اخبار تونس
موقع كل يوم -الحرة
نشر بتاريخ: ٢٦ تموز ٢٠٢٢
بإقرار دستوره الجديد، عزز الرئيس التونسي قيس سعيد دوره كصاحب سلطة مطلقة في تونس، مما يبشر بعهد سياسي جديد بعد تجربة قصيرة وصعبة للديمقراطية.
واحتفل أنصار الرئيس، فجر الثلاثاء، بالانتصار شبه المؤكد في التصويت بـ'نعم' على استفتاء على دستور جديد يمنح رئيس الدولة صلاحيات واسعة.
وستؤدي الموافقة المنتظرة، بأغلبية ساحقة، على الدستور، في استفتاء لم يشارك فيه سوى ربع الناخبين فقط، إلى تكريس نظام سياسي جديد يتمتع فيه الرئيس بسلطة شبه كاملة وبلا قيود ولا رقابة تذكر على سلطته.
ويخشى معارضون لخططه، ونشطاء المجتمع المدني، أن تكون تونس قد انضمت الآن إلى نادي الديمقراطيات الفاشلة، بعد أن قادت الانتفاضات ضد الحكم الاستبدادي بثورة أطلقت العنان لما يعرف باسم الربيع العربي عام 2011.
ويقول سعيد إنه لن يصبح ديكتاتورا، وإنه سيحافظ على الحقوق وإن هناك دورا لبقية مؤسسات الدولة.
وقال، رافضا اتهامات المعارضة، إن التاريخ لن يعود إلى الوراء، مضيفا أن الشعب قال كلمته، وأن السيادة تعود للشعب، وأن عهد اقتسام الكعكة بين النخبة السياسية انتهى.
ولكن مع تركز السلطة السياسية بشكل أسرع بالقصر الرئاسي في قرطاج، الواقع قبالة المياه الفيروزية للبحر المتوسط، تلوح الآن سحب عاصفة في مواجهة سعيد، مع تعاظم أزمة اقتصادية حادة تهز البلاد وتهددها بالإفلاس، وفق تقرير لوكالة 'رويترز'.
وسيمثل الاضطراب الاقتصادي، الذي قوض على مدى السنوات الصعبة الماضية، الأحزاب السياسية التي تقاسمت السلطة، أكبر تحديات الفترة المقبلة، وسيكون سعيد الطرف الوحيد الذي سيتحمل هذا العبء.
وبينما يتحرك لتوطيد سيطرته على تونس من خلال قوانين انتخابية جديدة ومجلس تشريعي بلا أنياب إلى حد كبير، لن يكون أمام سعيد خيار سوى مواجهة الموقف الاقتصادي بعدما تدهور الاقتصاد التونسي منذ 2011، مع انخفاض النمو وتراجع الخدمات العامة، وتفاقم العجز والديون.
وضرب عدم الاستقرار السياسي وهجمات المتشددين، مع فيروس كورونا، الاقتصاد التونسي الضعيف أصلا، والذي خسر الآن عائدات السياحة.
وكان على الحكومات المتعاقبة أن تسير على طريق صعبة، عبر تقييد الإنفاق العام لتأمين المساعدة المالية الأجنبية، دون التسبب في انفجار اجتماعي إذا باتت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للفقراء.
والآن، ومع عدم وجود سلطات أخرى تتحمل المسؤولية، سيكون سعيد بمفرده بمواجهة المشكلات الاقتصادية الحادة.
ويقول سالم عبيدي، الموظف بأحد البنوك: 'بعدما أزال كل العقبات وحاز كل الصلاحيات، عليه أن يلبي مطالبنا العاجلة. نريد وظائف لأولادنا.. نريد خدمات صحية ونقل.. لا يمكننا الانتظار طويلاً'، بحسب ما أوردت 'رويترز'.
وربما يسهل تمرير الاستفتاء على سعيد اتخاذ الخطوة الأولى نحو استقرار الاقتصاد، عبر تأمين حزمة إنقاذ طال انتظارها من صندوق النقد الدولي.
فعلى خلاف الماضي القريب، لم تعد هناك حاجة للتفاوض داخل ائتلاف حاكم، كما أن الاستفتاء يضع حداً للترتيبات المؤقتة المعمول بها منذ الصيف الماضي. وقد يقوي موقف سعيد بمواجهة الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو الكيان القوي الذي يعارض العديد من 'إصلاحات الرئيس'.
واعتبر الخبير الاقتصادي التونسي معز جودي أن 'اعتماد الدستور الجديد قد يزيد فرص التوصل إلى اتفاق'.
ومع ذلك، يمكن أن يؤدي نهجه السياسي الأحادي الجانب أيضًا إلى تعقيد الجهود لإطلاق المزيد من المساعدة، فقد كانت الديمقراطيات الغربية أهم المانحين لتونس منذ ثورة 2011. وقد يكون البعض أقل ميلًا الآن لدعم تونس من ذي قبل.
بينما قد يعتقد البعض الآخر، الذين سيتحمل وطأة أي أزمة هجرة تحدث إذا انهار الاقتصاد التونسي، أنه من الضروري دعم سعيد مهما كانت التداعيات بشأن الديمقراطية.
وبينما قالت تونس إن دول الخليج تعهدت بالدعم، لم يظهر أي منها حتى الآن.
ومع ذلك، وحتى لو تمكن من تأمين صندوق النقد الدولي ومساعدات أجنبية أخرى، فقد أظهر سعيد اهتمامًا ضئيلًا بالاقتصاد التونسي ولم يكشف عن استراتيجية لاستعادة النمو وجلب الوظائف.
وعلق جودي أن قرضا طارئا من صندوق النقد الدولي 'لن يحل الأزمة الاقتصادية العميقة التي تحتاج (مواجهتها) إلى إصلاحات'.
وأدت الإخفاقات الاقتصادية إلى خيبة الأمل من الديمقراطية، والغضب من الأحزاب في البرلمان، حيث تتكثف احتجاجات تضرب المدن التونسية.
وقال نديم حوري، المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي: 'أكبر نقطة ضعف لديه هي الاحتجاج الاجتماعي. وبالنظر إلى أنه جعل كل شيء بين يديه مركزيًا، لم يعد بإمكانه إلقاء اللوم على الآخرين'.
قد تكون هذه المعارضة بمثابة اختبار لوعد سعيد بالتمسك بالحقوق والحريات المكتسبة بعد 2011، واختبار ولاء الأجهزة الأمنية.
وفي غضون ذلك، لا تزال لدى أحزاب المعارضة هياكل وطنية منظمة قادرة على حشد الناس في جميع أنحاء البلاد، وجميعها تقريبًا يشكك بشرعية تحركات سعيد.
وشكك تحالف معارض رئيسي في نسبة المشاركة الرسمية البالغة 28%، بينما قالت شخصيات معارضة بارزة أخرى إن حتى معدل المشاركة المنخفض غير كافٍ لمباركة نظام سياسي جديد دائم.