جواهر معمارية في تونس بين فكي النسيان والجرافات
klyoum.com
أخر اخبار تونس:
ارتفاع ميزانية وزارة الدفاع الوطني بـ 13 بالمائةينتقد كثر بشدة الإهمال الذي عانته هذه المعالم التاريخية
أطلقت خطط للسلطات في تونس من أجل هدم "فندق البحيرة"، الذي يعد جوهرة معمارية فريدة من نوعها، العنان لنقاش ساخن في البلاد حول مصير معالم تاريخية وجدت نفسها أمام معادلة صعبة بين التجاهل ومساع إلى هدمها وإحلال استثمارات أخرى محلها.
ومن أبرز هذه المعالم "فندق البحيرة"، الذي جرى إنشاؤه في صورة هرم مقلوب في مطلع سبعينيات القرن الماضي، و"كازينو حمام الأنف" الذي دشن عام 1894، و"دار الباي" بمدينة حمام الأنف، وهي قصر شيد منذ عام 1750، وبنايات الحي الأوروبي وإستاد المنزه الذي يكتنز أسرار وتاريخ كرة القدم التونسية.
يكتنف كل هذه المعالم الغموض الآن، ففيما تضع السلطات خططاً من أجل هدم كثير منها واستبدالها بمنشآت جديدة، يندد نشطاء بهذه الخطوة ويدعون إلى الحفاظ على هذه المعالم والاكتفاء بترميمها وإصلاحها.
ومعظم هذه المعالم التاريخية شيدت، إما خلال "عهد البايات" على غرار "قصر الباي" الذي جرى إنشاؤه من العائلة الحسينية أو خلال استعمار فرنسا للبلاد الواقعة في شمال أفريقيا مثل "كازينو حمام الأنف"، وأخرى جرى إنشاؤها بعد استقلال البلاد مباشرة.
وينتقد كثر بشدة الإهمال الذي عانته هذه المعالم التاريخية، فعلى سبيل المثال، على رغم أن الحكومة وضعت خططاً من أجل إعادة تهيئة "كازينو حمام الأنف" في عام 2022، وتحويله إلى مشروع سياحي وثقافي، لكنه لم يشهد تغييراً بعد.
وعد المهندس المعماري سليم البلاجي أن "الإرادة السياسية غائبة" لانتشال هذه المعالم التاريخية من أزمتها و"دفع المجتمع نحو تحسينها وترميمها، خصوصاً أن الهندسة المعمارية تعتبر مرآة للبلاد"، وتابع البلاجي أن "هناك أموراً سياسية منعت تطوير وإنقاذ معالم مثل كازينو حمام الأنف ودار الباي، إذ أدى الصراع بين بورقيبة (الحبيب بو رقيبة أول رئيس جمهورية للبلاد) والبايات إلى تهميش هذه المعالم وتجاهلها، إذ أراد بورقيبة محو هوية البايات وما أنشأوه، وبالتالي أصبحت لدينا مشكلة هوية في البلاد"، وأوضح أن "فندق البحيرة يمثل مصدر فخر لتونس وكان من المفترض أن يجري إصلاحه والمحافظة عليه بدل هدمه نهائياً، لكن الإرادة السياسية غائبة، وأيضاً يوجد إهمال للجمال المعماري في البلاد حتى من المواطنين أنفسهم".
منذ سنوات، نبهت أوساط سياسية وثقافية في تونس من تردي وضع المعالم التاريخية في البلاد التي تعاقب عليها كثير من الحضارات. ولا يقتصر الأمر على "فندق البحيرة" أو "كازينو حمام الأنف" أو "دار الباي" بـ"حمام الأنف" فحسب، إذ تواجه تربة الباي أيضاً، وهي عبارة عن مدافن للعائلة الحسينية وضعاً صعباً.
وقال الصحافي والباحث السياسي التونسي محمد صالح العبيدي إن "ما يحدث لبعض المعالم التاريخية في تونس يشكل منعرجاً حاسماً، لأنه على سبيل المثال بدأت بالفعل الأشغال لهدم فندق البحيرة، تمهيداً لتشييد مشروع بديل باستثمار قيمته نحو 150 مليون دولار أميركي، لبناء مركز تجاري وفندق جديد محله"، وتابع العبيدي في تصريح خاص "المخاوف من انهيار المعالم التاريخية مشروعة، لكن هناك دراسات أثبتت أن بعضها لم يعد صالحاً ويجب هدمه تفادياً حتى لأخطار أخرى". وشدد المتحدث ذاته على أن "هناك معطى آخر مهماً كون هذه الإصلاحات، إذا كتب لها النجاح، يمكن أن توفر آلاف مواطن الشغل في تونس التي يعاني شبابها أصلاً معضلة البطالة، لكن يجب أن تتوفر الإرادة السياسية وعدم الاقتصار على الهدم فقط"، لكن الفندق الذي أشار إليه العبيدي أفلت، في وقت سابق، من عمليات هدم في عامي 2010 و2020، وجرى إنقاذه كذلك في عام 2022 بفضل حملة إعلامية واسعة أجبرت وزارة الشؤون الثقافية على وضعه تحت الحماية الموقتة.
إلى جانب المعالم التاريخية، يئن عدد من المباني التي شيدت قبل عقود من الزمن في تونس تحت وطأة الإهمال على رغم زخرفتها ومعمارها الفريدين، مما يثير سخطاً لدى النشطاء. واعتبر العبيدي أن "هناك تجاهلاً سياسياً كبيراً تجاه هذا الملف، إذ تخيم تجاذبات سياسية ضيقة على أعمال الهيئات المهمة بدلاً من الاهتمام بمثل هكذا ملف". ولفت الباحث السياسي إلى أنه "في السابق، دفع البرلمان التونسي بمشروع قانون يستهدف صيانة المباني المتداعية للسقوط بالعاصمة، وهي بالآلاف، ومعظمها يعود لحقبة الاستعمار، وهي تكتسي جمالية منقطعة النظير في السابق، لكن تحولت الآن إلى خراب". وأضاف "مع ذلك لا يزال هذا القانون حبيس أدراج البرلمان، مما يعني أن مثل هذه الملفات ليست أولوية بالنسبة إلى هؤلاء". وخلص إلى أن "الحل يكمن في ترميم ما يمكن ترميمه وهدم المباني والمعالم التي لا يمكن إصلاحها، لأن الأمر أحياناً يتعلق بذاكرة وهوية البلد، لكن يجب أن تتوفر الإرادة السياسية أولاً، ثم ستأتي التمويلات والاستثمارات اللازمة".
وفي خضم الزخم الإعلامي الذي عرفه هذا الملف أخيراً، من المحتمل أن يشهد بعض المباني والمعالم التاريخية بالفعل اختراقاً في المرحلة المقبلة.