اخبار تونس

اندبندنت عربية

سياسة

من الإعلام إلى الإعلان... تراجع محطات التلفزيون في تونس

من الإعلام إلى الإعلان... تراجع محطات التلفزيون في تونس

klyoum.com

تحوّلت القنوات من تقديم المحتوى الشامل إلى سوق مفتوحة لبيع مختلف المنتوجات على مساحات بث طويلة

في سياق سياسي وتاريخي خاص، وبعد 10 أعوام من استقلال البلاد، ظهر التلفزيون التونسي مع بدايات مشروع بناء الدولة الوطنية ووضع المؤسسات، وكان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة يعتبر التلفزة حاضنة لمشروعه، ووسيلة لبسط "نفوذه الرمزي" وسلطته المعنوية على البلاد، من خلال تمكين الجمهور من الاستماع إليه ومشاهدته، وقد قال عند تدشين مقر التلفزيون التونسي في الـ31 من مايو (أيار) 1966 "ها هي أجهزة التلفزة أتاحت الفرصة لجميع المواطنين كي يستمعوا إليّ ويروني في وقت واحد وكأنما أنا في بيوتهم أتدارس معهم شؤونهم ومشكلاتهم".

وظلّ التلفزيون التونسي منذ نشأته في ستينيات القرن الماضي بيد السلطة، بينما ظهرت أول قناة تلفزيونية خاصة في البلاد وهي قناة "حنبعل" عام 2005، ثم تلتها عام 2006 قناة "نسمة"، وتعود ملكية هذه القنوات الخاصة إلى شخصيات مقرّبة من النظام، قبل أن تقلب أحداث 2011 المشهد الإعلامي في البلاد بمختلف مشاربه، رأساً على عقب، فظهرت قنوات خاصة جديدة في تونس بعد الثورة مثل "الحوار التونسي" و"الجنوبية" و"آم تونيزيا" وقناة "الإنسان" وكذلك "تلفزة تي في" و"التاسعة" و"قرطاج+" و"تونسنا" و"الزيتونة".

وتوجد اليوم في تونس قناتان تلفزيونيتان حكوميتان و11 قناة خاصة، يكابد بعضها من أجل البقاء، في ظلّ تحوّلات عميقة تشهدها الساحة السياسية والاقتصادية في تونس.

بعد 2011، تشكّلت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) في تونس، وبدأت فعلياً في العمل في الثالث من مايو 2013، تزامناً مع اليوم العالمي لحريّة الصحافة، وعملت على تعديل المشهد الإعلامي طيلة أعوام ما بعد 2011، قبل أن يتم تجميد أعمالها منذ حوالي عامين.

وبعد الـ25 من يوليو (تموز) 2021، دخل المشهد السمعي البصري في تونس منعرجاً جديداً في غياب هيئة تعديلية للإعلام السمعي البصري، فاكتسحت المادة الإعلانية التجارية ساعات البث، وهو ما حوّل غالبية القنوات الخاصة إلى سوق مفتوحة لعرض وبيع مختلف المواد التجارية والبيع عن بعد لأواني الطبخ ومختلف الأجهزة الكهرومنزلية، والعطور ومواد التجميل.

فمن يراقب هذه القنوات اليوم ليضمن التوازن بين المادة الإعلانية والتجارية والمادة الإعلامية؟ وهل فعلاً خرقت هذه القنوات القانون؟

ينصّ الفصل الثالث من القرار الصادر عن "الهايكا" والمتعلق بالقواعد السلوكية للإعلان في وسائل الاتصال السمعي البصري على "ألا تتجاوز مدّة بثّ الإعلان في القنوات التلفزيونية والإذاعية الخاصّة 10 دقائق في الـ60 دقيقة".

ونص القرار عدد 1 لعام 2018 المتعلق بالقواعد السلوكية للإشهار في وسائل الاتصال السمعية والبصرية على أنه "لا يجوز بثّ برامج التسوق عبر الشاشة خارج الفترة الزمنية الممتدة من منتصف الليل إلى الساعة الـ11 صباحاً، ومن الساعة الثانية بعد الزوال إلى الساعة الرابعة مساء، ولا يجب أن تتجاوز الثلاث ساعات مسترسلة".

ويؤكد العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) هشام السنوسي في تصريح خاص أن "الهيئة وقع تجميدها، وهي الوحيدة المشرفة على القطاع السمعي البصري في تونس، وهو ما أحدث فراغاً تشريعياً أمام هذه القنوات التي كانت ملتزمة بكراسة الشروط وتخشى عقوبات ’الهايكا‘ التي حدّدت توقيت الإعلان بمختلف أنواعه بما فيه الومضة، والريبورتاج الإعلاني، والتبني أو الرعاية ((sponsor".

 

ويضيف المسؤول السابق أن "الخطر هو أن هذه القنوات باتت تبيع مساحات بث كاملة لبرامج رياضية وترفيهية من مؤسسات إنتاج خاصة، تمكنها من بث مضامين صحافية لا تتحكم فيها، وهو ما يعني أن هذه القنوات باتت لا تمتلك خط تحريرها"، مشيراً إلى أنها "قنوات تلفزيونية وليست شركات تأجير لمساحات بث تلفزي"، لافتاً إلى "انزلاق تلك البرامج إلى الرداءة والإسفاف وهو ما يجعل منه تلفزيوناً رديئاً".

وحمّل السنوسي السلطة التنفيذية مسؤولية هذه الفوضى، لأنها في تقديره "لم تقرأ حساباً لما اتخذته من قرارات ضد ’الهايكا‘، التي كانت ترصد المضامين وتسلط العقوبات على القنوات التي تخالف القانون بما في ذلك تجاوز المدة الزمنية المحدّدة للإعلان" .

ويشدّد العضو السابق في "الهايكا" على أن "تلك القنوات التلفزية يُفترض أن تثري المشهد الإعلامي وتقدّم مادة إعلامية متنوعة للجمهور، إلا أنها اليوم باتت تخصص مساحات شاسعة لبيع المنتوجات والبضائع في خرق فاضح لكراسات الشروط التي بعثت من أجلها"، مستبعداً أن "يتدارك الإعلام السمعي البصري وضعه في ظلّ الواقع السياسي والاقتصادي في تونس".

يشار إلى أن الجمهور التونسي تَصالح مع الإعلام السمعي البصري بعد 2011، وبات متابعاً وفياً للنشرات الإخبارية والبرامج الحوارية، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حوالي 90 في المئة من التونسيين باتوا يتابعون نشرات الأخبار التلفزيونية، أما اليوم فكل المؤشرات ترجّح توجّه الجمهور التونسي إلى القنوات الأجنبية والفضاء الافتراضي في غياب إعلام سمعي بصري ثريّ ومتنوع.

في المقابل، يقرّ الأستاذ والباحث في علوم الإعلام والاتصال في الجامعة التونسية، عبدالسلام الزبيدي، في تصريح خاص بأن "توسّع المساحات الخاصة بالإعلان والتسويق التجاري في القنوات التلفزيونية، له ما يبرّره وهو تراجع منسوب الإعلان عموماً في تونس، علاوة على انكماش المعلنين بالنظر إلى السياق العام الذي تعيشه البلاد".

ويضيف الزبيدي أن "المساحات التجارية في التلفزيونات الخاصة، هي نتيجة طبيعية لتغير المشهد الإعلامي وسوق الإعلان في البلاد، ولا يرى أن ذلك كان خياراً بل هو اضطرار من أجل بقاء تلك القنوات على قيد الحياة، وقد وجدت ضالتها في تلك المساحات التجارية المفتوحة".

ويشدّد أستاذ الإعلام والاتصال على أن "الإعلام يزدهر في مناخ الانفتاح السياسي الذي يطلق أيدي المعلنين، فلا يجد المعلن صعوبة في أن يتبنّى أي برنامج يريده لتحقيق غاياته الربحية، وهو ما ينعش مؤسسات الإعلام ويجعلها قادرة على الحياة والتجديد والإثراء، أما اليوم، فواقع الحال يعكس تراجعاً لافتاً لمنسوب الإعلانات وهو ما دفع بتلك القنوات إلى التوجه إلى البيع عن بُعد، لتبقى على قيد الحياة".

ويرى الزبيدي أن "السياق الحالي في تونس دفع المعلن إلى التراجع عن تبنّي البرامج التلفزيونية، مما دفع بهذه المؤسسات الإعلامية إلى البحث عن آليات للتمويل ووجدت في التسويق لمنتوجات تجارية في مساحات بث مفتوحة سبيلاً للبقاء"، معتبراً أن "الظاهرة ليست جريمة بل هي نتيجة طبيعية لسياق إعلامي وسياسي واقتصادي عام".

ويستحضر عبدالسلام الزبيدي المرسوم 54 الذي قال إنه "سيف مسلّط على رقاب الإعلاميين، وقد تم الزج بعدد منهم في السجون، لذلك تراجعت جودة المضامين، علاوة على غياب الهيئة التعديلية للإعلام، مما دفع بوسائل الإعلام إلى الانخراط لا إرادياً في مسار أحادي".

ويخلص أستاذ الإعلام إلى أن "السياق العام في البلاد لا يشجع على ممارسة إعلامية حرة،

وهو ما يؤثر في اتجاهات الرأي العام، خاصة مع تراجع الدور النقدي والتفسيري والتحليلي للإعلام".

ومن جهته، يؤكد زهير لطيف، وهو عضو نقابة القنوات الخاصة، وصاحب قناة تلفزية خاصة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "القنوات الخاصة تواجه صعوبات مادية كبرى، كغيرها من المؤسسات الاقتصادية في تونس اليوم"، مؤكداً وجود أزمة حقيقية في هذا القطاع وأن هذا "الوضع جعل الإعلام المرئي غير قادر على تقديم مادة إعلامية متنوعة ثقافية ورياضية وسياسية، تتماشى والترخيص الممنوح"، لافتاً إلى أن "هذه القنوات لم تعد تنتج، وتتولى شركات متخصصة إنتاج البرامج، بينما يكاد يقتصر دور القناة على البث".

ونفى لطيف أن تكون "هذه القنوات مخالفة للقانون بتخليها عن الإنتاج، وأنّ العملية معمول بها في مختلف محطات العالم، وهو ليس إيجاراً للبث، بل هو تقاسم للأعباء بين القناة وشركات الإنتاج لأن القناة لا يمكنها أن تتحمّل وحدها المخاطرة بالإنتاج".

وبخصوص المساحات المفتوحة للبيع عبر التلفزيون، يرى زهير لطيف أن "هذا التقليد موجود في العالم منذ أكثر من أربعة عقود، وفي ظل انحسار سوق الإعلان، أصبح البيع عبر التلفزيون جزءاً من المداخيل التي تعوّل عليها القناة من أجل استمرارها في الحياة"، معتبراً أنه من حق المؤسسات الاقتصادية أن تبحث عن مصادر للتمويل لتبقى على قيد الحياة".

ويقرّ مسؤول نقابة التلفزيونات الخاصة بأن "القانون ينظم عملية البيع عبر التلفزيون إلا أن هناك قنوات لا تحترم الفترة الزمنية المنصوص عليها، داعياً السلطة إلى التدخل لإنقاذ هذا القطاع، من خلال مراجعة كلفة البث التلفزيوني التي يعتبرها مرتفعة، حيث تبلغ 480 ألف دينار (160 ألف دولار) لكل قناة في العام، بينما توجد آليات تكنولوجية حديثة يمكن البث من خلالها بأقلّ كلفة".

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار تونس على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com