شورت بطعم الحرية: حين يختبر الرجال ما كانت تعيشه النساء بصمت
klyoum.com
في زمن الحجر أيام الكورونا، أتذكر كيف أن زوجي تذمر أمامي من "الحبسة بالمنزل"، وكيف منعه الحجر من السهر مع أصدقائه، أتذكر تماماً أني رددت عليه بشماتة واضحة: "هذا الحجر بالنسبة إلنا نحن النساء أسلوب حياة".
اليوم تبرز قضية مشابهة، مع كثرة الحالات التي تستهدف الشباب والرجال وتدخل بارتدائهم "الشورت" في الشارع، كما حدث حين اعترضت دورية أمنية "فراس" في حلب وأجبرته على العودة إلى منزله لارتداء بنطال عوضاً عن الشورت الذي اعتاد ارتداءه عند الذهاب إلى التمرين الرياضي.
في عمق العادات السورية التي نعرفها، المجتمع لم يمنع الرجال يوماً من ارتداء الشورت، بخلاف ذلك كان مشهد رجل يرتدي شورت على الموضة رفقة سيدة محجبة أو حتى منقبة، أمراً اعتيادياً جداً، لكن المجتمع حتى ما قبل سقوط النظام لم يكن معتاداً على رؤية نساء يرتدين شورت وغالباً ما كنّ يواجهن بالنظرات الغريبة أو حتى يتعرضن للتحرش اللفظي بالشارع.
ربما لأول مرة يعيش الرجال ما كانت النساء تقاسيه لسنوات طويلة!
مرة كنت مستعجلة وعليّ الخروج من المنزل بسرعة لأضع ابنتي في الروضة مقابل منزلنا والعودة مسرعة. واختصاراً للوقت خرجت بالشورت مسرعة أوصلت ابنتي لباب مدرستها وعدت إلى مدخل البناء. وفي مدة لا تتعدى 4 دقائق تلقيت 6 نظرات ذكورية قبل أن أدرك السبب بعد "تلطيشة" من شاب عابر قال لي: "يسلملي الشورت والي لابسته". (طبعاً مابدي احكيلكم شو رديت على صاحب التلطيشة احتراماً لمبادئ اللاعنف).
مع دخولنا مرحلة المساواة في التدخل بشورتات النساء والرجال لا يسعنا إلا الرفض والسخرية أيضاً فها نحن نتساوى في شيء ما. ربما لأول مرة يعيش الرجال ما كانت النساء تقاسيه لسنوات طويلة، الفكرة ليست نوعاً من الشماتة، إنما فرصة ليشعر الرجال بما تشعر به النساء حين تقييد حرياتهنّ قسراً، بناء على وصاية المجتمع وأعرافه.
تاريخياً، التحكم باللباس هو أحد أدوات ضبط الجسد، سواء للمرأة أو الرجل، لكنها تُمارس على النساء بشكل أشد، كجزء من "ملكية المجتمع لجسد المرأة".
ليست القضية في الشورت نفسه، بل في أن الحريات الفردية للذكور والإناث لا تزال مشروطة، ومراقبة، وقابلة للانتزاع، لحظة يُقرر من يملك السلطة أن الوقت قد حان.
قد تبدو القيود الأخيرة على لباس الرجال، خاصة منعهم من ارتداء الشورت، مجرد حالة عابرة أو استثناء أمني، لكنها في جوهرها تكشف أن التحكم بالحريات الفردية ليس قضية نسوية فقط، بل أداة سلطة شاملة يعاد استخدامها ضد الجميع حين تسنح الفرصة، ما يعيشه بعض الرجال اليوم من تقييد، نظرات، تدخل علني، هو تجربة مألوفة تماماً للنساء السوريات، لكنها كانت ولسنوات طويلة أمراً عادياً، لا يُفاجئ أحداً.
الفرق فقط أن حرية لباس المرأة كانت دائماً في "حالة رقابة دائمة" ومبررة ثقافياً ودينياً، بينما ينظر البعض لتقييد الرجل على أنه خروج عن المألوف أو "مبالغة غير مفهومة"، ومن هنا، تبرز الحاجة اليوم لتوسيع النقاش، ليس فقط عن لباس الرجال أو النساء، بل عمن يملك القرار في أجسادنا، ولماذا يمنح المجتمع هذا الحق أصلاً؟.
في نهاية المطاف، ليست القضية في الشورت نفسه، بل في أن الحريات الفردية للذكور والإناث لا تزال مشروطة، ومراقبة، وقابلة للانتزاع، لحظة يُقرر من يملك السلطة أن الوقت قد حان.