القمح السوري.. رحلة من السنابل الذهبية إلى موائد التراث
klyoum.com
أخر اخبار سوريا:
أطباء بلا حدود توسع عملياتها داخل سوريا لتشمل 11 محافظةدمشق-سانا
في قلب السهول السورية، تتلألأ السنابل الذهبية، حاملةً هويةً اكتسبتها من هذه الأرض عبر آلاف السنين، إنها ليست مجرد حبة قمح، بل حكاية تراثٍ عريق ينسج بين زراعة القمح وصناعة البرغل والفريكة، وبصمة جذورٍ ترفض الاندثار.
آلية صناعة الفريكة.. طقس سنوي يجمع العائلة
يبدأ الجد علي حاج علي، من مدينة دوما بريف دمشق، رحلته مع القمح في شهر تشرين الأول، حيث ينثر بذور الخير في أرضه بمزرعة الركابية، آملاً برزق وفير قائلاً: "بذرنا الحب وتوكلنا على الرب، مثلما أطعمتنا، أطعم غيرنا".
وفي حلول شهر حزيران، وقبل أن يكتمل نضوج حبات القمح وتكتسي لونها الذهبي، يجمع الجد علي (72 عاماً) جزءاً من محصوله، ليقوم بتحميص السنابل والحصول على الفريكة، تلك الحبوب الخضراء ذات النكهة المميزة، وبعد نحو أسبوعين، يحصد ويدرس ما تبقى من الموسم الذهبي وفق ما ذكر لمراسلة سانا.
وتتجسد هذه العملية في طقسٍ سنويٍ عائلي بامتياز، حيث تجتمع الأسرة لغسل القمح وتنقيته، ثم سلقه في حلل نحاسية على الحطب، ما يكسبه طعماً ونكهة فريدة، حيث تُجفف الحبوب لاحقاً تحت أشعة الشمس لثلاثة أيام، قبل أن تُرسل إلى المطحنة للطحن، كما يوضح الجد علي.
من الحصاد إلى المائدة.. أسرار البرغل والطحين
ويوضح الجد علي آلية الحصول على البرغل والطحين من المطحنة، مشيراً إلى أن نسبة البرغل المطحون تُطلب حسب احتياجات العائلة، سواء كان خشناً أو ناعماً، أما الطحين فيُطلب أيضاً من المطحنة دون إضافة الماء إليه.
نكهة التراث في الأكلات السورية
تستذكر السيدة أسماء الحاج علي بحنينٍ والدتها وهي تجمع الأولاد والأحفاد في بيت العائلة على موائد تزينها أصناف لا تُحصى، يكون البرغل فيها مادةً أساسية، من التبولة الشهية والكبة بأنواعها، إلى صحن المجدرة الذي كان يطلبه شقيقها الأصغر دائماً.
أما عن التحلية، فتتذكر أسماء خبز القمح مع الطحين الذي كانت تصنعه والدتها على التنور، ويُضاف إليه السكر ليُصبح لذيذاً جداً، هذه الأكلة التي تشتهر بها الغوطة الشرقية بريف دمشق ما زالت تحتفظ بطعمها الفريد في ذاكرتها المختلف تماماً عن أي حلويات أخرى، كأنها تحمل عبق الماضي.
لقد كان العمل اليدوي مرافقاً لكل خطوة في الحصول على حبة القمح الذهبية بدءاً من الحراثة، مروراً بالحصاد، وانتهاءً بحجر الرحى، ورغم دخول الحداثة على هذه المراحل، إلا أن دفء العادات والتقاليد لم يغب، وظلت رائحة التراث وذاكرة الماضي حاضرة بقوة.