غلاء يلتهم القدرة الشرائية.. حلب تستقبل الشتاء بأعباء مضاعفة
klyoum.com
الجماهير|| جهاد اصطيف..
مع اقتراب فصل الشتاء، يواجه المواطن في مدينة حلب وريفها واقعاً اقتصادياً يزداد قسوة يوماً بعد يوم، فارتفاع الأسعار بات يتجاوز قدرة معظم الأسر على تأمين احتياجاتها اليومية الأساسية، في ظل دخل محدود ومتآكل لا يواكب الارتفاع المتسارع في تكاليف المعيشة، وخاصة مع توقعات بزيادة الإنفاق على التدفئة ومواد الطاقة خلال الفترة المقبلة.
أسعار تحلق .. ودخول لا تتحرك
في جولة ميدانية داخل أسواق حلب، عبر العديد من المواطنين عن استيائهم من الغلاء المتصاعد، مؤكدين أن كل شيء في السوق غال ولا يوجد ما يمكن وصفه بالرخيص.
سامر عواد، موظف حكومي أشار إلى أن سعر ليتر الزيت وصل إلى 23 ألف ليرة، معتبراً أن هذا السعر "حرام"، وهو ما يعكس حالة الصدمة لدى شريحة واسعة من الأهالي أمام الارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الأساسية.
من جهته، قال صالح رجب أحد سكان الريف الشرقي إن الأسعار في قريته لم تتغير كثيراً مقارنة بالفترة الماضية، لكنه أوضح أن المشكلة تكمن في " تراجع الدخل "، ما يجعل أي ارتفاع – حتى لو كان بسيطاً – عبئاً حقيقياً على الميزانية الأسرية.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي أمير الحلبي أن ما تشهده الأسواق هو نتيجة خلل عميق في العلاقة بين الدخل والأسعار، مشيراً إلى أن الأجور الحالية لم تعد تمثل سوى نسبة قليلة من القدرة الشرائية الفعلية مقارنة بمتوسط تكاليف المعيشة، ويؤكد الحلبي أن ارتفاع التكاليف التشغيلية للتجار، بما فيها الضرائب والرسوم وتكاليف النقل، يسهم في دفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، لافتاً إلى أن الحلول تتطلب سياسات تدخل فعالة تضبط الأسواق وتدعم القوة الشرائية، وليس مجرد إجراءات مؤقتة لا تغير من الواقع شيئاً.
المدينة أثقل عبئاً .. والريف أقل كلفة
تفاوت الأسعار بين المدينة والريف لا يزال واضحاً رغم تقاربها النسبي في بعض السلع، فوفق شهادات عدد من التجار في الريف، فإن أسعار اللحوم مثلاً أقل من مثيلاتها داخل المدينة، نتيجة قرب المذابح ومصادر الإنتاج.
أحمد الرشيد أحد التجار أوضح أن سعر الكيلو في المدينة يصل إلى 120 ألف ليرة، بينما يباع في الريف بنحو 100 ألف ليرة، مرجعاً ذلك إلى أن الذبح والتقطيع يتم محلياً، وبالتالي تباع الكميات بسعر الجملة تقريباً.
ومع ذلك، يشير آخرون إلى أن سكان الريف يختارون عادة بين عدة أصناف متفاوتة الجودة – الأول والثاني والثالث – وهو ما يخفض الأسعار مقارنة بالمدينة، حيث اعتاد الزبائن شراء البضاعة الممتازة فقط.
لا يقتصر العبء على المستهلك فقط، فالتجار أنفسهم يعانون من ضغوط مالية متزايدة، أبرزها الضرائب التي تفرضها الجهات المختصة.
سعيد عبد الغفور أحد أصحاب المحال روى أن المالية عندما تأتي تفرض ضرائب أرباح مرتفعة، مؤكداً أن هذه الضرائب في النهاية ستخرج من جيوب المستهلكين، ما يرفع الأسعار أكثر ويعمق الأزمة.
شتاء يقترب.. وقلق يتصاعد
مع دخول الشتاء، تستعد الأسر الحلبية لموسم قد يكون الأصعب منذ سنوات، فارتفاع أسعار الوقود وغياب مصادر طاقة بديلة ميسرة يضعان المواطنين أمام خيارات صعبة بين تأمين التدفئة أو توفير الاحتياجات الأساسية، ويخشى الكثيرون من أن يؤدي ارتفاع نفقات الشتاء إلى حرمان أسر بأكملها من الدفء، بالرغم من تخفيض أسعار المحروقات النسبي ومواد التدفئة.
تقول صفاء عبد الكريم من حي صلاح الدين: "بحلب ما فينا نشتري"، عبارة قصيرة تختصر واقعاً مريراً تعيشه آلاف الأسر التي تجد نفسها أمام أسواق بأسعار " لا ترحم " ودخول لا تكاد تغطي الحد الأدنى من المعيشة.
وإن كان بعض المواطنين يشيرون إلى أن الأسعار بين المدينة وريفها تكاد تكون متقاربة، فإن هذه المقاربة لا تعني بالضرورة قدرة متساوية على الشراء، فوفق عدد من الأهالي، يبقى الدخل المحدود هو الفاصل الحقيقي بين القدرة على الشراء والعجز عنه، خصوصاً أن أسواق المدينة غالباً ما تبيع المواد ذات الجودة الأعلى، مما يجعل أسعارها بطبيعة الحال أعلى.
خلاصة المشهد
تكشف الشهادات الميدانية أن الأزمة المعيشية في حلب باتت أعمق من مجرد تفاوت في الأسعار، فهي أزمة قدرة شرائية منهارة، ودخل لا يتوازن مع الارتفاع الكبير في تكاليف الحياة، وعبء يثقل كاهل المواطنين والتجار على حد سواء.
ومع استمرار حالة الغلاء وغياب حلول اقتصادية واضحة، يقف المواطن الحلبي أمام فصل شتاء جديد محمل بالأعباء، ويأمل أن يحمل معه مناخاً أقل قسوة مما تحمله الأسواق من أسعار.