اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ٢٠ تموز ٢٠٢٥
في روايته الجديدة «العشاء الأخير لكارل ماركس»، الصادرة عن دار العين للنشر، يغامر الكاتب الجزائري فيصل الأحمر بمزجٍ فريد بين التاريخ والخيال، بين الفلسفة والسرد، ليمنح المفكر الألماني الشهير حياةً ثانية، غير متوقعة، في الجنوب — وتحديدًا في الجزائر المستعمَرة.
جمال قتالة
ماركس، الذي أنهكه المرض وخيّبته الثورة، لا يموت هذه المرة في لندن، بل يصل إلى شواطئ المتوسط باحثًا عن الدفء والشفاء. لكن ما يجده هناك يتجاوز ما بحث عنه.
في الجزائر، يصطدم بعالم آخر، يكتشف وجوهاً لم يعرفها في كتب الاقتصاد والسياسة: وجوه الفلاحين، النساء، العُمّال، المهمّشين، الناجين بصعوبة من الاستعمار. وهناك، في الهامش، يتزعزع اليقين القديم: «هل كنا على ضلالة؟» يكتبها ماركس في مفكرته، وكأنها اعتراف أخير، أو لعله بداية وعي جديد.
كتابة تنبض بالفكر والشك
فيصل الأحمر لا يكتفي بسرد حكاية خيالية. إنه يفكك المفاهيم، يحاكم اللغة، ويعيد النظر في الأيقونات.
في هذه الرواية، ماركس ليس قدّيسًا، بل إنسان حائر، منهك، يسير في الأزقة الجزائرية محاطًا بأسئلة أكبر من الثورة، وأشدّ فتكًا من الرأسمالية: أسئلة الكرامة، الهوية، الألم، والعدالة المغتصبة.
الرواية مكتوبة بأسلوب يتعدى الشكل التقليدي. بين اليوميات، الحوار المسرحي، الفقرات التأملية والمقاطع ذات الإيقاع الموسيقي، يتنقّل النصّ كأنه مسرح داخلي كبير، يشهد على موت فكرة وولادة أخرى.
الجنوب كمختبر للحقيقة
'العشاء الأخير' ليست مجرد لعبة تخييلية، بل مساءلة عميقة للمركزية الأوروبية التي طالما ادّعت امتلاك مفاتيح التاريخ.
هنا، في الجزائر، لا يعود اليسار يسارًا، ولا الثورة خلاصًا. هنا، في صمت المقهورين، تبدأ الحقيقة في التشكل.
الرواية، التي لقيت ترحيبًا نقديًا واسعًا في العالم العربي، وصلت إلى القائمة القصيرة لـجائزة كتارا للرواية العربية 2025، وتُقرأ كوثيقة فكرية وفنية في آن، تعيد تعريف علاقة الفكر بالمكان، والنظرية بالواقع، والمفكر بالهامش.