الديون العائدة من الماضي.. كيف تحوّلت الفوضى في سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات المالية؟
klyoum.com
أخر اخبار سوريا:
سوريا ترد في رسالة على شروط تخفيف العقوبات الأمريكيةالديون العائدة من الماضي.. كيف تحوّلت الفوضى في سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات المالية؟
هاشتاغ – حسن عيسى
أعاد سقوط نظام الأسد منذ أشهر، الماضي ليطرق أبواب بعض السوريين بقوة مجدداً، فقد باتت الذكريات القديمة تحمل معها فواتير مؤجلة، وفي ظل عدم اكتمال وجه البلاد القضائي وجد البعض في الفوضى وسيلة للضغط والابتزاز، وتحويل الديون القديمة إلى سلاح جديد.
فمع سقوط النظام، لم يقتصر التغيير على السياسة وحدها؛ بل انفتح الباب أمام فوضى غير مسبوقة، وجد فيها البعض فرصة ذهبية لتصفية الحسابات القديمة واستعادة ديون، بعضها حقيقي، وكثير منها مشكوك فيه.
فجأة، بدأ مواطنون يتلقون مطالبات مالية تعود إلى عقود، من دون وثائق أو إثباتات، لكن مع ضغوط لا يمكن تجاهلها، وجدوا أنفسهم فجأة أمام ماضٍ لم يعد ماضياً؛ بل تحول إلى تهديد يومي.
بقرة عابرة للأزمان
في قرية صغيرة بريف حماة، يعيش أبو إبراهيم (65 عاماً)، رجل بسيط قضى عمره في الحراثة، باع قبل خمسة عشر عاماً بقرة بسعر مُتفق عليه وانتهى الأمر، أو ظن هكذا.
لكن بعد سقوط النظام، طرق بابه رجل لم يره منذ سنوات، مدعياً أن البقرة التي باعها لم تكن تنتج الحليب كما كان متوقعاً، وطالبه بتعويض مالي كبير دفعه أبو إبراهيم لإسكات القضية.
ويقول أبو إبراهيم لـ "هاشتاغ": "في البداية ظننت أنها مزحة، لكن سرعان ما تحول الأمر إلى ضغط وتهديد، حاولت شرح أنني لا أتحمل مسؤولية ما حدث، لكنه لم يستمع، وكان مدعوماً بأشخاص نافذين في المنطقة".
الحقوق لا تسقط بالتقادم
في ريف حمص، عاش عبد الكريم (52 عاماً) تجربة مشابهة، لكنها أكثر قسوة، ففي أحد الأيام التي تلت سقوط النظام، جاءه شخصان يركبان دراجة نارية، وطالباه بسداد دين قديم بقيمة 2000 ليرة سورية، يعود إلى عام 1998.
ويروي عبد الكريم لـ "هاشتاغ" تفاصيل الواقعة: "استغربت كيف يتذكرون ديناً بهذه القيمة بعد كل هذه السنوات! لكن الصدمة كانت عندما قالوا لي إنهم احتسبوا الدين وفق سعر الصرف الحالي، وأصبح المبلغ 900 ألف ليرة".
ويتابع: "رفضت في البداية، لكن نبرة التهديد والوعيد كانت واضحة، فاضطررت لدفع 700 ألف ليرة خوفاً على نفسي، كانت القصة مرتبطة بورشة نجارة استلمتها في منزل هؤلاء قبل سنوات".
النفوذ بدل القانون
ماهر (53 عاماً)، مدير مصنع في ريف حمص الشرقي، واجه نوعاً آخر من الاستغلال، عندما ادعى أحد العمال السابقين أن له مستحقات مالية لم يحصل عليها.
وللمفارقة، لم يكن هناك أي إثبات قانوني، لكن العامل لم يكن وحيداً فقد استعان بشخص له نفوذ مرتبط بأحد الفصائل المحلية، وبدأ ابتزاز ماهر للحصول على مبالغ كبيرة.
وقال ماهر لـ "هاشتاغ": "كنت أعرف أن أي رفض مني قد يكلفني أكثر من المال، لم يكن لدي أي خيار سوى الدفع، فالعلاقات والنفوذ أقوى من القانون في مرحلة إعادة تكوين الدولة".
مشكلة ثقة
التاجر باسم (50 عاماً) في ريف دمشق، خسر جزءاً كبيراً من رأس ماله بسبب هذه الظاهرة؛ إذ كان يعتمد على شراكات تجارية تمتد سنوات، لكن بعد سقوط النظام تغيرت القواعد.
بعض شركاء باسم قرروا عدم دفع مستحقاته بحجة أن الاتفاقات كانت شفهية ولم تعد تعني شيئاً، وبحسب كلامه، فإنه حتى بوجود القضاء العادل لن يستطع المطالبة بحقوقه نتيجة عدم وجود إثباتات.
ويقول باسم لـ "هاشتاغ": "وجدت نفسي أمام شركاء يرفضون وفاء التزاماتهم، فالقضية أصبحت أخلاقية وفي هذه الحالة لا يوجد من يحكم سوى ضمير هؤلاء، الذي يبدو أنه وجد فرصة للنوم بعد سقوط النظام".
عندما تنهار قواعد السوق
لم يكن ريفا إدلب وحلب بعيدين عن هذه الفوضى، فعدد من تجّار تلك المناطق كانوا يتعاملون مع تجار من مناطق أخرى تعاملا شبه شفهي، لكن بعد سقوط النظام استغل بعضهم غياب التوثيق الرسمي ورفضوا دفع مستحقات شركائهم.
ويقول أحد التجار المتضررين، وهو من منطقة مصياف بريف حماة وفضل عدم الكشف عن اسمه، لـ "هاشتاغ": "في السابق كان التزام الكلمة جزءاً من ثقافة السوق، لكن مع غياب أي سلطة رقابية لم تعد لهذا أي قيمة".
ويضيف التاجر: "بعض التجار قرروا التنصل من التزاماتهم، مستغلين عدم وجود وثائق قانونية تثبت الاتفاقات، توجد أثمان بضائع لم تُسدد منذ سنوات وكنا نحصّلها في دفعات، اليوم ليس هناك ما يلزم من كنا نتعامل معهم سداد تلك الدفعات".
الوقت المناسب
في المقابل، يعد محمد (39 عاماً) من ريف اللاذقية أن سقوط نظام الأسد شكّل فرصة ذهبية لكل من كان لديه حق مسلوب كي يسترده، خصوصاً وأن هناك من استغل سلطة الأسد كي يستولي على حقوق بأساليب غير مشروعة.
ويشرح محمود في حديثه لـ "هاشتاغ" كيف استطاع بمساعدة أقربائه وأصدقائه استرداد مبلغ يقارب 22 مليون ليرة سورية من أحد "الشبيحة" الذي كان قد استلفه منه قبل نحو 7 سنوات ولم يُعِده إليه، مبيناً أنهم ذهبوا إليه جماعةً واستردوا كامل المبلغ.
ويقول محمود: "عام 2019 كنت أعمل في تجارة القمح والشعير عندما قدم إلي أحد شبيحة النظام وطلب مني دفع مبلغ 22 مليون ليرة لقاء السماح لي بتسيير أعمالي وتجارتي، كان لا بد من أن أعيد حقي وحق أولادي منه بعد سقوط النظام، كانت الفرصة المناسبة".
ما الحل؟
يرى المختص في الشأن القانوني المحامي رامز محفوظ في حديثه لـ "هاشتاغ" أن ما يجمع بين هذه القصص هو استغلال الفراغ القانوني لتحقيق مكاسب غير مشروعة، بالاستفادة من انهيار المؤسسات القضائية بعد سقوط النظام.
ويقول محفوظ: "مع غياب جهة قانونية فاعلة، أصبح المواطنون عرضة لممارسات أشبه بالابتزاز، من دون أي وسيلة لحماية حقوقهم، فمن دون ذلك ستظل الفوضى أرضاً خصبة لمن يظنون أن القانون لم يعد موجوداً إلا لمصلحتهم".
ويضيف: "إن كان لسوريا مستقبل مستقر، فلا بد من بناء نظام قانوني قوي وعادل، يضمن حماية الحقوق، ويمنع استغلال الفراغات القانونية لتحقيق مكاسب شخصية، المسؤول في هذه الحالة هي السلطة الأمنية التي ينبغي لها متابعة هذه الحالات، التي لا ينبغي السكوت عنها كي لا تتحول من ظاهرة إلى عادة مجتمعية".
الرئيس اللبناني: تحسين العلاقات مع سوريا وإجراءات لضبط الحدود
تصعيد إسرائيلي في سوريا.. غارات وتوغل في درعا خلف شهداء وجرحى
ماذا تعرف عن فضيحة "قطر غيت" الإسرائيلية؟