مقال لمستشار الشرع : سوريا تشع من جديد
klyoum.com
أخر اخبار سوريا:
سوريا وسلطنة عمان توقعان اتفاقية خدمات النقل الجويبين الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، والرابع والعشرين من سبتمبر/أيلول 2025 موعد إلقاء الرئيس السوري أحمد الشرع كلمته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ما يزيد على تسعة أشهر، جرت خلال هذه الفترة، مياه كثيرة، وكثيرة جدا في سوريا الجديدة.
ربما لم تجرِ مياه كهذه في تاريخ سوريا الحديث، هذه المياه غيّرت وبدّلت كثيرا من المياه الآسنة الراكدة، التي لحقت بسوريا على مدى 61 عاما من حكم البعث، الذي استأثر بكل مفاصل ونواحي الحياة السورية من سياسية واقتصادية واجتماعية ونحوها، ففرض اللون الواحد، وأرجع البلاد عقودا إلى الوراء، نتيجة سياساته القمعية، النابذة لكوادر ونخب سوريا، التي عادت إلى أعشاشها بفضل الثامن من ديسمبر/كانون الأول، فغدا من الطبيعي أن نسمع عن عودة طبيب أو مهندس أو خبير قضى أربعة عقود، وربما خمسة عقود في المنفى القسري أو الاختياري.
سوريا الجديدة اليوم، لم يكن يحلم بسرعة انتقالها من حالة الموت السريري إلى حلتها الجديدة، أكثر المتفائلين بحاضرها ومستقبلها، بعد أن استطاعت أن تبرهن للعالم كله، كيف يكون اليوم التالي بعد التحرير، وهو اليوم الذي عادة ما يقضّ مضاجع صناع القرار السياسي.
فكان اليوم التالي دليل إرشاد ربما للأجيال المستقبلية، يوم أعلن قائد التحرير والرئيس السوري الجديد أحمد الشرع "نصر لا ثأر فيه"، والأجمل هو انصياع كل من ظُلم وتعرض لأبشع أنواع الفتك الكيماوي والبرميلي والتدميري لعقود، لهذا النداء، فرضخ الجميع لقرار القيادة، وتعامل الكل بروح جديدة، عكست معاني الصفح والعفو، وفتح صفحة من سوريا التي بدأت أشعتها من جديد تنعكس على داخلها وخارجها.
سوريا الجديدة التي تتميز اليوم بشفافيتها وسرعة معالجتها لجروحها، كما ظهر في أحداث الساحل السوري، حين سارعت الحكومة السورية إلى تشكيل لجنة وطنية من قضاة مشهود لهم على الساحة الوطنية والعالمية، وخرجوا بتقرير شفاف، أكدت مضامينه اللجنة الدولية التي شكلتها الأمم المتحدة، ولم تخرج نتائج تقرير الأمم المتحدة عن نتائج تقرير اللجنة الوطنية، فكان الأجمل هو السماح للمحققين الدوليين بدخول الساحل السوري، وممارسة عملهم التحقيقي بكل حرية وسهولة، وهو ما كان محرما على أي لجنة تحقيق دولية في السابق، مما عكس شفافية العهد الجديد.
على صعيد الواقع الداخلي تمكن العهد الجديد من استكمال معظم خطواته ومفاصله الدستورية، والتي آخرها انتخابات مجلس الشعب، التي عكست مشاركة الجميع في هذا العرس الوطني، وتزامن ذلك مع السعي إلى طي صفحة الجراح الأهلية في السويداء، العزيزة على قلب كل سوري، إذ جاء الاتفاق الأخير بمشاركة أردنية وأميركية لتؤكد حرص السوريين، وحرص حلفائهم على تجاوز المرحلة الماضية، وطي صفحة مؤلمة للجميع.
ويترافق ذلك كله مع الانفتاح السوري اقتصاديا وسياسيا، حيث تدفقت الشركات من كل الأقطار للاستثمار في سوريا الجديدة، مما عكس مدى الثقة بالعهد الجديد، فكان التوجه إلى موسكو التي دعمت النظام السابق طوال فترة الثورة، نظرا لحاجات وظروف موضوعية داخلية وخارجية، مما أظهر قدرة العهد الجديد على تجاوز مرارات الماضي، من أجل صالح العباد والبلاد.
على صعيد الواقع الداخلي، تحسنت القوة الشرائية لليرة السورية بعد أن عادت أوصال البلاد إلى بعضها، والتي تقطعت بوجود النظام السابق وحلفائه، فضلا عن رفع رواتب الموظفين بنسبة 200% مما حسّن الواقع الاقتصادي للأفراد.
وجاءت زيادة عدد ساعات الكهرباء في سوريا إلى الضعف لتخفف كثيرا من المصاعب التي دأب الشعب السوري المقيم في ظل النظام البائد سابقا على معاناتها، كما ارتفعت أسهم الجامعات السورية، مع عودة الكوادر السورية، ورفع العقوبات المفروضة عليها، وعلى الحياة السورية بشكل عام، حيث تم رفع عقوبات كانت مفروضة على السوريين منذ أواخر السبعينيات، فعادت بذلك سوريا إلى محيطها العربي والدولي خالية من العقوبات والتوترات والتشنجات، والتي كان آخرها رفع العلم السوري على سفارتنا في واشنطن.
سعت إسرائيل منذ اليوم الأول للتحرير لتنغص على السوريين فرحتهم، عبر استهداف مقدراتهم العسكرية بمئات الغارات الجوية، وتوّجتها باستهداف محيط القصر الجمهوري، ورئاسة الأركان السورية، مما عنى إعلان حرب واضحة على سوريا الجديدة، كما قال السيد الرئيس، ولكن سوريا الجديدة بوصلتها اليوم، نحو تنمية نفسها وتطويرها، وإعادة مهجريها ونازحيها البالغ عددهم 14 مليون شخص.
ولذا لجأت إلى حلفائها العرب والمسلمين، ومعهم حلفاؤهم وأصدقاؤهم في الغرب من أجل الضغط على تل أبيب؛ لكبح جماحها بالانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها خلال فترة التحرير، وانخرط العهد الجديد باتصالات ولقاءات مع قادة الاحتلال الإسرائيلي للعودة إلى اتفاق 1974، واتفاق أمني يفضي إلى سحب كل قواته من الأراضي التي احتلها بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول.
إن سوريا الجديدة التي قدّمها الرئيس الشرع، هي سوريا المفيدة لجيرانها وللعالم كله، بعد أن اقتلعت نظاما مجرما استبداديا، سمته الأساسية لـ 61 عاما من حكمه: ابتزاز المنطقة، بعد أن حوّل سوريا إلى مرتع للعصابات الإرهابية التي تزرع الخوف والقلق والرعب في لبنان والعالم العربي، وغير العربي باستهداف المعارضة إن كان في لبنان، وباريس، أو مدريد، ولندن، وآخن، فجعل من سوريا أكبر إمبراطورية للكبتاغون، يرسل شحناته إلى العالمين العربي والغربي، ومعها يُغرق دول الجوار الأقرب والأبعد بموجات من المهاجرين، ليستغلهم كسلاح وورقة مساومة في ابتزاز الدول المضيفة لهم، لإبعادها عن الثورة السورية.
لقد غدا الجوار العربي، ومعه العالم كله أكثر أمانا واستقرارا، مع سوريا ما بعد نظام الأسد، ونحن نرى الحالة التي يعيشها الأردن، وتركيا، والخليج بعد اقتلاع هذا النظام الذي دأب على ابتزاز الكل، إن كان من خلال إرهابه ومليشياته المؤيدة له، أو من خلال حلفائه الإقليميين والدوليين، بفرض وقائع جيوسياسية مقلقة لدول الجوار، أو الخليج، أو بإغراقها بالكبتاغون، لنشر السموم وسط جيل الشباب الذي هو أمل ومستقبل تلك الدول.
لم تسترح سوريا فقط، لقد استراحت المنطقة كلها، واستراح معها العالم كله، فأمن المنطقة مرتبط باستقرار سوريا، المعروفة بمكانتها الجيوسياسية والتاريخية، والإشعاعية الحضارية المهمة، فلا تتركوا سوريا وحدها.
سوريا الجديدة صحت من كبوتها، ولا عودة إلى الماضي، والقادم أجمل- بإذن الله- للسوريين وللجميع، وما زالت كلمات الرئيس أحمد الشرع في خطابه بمعرض الكتاب بإدلب في أغسطس/آب/ 2024 قبل أربعة أشهر من التحرير ترنُّ في أذني: "ويلٌ لأمة تكبو فيها دمشق".
أحمد موفق زيدان – الجزيرة