اخبار سوريا

سناك سوري

سياسة

تجربة السويداء الدامية تثير مخاوف السوريين .. طريق واحد للخروج من الأزمة

تجربة السويداء الدامية تثير مخاوف السوريين .. طريق واحد للخروج من الأزمة

klyoum.com

لم تبدأ المعارك الميدانية في "السويداء" ولم تنتهِ إلا بموازاة معارك كلامية وشتائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي شكّلت جبهة قائمة للتحريض وتمجيد العنف واستعراض بطولات وهمية تفتخر بارتكاب الجرائم وتوثّقها بالصوت والصورة وتطلب المزيد من الدماء.

وربما كان على السوريين أن يتعلّموا هذا الدرس باكراً، منذ تجربة "مجازر الساحل" في آذار ثم أحداث "جرمانا" و"أشرفية صحنايا" في أيار، قبل الوصول إلى معركة مجانية في "السويداء" كان بالإمكان تجنّبها وتجنيب البلاد معها دفع دماءٍ إضافية من أهلها.

في ظل هذه الأجواء، بدأت تنتشر سرديات مختلفة لدى كل طرف لتثبت أنه على حق، وأن الآخر هو الباطل والظالم والخائن، فوجب قتاله واستحق العقوبة على أفعاله من أجل تحقيق الاستقرار والمستقبل الأفضل للبلاد.

تحت عنوان "حصر السلاح بيد الدولة" بدأ التدخل الحكومي في "السويداء" بعد نشوب خلاف وحالات خطف متبادلة بين الفصائل المحلية من جهة وعشائر البدو في المحافظة من جهة أخرى.

يبدو العنوان جذاباً للوهلة الأولى، ومحقّاً بشكل واضح، إذ لا يمكن أن تعيش دولة حالةً طبيعية إن كان السلاح فيها منفلتاً من سلطة "الدولة"، والتي وضع عالم الاقتصاد الألماني "ماكس فيبر" نظريته الشهيرة حول حق "الدولة" الحصري في الاستخدام "المشروع" للعنف.

من حيث المبدأ، يحق لـ"الدولة" احتكار العنف، لكن الشرط الأول لذلك هي أن تتمتع هذه "الدولة" بالشرعية الكافية وباعتراف المجتمع أنها "الدولة"، ولكي تحصّل هذا الاعتراف فإنها تضع "عقداً اجتماعياً" يتمتع بموافقة النسبة الغالبة من المجتمع لتتحوّل بموجبه إلى صاحبة الشرعية.

أما الشرط الثاني فهو أن يكون العنف "مشروعاً"، أي أن يكون مقيّداً بقيود القانون وحدوده، فمن غير المعقول أن تطلق الدولة النار يمنةً ويسرة بحجة أنها صاحبة الحق في احتكار السلاح، وهي التجربة التي أثبتها نظام "بشار الأسد" حين خسر شرعيته مع أول قطرة دم سالت من المتظاهرين في وجهه.

من هنا، فإن عملية حصر السلاح بيد الدولة تتم بالتوافق، وهو ما بدأ قبل أشهر حين فاوضت وزارة الدفاع السورية فصائل "السويداء" للانضمام إلى صفوفها، لكن مسار هذا التفاوض سرعان ما اصطدم بعراقيل أدت إلى إنهائه.

كما أن حصر السلاح يجب أن يشمل كافة الأطراف، وليس طرفاً دون آخر بناءً على اعتبارات طائفية، ومثلما تريد "الدولة" سحب سلاح فصائل "السويداء" عليها أيضاً التوجه لسحب سلاح "العشائر" لا أن تفتح لهم الطريق نحو "السويداء" حينما أعلنوا الدعوة لـ"الفزعة" رداً على وقوع انتهاكات بحق "البدو" على يد فصائل محلية من المحافظة.

فالدولة في حالات الخلاف بين طرفين سوريين يجب أن تكون حيادية في الحكم بينهما والتعامل معهما، دون تحيّز لطرف على حساب آخر بناءً على موقفه منها.

مع وصولها إلى الحكم، ربما استسهلت السلطة الجديدة الحديث مع السوريين عبر قياداتهم الدينية، فتصدّر رجال الطوائف المشهد وسلّمتهم السلطة بذلك مفاتيح قيادة طوائفهم حين جعلت منهم البوابة الوحيدة للحوار معها.

في هذه الأثناء، نشأ الدور البارز للرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز "حكمت الهجري" على حساب التيارات المدنية في "السويداء" والتي شكّلت العمود الفقري لحراك "السويداء" ضد نظام "الأسد" منذ 2023.

بات "الهجري" في موقع القيادة دون عناء، وأصبح يتلقّى اتصالات من مسؤولين غربيين للحديث عن ملف "السويداء"، فيما كانت "دمشق" ترسّخ هذه الصورة له حين كان أي اتفاق أو قرار بشأن المحافظة يمر عبره حصراً، مع تهميش المجتمع المدني والنقابات والأحزاب السياسية في "السويداء"، بما في ذلك حادثة الاعتداء على ناشطين سياسيين من المحافظة كانوا في طريقهم إلى "الرقة" للمشاركة في نشاط سياسي، مقابل الاحتفاء بالحوار مع شيوخ العقل والفصائل المحلية كممثلين شبه "حصريين" لأهالي "السويداء".

لكن "الهجري" لم يكن يوماً رجل سياسة، وكل ما حظي به من شعبية خلال الفترة الماضية جاء من دافع طائفي بحت، فلم يكن له إلا أن يتعامل مع الأمر من مبدأ حماية "الطائفة" مهما كان الثمن، وينظر للمسألة من منظور طائفي وجودي تسقط معه المحظورات والخطوط الحمراء، ما دفعه إلى توجيه نداء علني يطلب فيه من كيان الاحتلال التحرك لإنقاذ "السويداء".

هذه الخطوة منحت فرصة لخصوم "الهجري" من مؤيدي "دمشق"، لتعزيز سرديتهم عبر وسائل التواصل للقول أن "الهجري" عميل للاحتلال، بينما دافع عنه مؤيدوه بأنه اضطر لذلك وأن هجوم القوات الحكومية هو الذي دفعه نحو طلب الحماية من الاحتلال.

بعد أيام من العنف الدموي في "السويداء"، يبدو المشهد واضحاً أكثر من أي وقتٍ مضى، فلا يمكن للحكومة المركزية أن تفرض سطوتها العسكرية بالقوة على "السويداء"، ولا يمكن لـ"الهجري" أن يسقط النظام أو أن يستقلّ بـ"السويداء".

والمخرج الوحيد للأزمة الراهنة هو الحل الذي كان يجب أن يبدأ قبل اندلاع الأحداث لا بعدها، ويتمثّل بالحوار الحقيقي والجدّي الذي تتعامل أطرافه مع بعضها بمبدأ الاحترام وبدافع الوصول إلى حل وطني جامع يحمي البلاد من عنفٍ إضافي وضحايا جدد ويرسم خارطة طريق لمستقبلها بناءً على الشراكة لا الإقصاء ولا التفرّد وعلى العدالة لا الاستقواء.

لقد أثارت تجربة "السويداء" الدامية مخاوف سوريين في مناطق أخرى باتوا يتوجّسون من سيناريو مشابه لأي سبب كان مهما كان صغيراً قد يتحوّل إلى مواجهة مسلحة وأعمال عنف، ما يزيد من أهمية أن يكون الحل في "السويداء" توافقياً وتشاركياً وقائماً على الحوار وبناء الثقة لتطمين بقية السوريين حول مستقبلهم.

*المصدر: سناك سوري | snacksyrian.com
اخبار سوريا على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com