسياحية تقوم بدور تنموي في البلاد، أم هي تسير بخطى ثابتة نحو الاندثار بسبب الإهمال وهجرة سكانها وانعدام رؤية تنموية ثقافية؟

أرض السعادة

بحسب روايات تاريخية، يقال إنه خوفاً من بطش قبائل بني هلال، اختار سكان مطماطة في محافظة قابس جنوب البلاد حفر الأرض والجبال لإقامة قريتهم والاحتماء بها، فنحتوا بيوتاً على شكل حفر ومغارات وكهوف، شكّلت نمطاً معمارياً فريداً من نوعه.

مطماطة أو "أثوب" باللغة الأمازيغية تعني أرض السعادة أو أرض الهناء، وهي أكبر المناطق الأمازيغية في تونس التي ما زالت تنبض بالحياة ويتكلم سكانها الأمازيغية ويعيشون نمطهم اليومي بحسب عاداتهم.

ويتكون البيت في مطماطة من باحة دائرية واسعة، تتوسط غرفاً صخرية حفرت بإحكام ونحتت أبوابها بإتقان ونقشت على جدرانها رسوم قديمة.

 

وتجد داخل البيت الأمازيغي في مطماطة غرفة النوم والاستراحة والحمام والمطبخ التقليدي بفرنه الطيني العتيق، إضافة إلى غرفة لاستقبال الضيوف وكهوف لتخزين المؤونة.

وفي قرى مطماطة الجبلية لا يشعر أهلها بحر الصيف بسبب رطوبة باطن الأرض ولا يشتكون برد الشتاء بفضل دفئها.

والطابع الخاص في مطماطة ليس على مستوى معمارها فقط أو لسان أهلها الأمازيغي وإنما أيضاً على صعيد أنشطتهم، إذ لا يزال معظمهم يمتهن الأنشطة التقليدية مثل رعي الأغنام وزراعة الزيتون ويتكلمون لغتهم الأمازيغية على رغم عدم الاعتراف بها رسمياً في تونس.

أيضاً قرية الزريبة العليا في محافظة زغوان شمال تونس، قرية تهاوت غالبية بيوتها ومبانيها وبقيت فقط مساكن مهجورة تشهد على تاريخ الأمازيغ الذين كانوا موجودين في مناطق تونسية عدة.

وشهدت بعض هذه البيوت والمباني تدخلات بسيطة لم تحمِها من الانهيار على رغم النداءات المستمرة من أهالي منطقة زغوان بضرورة الحفاظ على القرية باعتبارها لا تزال تمثل قبلة السياح المحليين والأجانب.

وتتعدد روايات المؤرخين والسكان المجاورين للقرية، ومن بينها أن الأمازيغ انتشروا على مساحات شاسعة في تونس، من الشمال إلى الجنوب، وشيّدوا قرى في مناطق عدة متطابقة تماماً على صعيد الشكل وطريقة البناء والتفاصيل المعمارية.

ويصعب وضع تاريخ دقيق لبناء القرى الأمازيغية التي شكلّت جزءاً لا يتجزأ من الإرث القديم في تونس، وعلى رغم أنها كانت محط اهتمام باحثين ومؤرخين، فإنهم لم يتفقوا على تاريخ المنطقة. ورجح بعضهم أنها تعود للغزو الروماني، وآخرون أنها شُيّدت في القرن الـ11 خلال الزحف الهلالي على البلاد.

متاحف مفتوحة

يقول الكاتب والباحث في الحضارة الأمازيغية فتحي بن معمر إن "هناك عدداً من القرى الأمازيغية في الجنوب التونسي على غرار تمزرط وتاجوت والدويرات وغرماسة وقلالة، وإن كثيراً من العناصر التي تميز الثقافة الأمازيغية حاضرة بقوة في هذه المناطق كاللغة والمأكل واللباس والاحتفالات كالاحتفال بالعام الأمازيغي".

ويضيف بن معمر في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن "هذه المناطق يُسوّق لها بطريقة فلكلورية وتقليدية لم تتطور مند عهود وأنها تنتظر قطار التنمية الذي لم يمر أبداً على أراضيها على رغم أنها مناطق سياحية بامتياز".

ويشير إلى أنه "على رغم أنها تعتبر متاحف مفتوحة ومسالك سياحية مهمة في تونس، فإن الاهتمام بها ما زال محدوداً، كما أن البنية التحتية والتجهيزات السياحية محدودة جداً بل منعدمة أحياناً، مما يجعل النشاط السياحي وحتى الأنشطة الأخرى كالتجارة وغيرها غير متطورة ولا تقوم بدور أساس في تنمية هذه القرى".

ودعا بن معمر السلطات التونسية إلى إعطاء هذه المناطق والقرى الأمازيغية حقها من التنمية وتشجيع الاستثمار فيها وجعلها مناطق جاذبة للسكان وليست مناطق منفرة يغادرها أهلها إلى مناطق أخرى تنعم بضروريات الحياة، موضحاً أنه "منذ الاستقلال وبناء الدولة الوطنية للأسف جرى تركيز غالبية المدن الجديدة من خلال بناء المدارس والمستشفيات في السهول القريبة من هذه القرى الجبلية، مما جعل أهلها يتركونها".

وفي هذا السياق يوضح طارق، أصيل منطقة مطماطة جنوب تونس أن عائلته هاجرت قريتهم الأمازيغية الجميلة لأن آفاق الدراسة والعمل غير متوافرة، ويقول في تصريح خاص "حتى أبسط الخدمات الضرورية غير متوافرة على غرار مرافئ ترفيه ومرافق صحية متطورة". ويواصل "للأسف أشعر بأن هذه القرى لن تبقى صامدة أمام هذا التجاهل الحكومي وأننا سنخسر إرثاً كبيراً نفخر به جميعاً".

المساكن المحفورة

أدرجت تونس عام 2020 ملفاً بعنوان "المساكن المحفورة في الكهوف وعالم القصور في الجنوب التونسي" ضمن القائمة التمهيدية للتراث العالمي لـ"يونيسكو". ويشمل هذا الملف مجموعة من القرى والمواقع التقليدية التي تعكس نمط الحياة الأمازيغية في الجنوب التونسي.

لكن على رغم ما تختزنه هذه القرى من تراث معماري وثقافي فريد، لم تسجل إلى اليوم ضمن قائمة التراث العالمي لـ"يونيسكو" على رغم جهود السلطة ونداءات فاعلين في المجتمع المدني من أجل تثمين هذا التراث.

وبين نداءات التثمين ومخاوف الزوال تظل قرى الجنوب الأمازيغية بين التشبث بالحياة ومستقبل غامض بين النهوض مجدداً أو الاختفاء.

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار تونس على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com