الإيجار المنتهي بالتمليك: وسيلة تونس للتغلب على أزمة السكن
klyoum.com
أخر اخبار تونس:
انطلاق مهرجان الخط العربي بالجريد في دورته الخامسةيعيش 23 في المئة من الأسر في الإيجار عوضاً عن ملكية المساكن
تنطلق تونس قريباً في تنفيذ مشروع سكني لفائدة الشريحة الاجتماعية محدودة الدخل، يهدف إلى مواجهة ارتفاع أسعار العقارات ويتمثل في آلية التأجير المملّك، بحسب ما أعلن وزير التجهيز والإسكان بالبرلمان، حين قال إن المشروع سيوفر في مرحلة أولى ألف مسكن عام 2026، بعد إصدار القوانين والترتيبات الخاصة والإعلان عن طلبات العروض في الثلاثية الأولى من العام المقبل، ثم الانطلاق الفعلي في الأشغال بعد تعيين مقاولات خلال السداسية الثانية.
ونص مشروع قانون المالية لعام 2026 على استراتيجية سكنية عادلة، بهدف توفير السكن اللائق عن طريق برامج صندوق النهوض بالمسكن (عمومي) لمصلحة الأجراء ودعمهم عبر آلية الكراء المملّك (الإيجار المملوك)، فضلاً عن البرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي، على أن يجرى ذلك بمساهمة صندوق النهوض بالمسكن لفائدة الأجراء بتمويل بناء المساكن وتهيئة المقاسم الاجتماعية المنجزة من قبل الشركة العقارية للبلاد التونسية (عمومية) وشركة النهوض بالمساكن الاجتماعية (عمومية) والوكالة العقارية للسكنى (عمومية).
وتعد منظومة التأجير المملّك تقنية متبعة لتمويل المسكن، بمقتضى عقد يجمع بين الإيجار والبيع، إذ يدفع المستأجر أقساط إيجار تتضمن جزءاً من سعر العقار، وفي نهاية المدة المتفق عليها يصبح العقار ملكاً له، مما يسهل الانتقال إلى الملكية للأسر ذات الدخل المحدود.
واعتمدت هذه المنظومة خلال سبعينيات القرن الماضي مع تأسيس شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية "سبرولس"، إذ بدأت الشركة بكراء الشقق، ثم تحولت إلى مقاربة الكراء المملّك عام 1989، قبل التخلي عنها بسبب بعض الإشكاليات المتعلقة بالقوانين التي تخص المؤسسات البنكية وآليات التمويل التفاضلية.
أما دوافع العودة لهذه الحلول فهي عدة، إذ تشهد سوق العقارات في تونس زيادة ملحوظة في الأسعار، وارتفع متوسط سعر المتر المربع للشقق السكنية خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي بنسبة أربعة في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وفق دراسة نشرتها بوابة "مبوب" المتخصصة في العقارات.
وتسجل الشقق الجديدة بدورها زيادة خمسة في المئة، مما يعكس استمرار الفارق بينها والشقق القديمة، على رغم أنها لا تزال تستحوذ على نصيب أكبر من العرض في السوق.
وكشف التعداد العام للسكان والسكنى في تونس لـعام 2024 عن أن إجمال عدد المساكن بلغ 4266207 مساكن، منها 3440206 مساكن مأهولة.
ويعيش نحو 23 في المئة من الأسر التونسية في الإيجار، مما يعني أن ربع سكان تونس تقريباً لا يمتلكون مسكناً، في حين يظل 826 ألف مسكن في تونس شاغراً، ما يعادل 20 في المئة من إجمال عدد المساكن.
ويرجع الارتفاع المستمر لأسعار العقارات إلى تحديات التمويل البنكي، مما يفسر العودة مجدداً في تونس نحو "الكراء المملّك" كحل محتمل لأزمة السكن وكرهان حكومي لتوفير مسكن لائق للفئات محدودة الدخل.
وستقوم الشركة العقارية للبلاد التونسية وشركة النهوض بالمساكن الاجتماعية والوكالة العقارية للسكنى بتشييد المساكن بتمويل من صندوق النهوض بالمسكن، ويستأجرها محدودو الدخل إلى حين تملكها. ويمثل هؤلاء نحو 30 في المئة من التونسيين، في حين تمثل الطبقة الميسورة 10 في المئة والمتوسطة 60 في المئة وفق المتخصصين، مما أحال إلى اعتباره مشروعاً يمس فئة محدودة مقابل تجاهل الغالبية المتمثلة في متوسطي المداخيل.
وذكر نائب رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين جلال مزيو في تحليله لـ"اندبندنت عربية" أن المنظومة المذكورة قادرة على توفير جزء من الحل، لكنه لن يكون مربحاً للدولة التي ستتحمل كلفته، إذ ستُوفر الأراضي للمؤسسات العقارية العمومية للتنفيذ من دون تسجيل أرباح، في حين تتوافر فرص تحويل هذه الاستراتيجية إلى استثمار مثمر بالشراكة مع القطاع الخاص.
ويتمثل الحل الأمثل وفق مزيو في إيجاد حل جذري لإشكال التمويل البنكي عن طريق تحديد فائدة منخفضة وثابتة للقروض البنكية الخاصة بالمساكن، وهو الحل الأمثل الكفيل بتمكين المواطنين من اقتناء مسكن، بحكم أن المعضلة تتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة التي تراوح ما بين 10 و11 في المئة.
وبخصوص منظومة التمليك، أشار مزيو إلى الأخطار المحتملة مثل العجز عن تسديد الإيجار مقابل غياب الطرف المالي والتعامل مع مؤسسات عقارية بصفة مباشرة، إضافة إلى الغموض الذي يحوم حول هذا المشروع مثل غياب خط التمويل، مما يحيل إلى فشل برامج سابقة وعلى رأسها السكن الاجتماعي والمسكن الأول الذي قام على أساس تغطية التمويل الخاص أي 20 في المئة من ثمن المسكن. ويعود ذلك للافتقار إلى الدراسة الشاملة لمثل هذه المشاريع وتغييب الشراكة مع القطاع الخاص الذي يمتلك خبرة في هذا المضمار.
الاقتصادي منير حسين بدوره لاحظ غياب التمويلات اللازمة لمثل هذه المشاريع الاجتماعية، وقد أطنبت الحكومات الأخيرة في الحديث عن الدولة الاجتماعية من دون التخطيط لتوفير خطوط التمويل لتنفيذ مشاريع سكنية أو تهيئة عمرانية.
وعن الإيجار المملّك، أشار إلى أنه أتى رداً على أزمة السكن ويستدعي قروضاً تتحصل عليها الدولة تخصص رأساً لتنفيذ مشاريع اجتماعية بأصنافها، مما لم يرد ذكره في قانون المالية الذي تحدث بإطناب عن مشاريع اجتماعية من دون تقديم تفاصيل تنفيذها مثل الأسعار والأقساط والإيجار وفصول التصرف في حالات التخلف عن الدفع والتخلي.