تسييس وإرث مشوّه للملف الإنساني في سوريا.. هل تصحح الأمم المتحدة أخطاء الماضي؟
klyoum.com
أخر اخبار سوريا:
الرئيس الشرع يستقبل مستشار الأمن القومي البريطانيعلى مدى سنوات مضت، تعاملت الأمم المتحدة مع ملف وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا بعشوائية أفرزت نتائج كارثية، فمن حيث قصدت أو لم تقصد، أسهمت في تمويل مؤسسات تابعة لنظام الأسد، متسترة بغطاء العمل الإنساني، في حين كان السوريون المحتاجون يُحرمون من أبسط حقوقهم في الدعم والمساعدة، ومع سقوط نظام بشار الأسد، تبدو الساحة السورية أمام فرصة جديدة لتصحيح هذه الانحرافات.
في خضم التطورات التي تشهدها سوريا، تأتي مبادرة باسم "المجموعة الاستراتيجية للخبراء السوريين المستقلين" لتقديم نموذج مغاير للعمل الإنساني. هذه المجموعة، التي تضم نخبة من الخبراء، تسعى إلى ردم فجوات التنسيق التي تفاقمت بسبب غياب استراتيجيات واضحة من مكاتب الأمم المتحدة، لتصل التدخلات المنقذة للحياة إلى حالة من الجمود والارتباك.
يخطط القائمون على المشروع لأن تكون المجموعة صلة الوصل بين أصحاب المصلحة المختلفين لضمان أن تكون كل القرارات التي يتم اتخاذها مراعية لمصلحة مختلف مكونات المجتمعات في سوريا، وضمان استمرارية وصولهم إلى حقوقهم بكرامة وأمان، وبحسب بيان للمجموعة، فإنها مكونة من نخبة من الخبراء السوريين المتطوعين الذين لا يعملون حالياً ضمن الاستجابة السورية لضمان أعلى مستوى من الشفافية، ويمتلك كل منهم خبرة لا تقل عن 10 سنوات في الاستجابة الإنسانية في سوريا وأماكن النزاعات المختلفة حول العالم.
المجموعة لا تكتفي بالدعوة إلى تحسين آليات العمل فحسب، بل تضع على الطاولة رؤى جريئة لإعادة ترتيب الأولويات وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها من دون تمييز، عبر تبني نهج شفاف وتشاركي، كما أنها تسعى إلى تعزيز التعاون بين المنظمات المحلية والدولية، متسلحة بخبرات تراكمت على مدار أكثر من عقد من الزمن.
وفي بيانها التأسيسي، أكدت المجموعة على أهمية احترام المبادئ الإنسانية العالمية، مشددة على أن التغيرات السياسية أو العسكرية لا يجب أن تكون عائقاً أمام إيصال المساعدات، كما دعت إلى ضرورة التركيز على الحلول المستدامة التي تعيد الكرامة إلى المجتمعات المتضررة، وتضمن لهم فرصة البناء بعيداً عن أي تسييس للعمل الإنساني.
تحمل رسالة المجموعة دعوة واضحة لإعادة رسم معالم الطريق الإنساني في سوريا، وتحقيق نقلة نوعية تضع مصلحة الشعب السوري أولاً. فهل تنجح هذه المبادرة في كسر دوائر الفوضى والتسييس وتقديم نموذج حقيقي للعدالة والشفافية في العمل الإنساني؟
إرث النظام وتلاعبه بالمساعدات
أصدرت "المجموعة الاستراتيجية للخبراء السوريين المستقلين" بياناً دعت فيه إلى إصلاح شامل للعمل الإنساني في سوريا، مشددة على ضرورة الاستفادة من اللحظة التاريخية المتمثلة في سقوط نظام الأسد لإعادة بناء الثقة وتصحيح أخطاء الماضي.
وأكدت المجموعة أن إرث النظام القمعي، الذي استغل المساعدات الإنسانية لخدمة مصالحه، يجب أن يكون دافعاً لتبني نهج جديد قائم على العدالة والشفافية.
وأشارت المجموعة إلى أن نظام الأسد، خلال عقود حكمه، نجح في تحويل المؤسسات الإنسانية، بما في ذلك الهلال الأحمر العربي السوري، إلى أدوات لتنفيذ أجنداته، ما أدى إلى انتهاكات صارخة للمبادئ الإنسانية الأساسية كالحياد والاستقلالية.
وذكّرت المجموعة في البيان بالتقارير التي تحدثت عن استفادة شركات وأفراد خاضعين للعقوبات الدولية من ملايين الدولارات المخصصة لدعم الشعب السوري، وهو ما أدى إلى تعميق أزمة الثقة في العمل الإنساني داخل سوريا.
وأكد البيان أن سقوط النظام يوفر فرصة تاريخية لإعادة صياغة النظام الإنساني في البلاد على أسس أكثر عدلاً، مشدداً على أن التحديات التي واجهتها الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لا يجب أن تكون مبرراً لاستمرار التجاوزات، بل حافزاً لإعادة بناء نظام إنساني يُعلي قيم الشفافية والمساءلة.
خطوات نحو التغيير
وأضافت المجموعة أن الأولوية يجب أن تُمنح لإصلاح القيادة الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، من خلال إعادة هيكلة شاملة لمكتب دمشق لضمان التزامه بالمبادئ الإنسانية، وإزالة الأفراد المتورطين في انتهاكات المبادئ الإنسانية. كما دعت إلى وضع خارطة طريق جديدة للعمل الإنساني تتماشى مع التغيرات السياسية والإنسانية في سوريا، مع التركيز على تمكين المجتمعات المحلية وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن أي استغلال أو تحيز.
ودعت المجموعة إلى تعليق اتفاقيات الأمم المتحدة مع المنظمات والكيانات المرتبطة بالنظام، وتعليق جميع الاتفاقيات فوراً مع المنظمات والشركات التي تم تحديدها على أنها تدعم أو تمول نظام الأسد، ودعم مراجعة شفافة لتحديد وتسميّة الكيانات التي انتهكت المبادئ الإنسانية، وتجنب التعامل معها في المستقبل.
كذلك، يجب أن يخضع الهلال الأحمر العربي السوري لإصلاحات جوهرية لإعادة إرساء حياديته ومصداقيته، وفق المجموعة.
مؤسسات للنظام بزيّ إنساني
جاء في بيان المجموعة: "لقد تلاعب نظام الأسد المنهار بالنظام الإنساني بأكمله، مما أجبر حتى الكيانات المعترف بها عالمياً، مثل الهلال الأحمر العربي السوري والأمم المتحدة، على الغرق في نهر من الانتهاكات المنهجية للمبادئ الإنسانية. فأصبحت مؤسسات مثل الهلال الأحمر العربي السوري ومنظمات النظام الأخرى، كجمعية البستان وصندوق التنمية السوري، أدوات لهذا التلاعب. وتشمل الممارسات الموثقة قرارات التوظيف داخل وكالات الأمم المتحدة، واختيار الموردين، وتوزيع المساعدات، مما يعكس تأثير النظام الفاسد على العملية الإنسانية بأكملها".
وأضافت: "يتعين على الأمم المتحدة، رغم عملها تحت ضغوط لا يمكن إنكارها، أن تواجه دورها في تمكين النظام السوري من استغلال المساعدات الإنسانية. ومن خلال التورط في نظام مصمم لإثراء وتمكين نظام الأسد على حساب الشعب السوري، أسهمت الأمم المتحدة في استجابة إنسانية معيبة بشدة. وأكدت العديد من التقارير والدراسات أن ملايين الدولارات مُنحت لكيانات مملوكة لأعوان النظام، بما في ذلك أفراد وشركات خاضعة للعقوبات مثل شركة Desert Falcon LLC وشركة زيت الزيتون السورية".
وبحسب البيان، كانت التحديات التي واجهتها الأمم المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة الإنسانية تحت نظام الأسد هائلة، مما اضطرها إلى تقديم تنازلات مؤلمة قوضت مبادئ الحياد وعدم التحيز والاستقلالية. ومع زوال المحرك الرئيسي لهذه القيود الآن، تقف سوريا عند لحظة محورية وفرصة لإعادة تعريف وإعادة تصور استجابتها الإنسانية.
دوافع تأسيس المجموعة
قال السيد عبد الوهاب العلي، مسؤول التواصل الخاص بمجموعة الخبراء المستقلين الاستراتيجية، في إفادة لموقع تلفزيون سوريا، إن تأسيس المجموعة مدفوع بشكل أساسي بالتزام أعضائها العميق بالمساهمة بشكل إيجابي في إعادة بناء سوريا، التي تعاني بشدة من جراح النزاعات وعدم الاستقرار السياسي، مضيفاً أن هذه المجموعة من المهنيين السوريين المتمرسين تحركها رغبة جماعية في استخدام خبراتهم — التي تم تعزيزها وصقلها عبر سنوات من المشاركة المباشرة في مختلف الأزمات الإنسانية — لدعم عملية إعادة البناء القوية والمستدامة في سوريا.
للمرة الأولى منذ سنوات.. مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يرسل فريقاً إلى سوريا
وأكد العلي أن تأسيس هذه المجموعة جاء في وقت حرج، فقد خلق بطء استجابة الآليات الحالية للتغييرات الأخيرة في السياق السوري فراغاً. هناك قلق ملموس بين هؤلاء الخبراء من استغلال هذا الفراغ لتعزيز أجندات سياسية وأمنية تحت ستار المساعدة الإنسانية، مشدداً على أن هذا الأمر ملحّ بشكل خاص نظراً لتاريخ نظام الأسد في التلاعب بالمساعدات لتعزيز قوته، من خلال استراتيجياته في حجب وتوجيه المساعدات الإنسانية لخدمة مصالح النظام بدلاً من تلبية احتياجات السكان المحتاجين.
ويسعى أعضاء المجموعة إلى ضمان أن تكون الاستجابة الإنسانية سريعة، فعّالة، والأهم من ذلك، شفافة ومستقلة عن التأثيرات السياسية. تمثل مبادرتهم نهجاً استباقياً لمنع سوء استخدام الجهود الإنسانية، وللمطالبة بعمليات تحترم حقاً وتلبي احتياجات الشعب السوري، مما يسهم في عملية تعافي عادلة ومتكافئة.
"دور حاسم في فترة حرجة"
وفق العلي، فإن ما يميز مجموعة الخبراء السوريين المستقلين الاستراتيجية، بالإضافة إلى تكوينها من خبراء مخضرمين ومستقلين، هو دورها الحاسم خلال هذه الفترة الحرجة من الاستجابة الإنسانية السورية. وبحسب المجموعة، فإن استقلاليتها أساسية لأنها توفر وجهة نظر واضحة وغير متحيزة لا تتأثر بالحوافز المالية أو التوجهات السياسية.
هذه الاستقلالية تمكن المجموعة من تقديم نصائح استراتيجية وإرشادات فنية بشكل صريح، وهو أمر ذو قيمة كبيرة للفاعلين الإنسانيين الذين يضعون استراتيجيات في ظروف معقدة وصعبة.
ومن خلال العمل بشكل مستقل، يمكن للمجموعة تحليل الوضع بشكل أكثر فعالية، المطالبة بالتغييرات الضرورية، واقتراح استراتيجيات تأخذ في الاعتبار ديناميكيات الأزمة السورية المعقدة. هذا أمر ضروري للتكيف مع الاحتياجات المتطورة على الأرض وللتخطيط لجهود التعافي وإعادة الإعمار على المدى الطويل.
أهداف المجموعة
يكمن الهدف الأساسي لمجموعة الخبراء السوريين المستقلين الاستراتيجية في أن تكون الصوت الفني المستقل الذي يدعم مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة - تتراوح من المنظمات الإنسانية إلى المجتمع المدني والهيئات الحكومية الانتقالية - من خلال تقديم المشورة والمعلومات الخبيرة، بالتالي تسهيل التدخلات الإنسانية الأكثر فعالية وضمان استجابة منسقة تتماشى مع الاحتياجات المتطورة في سوريا.
بقيمة 535 مليون دولار.. مساعدات أميركية لدعم السوريين والمجتمعات المضيفة
وأوضح العلي أن أهداف المجموعة متعددة الجوانب، وتركز على:
ومن خلال التركيز على هذه المجالات، تهدف المجموعة لوضع أسس لعملية تعافي مستدامة وشاملة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى سوريا مستقرة ومزدهرة.
أدوات النظام في نهب المساعدات
في العام الماضي، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً بعنوان “الهلال الأحمر السوري والأمانة السورية للتنمية أدوات النظام السوري في نهب المساعدات الإنسانية”، وأشارت فيه إلى أنه يجب إيجاد طرق بديلة لإيصال المساعدات للمستحقين الفعليين في مناطق سيطرة النظام السوري.
وأوضح التقرير أن بشار الأسد تبنى، منذ استلامه الحكم عام 2000، العديد من المنظمات غير الحكومية الناشئة، وعزز عمل المنظمات غير الحكومية التي تتلقى دعماً دولياً مستداماً مثل الهلال الأحمر السوري. لكنه، بالتوازي، فرض سيطرة حكومية على هذه المنظمات من خلال التحكم بتعيين الإداريين فيها وإبقائها تحت سيطرة الحكومة. فقد لاحظ أنها مصدر دخل مادي مهم للنظام السوري، فحاول الاستفادة منها عوضاً عن قمعها كما فعل والده.
يُذكر أن رئيس حكومة تصريف الأعمال السورية، محمد البشير، أصدر قبل أيام قراراً بإنهاء عمل خالد حبوباتي رئيساً لمنظمة الهلال الأحمر العربي السوري، وتعيين محمد حازم شريف بقلة بدلاً عنه.
كذلك، أسست زوجة أسماء الأسد عدة مبادرات ومشاريع مجتمعية، دمجتها لاحقاً تحت لواء منظمة الأمانة السورية للتنمية. ووفق الشبكة، فإن النظام استخدم منظمتي الهلال الأحمر السوري والأمانة السورية للتنمية بهدف السيطرة على العمل الإغاثي. فقد أصبحتا بمنزلة قوة ناعمة تساعد النظام على تحقيق أهدافه، وبوابة للاستيلاء على أموال المانحين واحتكار الدعم الدولي. فقد فرضهما النظام على وكالات الأمم المتحدة والدول المانحة ليكونا البوابة التي تتدفق من خلالها أموال المشاريع الإغاثية والتنموية.