أول من رفع علم الثورة.. التعامل الأمني مع شرقي سوريا من الانتداب حتى | لا تنشررر
klyoum.com
أخر اخبار سوريا:
الجمعية السورية للشحن تطلق مبادرات للتأهيل والتحول الرقميالتاريخ ليس مجرد سرد لأحداث، بل هو نتاج للخطابات التي تُشكلها السلطة والمعرفة السائدة التي تُحدد كيف نروي ونفهم الماضي. الخطابات الاستعمارية على سبيل المثال تُشكل كيفية رواية تاريخ الشعوب المستعمرة، مما يؤثر على فهمنا للهوية الوطنية. وفي الخطاب الاستعماري الأوروبي، تم تصوير الشعوب الأفريقية والآسيوية على أنها "متخلفة" أو "بدائية"، مما ساعد في تبرير الحاجة إلى "تحضيرها" من خلال الاستعمار، حث هذا خلال استعمار سوريا، ولاحقا استخدم النظام السوري المخلوع هذا الخطاب في المنطقة الشرقية عندما أطلق عليها اسم "المنطقة النائية" لتبرير تهميشها وإقصائها وخلق تصورات نمطية عن أهلها.
وتأتي أهمية المنطقة الشرقية اليوم في تاريخ سوريا، من خلال عدة عوامل جيوسياسية، اقتصادية، اجتماعية، وتاريخية، نبدأ البحث فيها منذ رفع علم الثورة (الاستقلال) عام 1945.
البوكمال.. أول من رفع العلم السوري
في صيف عام 1945 تفجرت المقاومة ضد الفرنسيين في معظم أرجاء سوريا واندفعت الجماهير إلى الشوارع تطالب بالاستقلال. وكانت البوكمال أول منطقة ترفع علم الاستقلال أي علم سوريا الرسمي اليوم بعد تحريرها من القوات الفرنسية. وفي تفاصيل تلك الواقعة علم أهالي البوكمال بما يحصل على الساحة السورية، فتدافعوا من القرى المجاورة ومن المدينة، وشهروا السلاح علانيةً في الوقت الذي استنفر فيه الجيش الفرنسي، ونصب الرشاشات على أسطح المنازل وفي الأماكن الحساسة، إلا أن قيادات سورية في الجيش الفرنسي (الحامية العسكرية) وقفت مع الثوار، مثل الملازم الأول سليم الأصيل والملازم صبحي بنود وهو من عرب النعيم في حمص، وقائد الدرك الحاج نوري بدوي.
عندما علم الفرنسيون بحرج الموقف في البوكمال، وإصرّار البوكماليين على الانضمام إلى الثورة، بدأت المفاوضات بينهم وبين العشائر بقيادة الشيخ مشرف الدندل الذي عاد من العراق مع مقاتليه، وسرت شائعة بأن المتظاهرين ينذرون باعتقال المخبرين والضباط، وهم يزحفون إلى الثكنة الرئيسية في البوكمال، ونشط الوسطاء، فاتّفقت قيادة المظاهرة مع الضباط على تفاصيل الموقف سرا، وذلك بأن تقوم مظاهرة حاشدة مسلحة تداهم باب الثكنة، في وقت تقوم فيه العناصر الوطنية في الجيش باعتقال الموالين لفرنسا، وعندها يعلن الانفصال عن الجيش الفرنسي ويرفع العلم السوري وتترك الأمور للقيادة الجديدة، وتفرق الجماهير خوفا من الفوضى وعمليات السلب والنهب.
وتذكر وثيقة أن الشيخ مشرف عندما اجتمع مع الضباط الأحرار والمدنيين لمناقشة الهجوم كان هناك بعض أصوات "المرجفين" أي المتعاملين مع الانتداب والرافضين للثورة، وكان يعرف عن مشرف الدندل أنه دائما يتجند بالسيف، فعندما خاف أن تُخذل الناس سحب سيفه وهوَس (نجدع شارب حچاي الذل). وجرت هذه الحادثة عقب بعث رسالة تحض على الثورة ضد الفنسيين في مقهى الزرزور قبل اقتحام الثكنة العسكرية.
ويقول د. سالم العلي لموقع تلفزيون سوريا، إنه "بعد مقولة الشيخ مشرف ثارت الشباب وهجموا على الثكنة وسقط شهيد وبعض الجرحى في تلك الحادثة، ويضيف أن الشيخين رمضان باشا شلاش، ومشرف الدندل الذين يصنفون في سوريا كـ عمر المختار، في حياته و جهاده وحتى مماته ونضالهم ودعمهم لمشروع سوريا الكبرى هجروا من ديارهم، وعزلوا من مناصبهم، وبقيوا على العهد نحو وحدة الأراضي العربية والتمسك بمشروع سوريا الكبرى رغم تآمر العملاء وأذناب الإنكليز حيث تواصل رمضان شلاش ومشرف الدندل ودحام الدندل مع الملك عبدالله لدعم مشروع سوريا الكبرى التي تضم سوريا والأردن ولبنان وفلسطين ووقوف نوري السعيد أمام هذا المشروع بعد استنكاره من قبل الإنكليز وإنكاره لأي صله تربطهم بالرموز العشائرية السياسية رمضان شلاش ومشرف الدندل، الذي قال فيه الشاعر:
أبـو صعب عيـا على كـل يطنـان عاف الأوطان وما يبات مهمومي
وذلك بحسب مذكرات نوري باشا السعيد، وثيقة صادرة عن الخارجية المصرية (ملف سري) محفظه 7 سوريا ،ملف 288 عام 1947.
وكان للطلاب أيضا دور في التشجيع على الثورة بحسب إحدى الوثائق التي أوضحت دعوة "طلاب الفرات" المجندين في الجيش الفرنسي إلى الانشقاق ودعم الثوار.
وسبق للشيخ مِشرف الدندل أن حارب الفرنسيين من قبل في منطقة البوكمال، وحارب الإنكليز أيضا وهو يساعد فوزي القاوقجي. وكانت خطة ثورة البوكمال هجومية، فصدرت أوامر بمهاجمة الفرنسيين في دير الزور، ولكن عدم وجود السيارات أجبر الثوار على الانتظار، وتدخل الإنكليز من العراق لحماية الفرنسيين، مما ألهب الحماسة في المقاتلين، فسعوا للسيطرة على الثكنات في دير الزور والحسكة، لأن أفراد الجيش الفرنسي كانوا قد هربوا من دون سلاح، وأعلن تحرير المنطقة من الفرنسيين في 29 من أيار 1945، وتظهر الصورة أدناه (محمد النجدي) وهو ضارب الطبل في كل المناسبات الوطنية يتوسط حلقة من الطلاب المتظاهرين الفرحين بيوم جلاء المستعمر عن المنطقة في التاسع والعشرين من أيار عام 1945.
من هو الشيخ مشرف الدندل؟
في العام 1919 أشعل الشيخ مشرف الدندل وهو أحد شيوخ قبيلة البوحسون (العكيدات) ثورة دير الزور والبوكمال ضد الإنكليز، وبعد سنوات من القتال والكر والفر بين المناطق الحدودية في سوريا والعراق، تحرك "الدندل" بسرعة لدعم استقلال البلاد ودعم القوات الوطنية التي انفصلت عن الجيش الفرنسي في البوكمال سنة 1945، حيث كانت البوكمال أول منطقة في سوريا تعلن استقلالها عن الاستعمار الفرنسي.
وبالعودة إلى العام 1920 بعد فرض الانتداب الفرنسي على سوريا، رفضت العشائر العربية في منطقة الجزيرة الفراتية (دير الزور، الرقة، الحسكة) الحكم الفرنسي وقادت العديد من الثورات والانتفاضات ضد الاحتلال، مستندة إلى بنيتها القبلية القوية وتاريخها الحافل بمقاومة التدخلات الخارجية. ولعب شيوخ العشائر دورا بارزا في تنظيم المقاومة، سواء عبر القتال المباشر أو الدعم اللوجستي للمقاتلين، مثل رمضان شلاش ومشرف الدندل وأخوه الشيخ عبد الدندل الذي قتل على يد الفرنسيين.
وكانت دير الزور من أبرز المناطق التي شهدت مقاومة عنيفة ضد الفرنسيين، بسبب موقعها الاستراتيجي وأهمية العشائر فيها.
ومن العشائر المشاركة في الثورة كانت: العكيدات، البقارة، الجبور، وشمر، حيث انخرط مقاتلوها في هجمات متكررة ضد الفرنسيين، وقدموا دعما لوجستيا للمقاومة المسلحة، بحسب كتاب "تاريخ الجزيرة الفراتية" لـ عبد العزيز العبود وما ورد في أرشيف الوثائق الفرنسية حول الانتداب في سوريا.
والشيخ مشرف الدندل الذي يرد ذكره كثيرا في مؤلفات نادرة مثل (دماء وجلاء لـ زهير الشوا) والوثائق الوطنية البريطانية، هو أحد شيوخ قبيلة البوحسون (العكيدات)، وهي إحدى القبائل العربية التي لعبت دورا بارزا في مقاومة الاحتلال الفرنسي والبريطاني في سوريا والعراق خلال فترة ما قبل الاستقلال. حيث كان لقبيلة البوحسون حضور قوي في المناطق الشرقية من سوريا، وخاصة في منطقة دير الزور والبادية السورية.
دوره في المقاومة
بعد سقوط الدولة العثمانية وتقسيم المنطقة بموجب اتفاقية سايكس-بيكو، خضعت سوريا للانتداب الفرنسي. قاد الشيخ مشرف الدندل مجموعات من قبيلته في مقاومة القوات الفرنسية، حيث كانت القبائل العربية في المنطقة تشكل قوة عسكرية مهمة في مواجهة الاستعمار.
عمل الشيخ مشرف الدندل مع قادة الحركة الوطنية السورية، مثل سلطان الأطرش وإبراهيم هنانو والقاوقجي، لتوحيد الجهود ضد الاستعمار الفرنسي. وكانت القبائل العربية، بما فيها الحسون، جزءا من النسيج الاجتماعي والسياسي الذي دعم الثورات السورية ضد الفرنسيين.
ويكشف تقرير استخباراتي فرنسي موقع باسم الضابط غلوب، عن وجود الشيخ مشرف مع مقاتليه في قرية الهري الحدودية واستعداده لشن هجوم على القوات البريطانية في القرى العراقية، مطالبا بتفريق مقاتليه حسب التقرير.
وكان للشيخ مشرف الدندل دور في مواجهة النفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة، خاصة في المناطق القريبة من الحدود مع العراق، حيث كانت بريطانيا تسيطر على العراق عبر الانتداب.
أراضي الفرات الخصبة وتحالف عربي كردي
تروي منصة (books.openedition)، أن فرنسا أرادت تبرير وجودها في شرقي سوريا، لذلك انخرط المؤيدون للانتداب، وعلى رأسهم العسكريون، في برنامج لتحقيق عائد اقتصادي من الانتداب من خلال الدعوة إلى استغلال الأراضي التي كانت تحت إدارتهم. ومع ذلك، فإن ثلثي هذه الأراضي كانت تشغلها مناطق السهوب (بادية الشام) الواقعة على جانبي وادي الفرات، والمعروفة باسم الشامية على الضفة اليمنى والجزيرة على الضفة اليسرى، حيث كانت هذه المنطقة مأهولة بشكل رئيسي بالسكان البدويين وشبه البدويين من أصل عربي، بالإضافة إلى الأكراد والشركس في أطرافها الشرقية.
لذلك، كان أي خطة لاستغلال هذه الأراضي تمر حتما عبر سياسة إدارة وتطوير المنطقة السهبية وتقليدياً، كانت هذه المنطقة تنقسم إلى مجالين: المأمورة والبرية أو التول، وتشير المأمورة إلى الأراضي الواقعة على أطراف السهوب والتي تتمتع بكميات أفضل من الأمطار، وتقع بعد خط تساوي الأمطار 200 إلى 250 ملم سنويا، وهي مناسبة للزراعة والحياة المستقرة.
أما البرية فتشير إلى السهوب الوسطى، وهي منطقة مؤقتة وحصرية للبدو. لم تكن هناك حدود واضحة بين هذين المجالين، بل كانت هناك منطقة انتقالية مرتبطة بأحدهما أو الآخر وفقا للظروف السياسية المحلية واعتراف بسلطة مركزية قوية ومحترمة. وهكذا، تميزت العقود الأخيرة من الإدارة العثمانية بالهيمنة الواضحة والتوسع للاقتصاد البدوي على حساب المنطقة المستقرة تقليديا. وهكذا، بعد تنصيب بعثة ترينغا الفرنسية في دير الزور في نهاية عام 1920 من دون أحداث تذكر، صدر الأمر في أيلول 1921 بإنزال رتل على دير الزور، تحت أوامر العقيد ديبيفر، "لإخضاع" ثورة قبائل العكيدات في الفرات وفي الجزيرة، من عام 1921 إلى عام 1923، وتم تنظيم عدة أرتال أيضا لمحاربة القبائل العربية والكردية المتمردة في تموز 1923، وأدى الفشل الذريع الذي لحق بالفرنسيين في "منقار البط" وهي (التسمية التي تطلق على الطرف الشمالي الشرقي من الجزيرة السورية العليا المتقدمة بين العراق وتركيا)، ضد تحالف عربي كردي، إلى تراجع المواقع الفرنسية على الخابور وأخّر لعدة سنوات الاحتلال الكامل والنهائي للجزيرة العليا.
خشية الفرنسيين من العشائر وتفتيت المجال السياسي السوري
يروي أحد أساتذة اللغة العربية وهو من سكان دير الزور نقلا عن أجداده، أن الفرنسيين كانوا يقولون إن شخصية أبناء العشائر تعطي انطباعا أنهم متأهبون للقتال والعراك، لذلك كانوا يحسبون حسابا لهم، فهم دائما مسلحون.
ويقول الأرشيف الوطني الفرنسي إنه في عام 1930، قُدِّر عدد السكان "البدو" بنحو 130 ألف فرد، ما يعني أن المجموعة البدوية شكلت إمكانات بشرية كبيرة، خاصة وأنها كانت مصحوبة بقوة نيران كبيرة وفي الواقع، كانت جميع القبائل مسلحة في السهوب، إما بغنائم الأتراك أو الجيوش الألمانية في الحرب العالمية الأولى، أو بالأسلحة المهربة.
وفي عام 1923، قدر تقرير عن قبيلة الشيخ مجحم (الفدعان) وحدها، عدد المقاتلين المسلحين بالبنادق الذين استطاع الشيخ نشرهم بنحو ثلاثة آلاف مقاتل ومن الواضح أن هذا كان وضعاً واقعياً لا ينبغي الاستهانة به من المنظور السياسي علاوة على ذلك، اعتبرت السياسة الفرنسية أنه من الضروري "إبعاد ما أسمته بـ "العالم البدوي عن الحمى القومية" التي كانت تهز المناطق الغربية، وخاصة المدن لذلك استغلت فرنسا الازدراء التقليدي بين السكان الحضريين المستقرين في الغرب والسكان البدو في الشرق، فسعت إلى منع أي تأثير يتعارض مع مصالحها في منطقة السهوب، وهكذا تم إفراغ السجون السياسية في دير الزور والحسكة في عامي 1925 و1926 من كل سجنائها القوميين تجنبا لمخاطر "العدوى الأيديولوجية".
ولم يكن مشروع فرنسا تأسيس "دولة بدوية" مستقلة سوى خطوة أخرى في مشروعها المتمثل في التفتيت السياسي للمجال السوري إلى عدة دول. وفي عام 1922، أيد تقرير من القائد لابرو، رئيس جهاز المخابرات الفرنسية في حلب، خطط الجنرال دي لاموث لإنشاء "منطقة حدود عسكرية" تضم في الجزيرة والشامية، حدود ولايتي حلب ودمشق لجعلهما منطقة فرعية واحدة فقط إلا أنها رفضت لاحقا بسبب جانبها العسكري المفرط.
وبحسب كتاب تاريخ سوريا الحديث لـ فيليب خوري اشتهر من الشيوخ خلال تلك الفترة:
الشيخ مشهور العبود: كان أحد قادة المقاومة في منطقة دير الزور. قاد عشائر المنطقة في مواجهة الفرنسيين، وكان له دور بارز في تنظيم الهجمات ضد القوات الفرنسية.
الشيخ نوري الشعلان:زعيم قبيلة الرولة، وهي واحدة من أكبر القبائل في البادية السورية، لعب دورا مهما في مقاومة الفرنسيين، خاصة في المناطق الشرقية من سوريا.
الشيخ مجحم الفايز:قاد عشائر الفدعان في مقاومة الفرنسيين. كان له دور في تنظيم المقاومة في البادية السورية.
الشيخ دهام الهادي: زعيم قبيلة شمر، التي لعبت دورا في مقاومة الفرنسيين بمناطق شمال شرقي سوريا. عمل على توحيد القبائل في المنطقة ضد الانتداب.
الشيخ عجيل الياور:قاد عشائر شمر في مقاومة الفرنسيين. كان له دور في تنظيم المقاومة في مناطق الجزيرة السورية.
الشيخ نواف الفايز: زعيم عشائر الفدعان، التي لعبت دورا في مقاومة الفرنسيين بالبادية السورية. عمل على تعبئة العشائر ضد الانتداب.
الشيخ حمد العبيد: شيخ عشائر العبيد لعب دورا أيضا في مقاومة الفرنسيين بمناطق دير الزور والفرات. وكان له دور في تنظيم الهجمات ضد القوات الفرنسية.