اخبار سوريا

درج

سياسة

حرائق سوريا: ألسنة اللهب تلتهم الغابات وتوقظ مخلّفات الحرب 

حرائق سوريا: ألسنة اللهب تلتهم الغابات وتوقظ مخلّفات الحرب 

klyoum.com

اشتعلت الحرائق في المناطق الحرجية السورية في جبل التركمان ومناطق أخرى يوم الخميس الفائت ومازالت مستمرة إلى الآن، ولكنّها لم تكن الأولى من نوعها هذا العام، الذي شهد رقمًا قياسيًا في الحرائق مقارنةً بالأعوام السابقة.

تبدو الأجواء في مدن الساحل السوري وقراه كافة غير طبيعية، ألوان السماء مائلة الى البني الفاتح القريب من البرتقالي، والهواء ثقيل، يحمل مع كل نسمة رائحة احتراق، وذلك حتّى في القرى والمدن البعيدة عن الحرائق المندلعة غرب البلاد منذ أيام.

ليس ثقل الهواء هنا أكبر مشاكل السكّان، إذ إن أقرانهم في القرى القريبة من الحرائق اضطروا لترك منازلهم بعدما أجلتهم وزارة الطوارئ والكوارث، ومؤسسة الدفاع المدني السوري عقب امتداد الحرائق إلى منازلهم.

اشتعلت الحرائق في المناطق الحرجية السورية في جبل التركمان ومناطق أخرى يوم الخميس الفائت، ولكنّها لم تكن الأولى من نوعها هذا العام، الذي شهد رقمًا قياسيًا في الحرائق مقارنةً بالأعوام السابقة.

ولا تُطفأ الحرائق في منطقة حتى تبدأ في منطقة أخرى، فمنذ ما يزيد عن شهر والساحل السوري يواجه حرائق كبيرة في غاباته، فرق الإطفاء تعمل على مدار الساعة للاستجابة والتعامل مع مختلف الحرائق التي بلغ عددها بحسب وزير الطوارئ وإدارة الكوارث في الحكومة السورية رائد الصالح 1570 حريقاً.

الحريق المشتعل حالياً في جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي هو الأضخم بحسب الدفاع المدني السوري، أكثر من 5600 هكتار (كل هكتار يساوي 10آلاف متر مربع) احترقت منذ ثلاثة أيام، ويمكن أن تزيد مساحة الغابات المحروقة في حال عدم التمكن من السيطرة على الحريق.

عام الحرائق

منذ بداية شهر أيار/ مايو الماضي، ومع ارتفاع درجات الحرارة بدأت الحرائق في غابات الساحل السوري، اشتعلت الغابات في قرية الريحانية وسد برادون بمنطقة ربيعة وحرقت ما يزيد عن 30 هكتاراً من الغابات، على رغم أن موسم الحر لم يكن بدأ فعلاً، لكنها كانت رسالة أن صيفاً صعباً ينتظر سوريا.

ومذاك وحتى اليوم شهدت سوريا ما يزيد عن 1500 حريق على طول الساحل السوري في مناطق جبلة ومصياف والحفة والقرداحة وجبلي الأكراد والتركمان.

الأسبوع الماضي تمكّنت وزارة الكوارث والطوارئ السورية وبعد أيام من العمل، من إخماد حريق ضخم في منطقة وادي باصور في جبل الأكراد.

الحرائق تشتعل في الوقت نفسه في أكثر من منطقة، ولأن الإمكانات الموجودة محدودة مقارنة بحجم الحرائق، من الصعب التعامل مع حريق واحد من هذا الحجم، فكيف إذا كان التعامل مع عشرات الحرائق في مناطق بعيدة عن بعضها البعض؟!

بحسب الخبير البيئي، زاهر هاشم، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى جفاف الأوراق والجذوع، والأعشاب والنباتات الموجودة في التربة وتجعل منها وقوداً يسهل اشتعاله مع أي مؤثر خارجي سواء طبيعي مثل البرق، أو لعوامل بشرية نتيجة الإهمال أو الحوادث العرضية أو الحوادث المتعمدة.

كما يساعد الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة ونسبة الرطوبة الجوية المنخفضة على انتشار الحرائق وزيادة شدتها بشكل كبير، وتعمل الرياح القوية الجافة على امتداد النيران إلى مساحات أوسع.

مخلّفات الحرب تستيقظ!

الغابات في سوريا كانت مهملة خلال السنوات الماضية ومن دون عناية، وبالتالي هي غير مؤهلة وغير منظمة، ما يجعل انتشار الحرائق فيها بسرعة أمراً سهلاً جداً بحسب الوزير رائد الصالح.

كما أن مخلفات الحرب والألغام تزيد من حجم النار وتشكل خطراً على فرق الإطفاء التي تعمل في المنطقة، الحريق المشتعل الآن هو في منطقة كانت لسنوات خط جبهة ومواجهة عسكرية، وانفجارات مخلفات الحرب لا تتوقف ويسمعها السكان بوضوح بحسب ما قال لنا أحد سكان المنطقة.

لا توجد خطوط نار ولا كوادر مدربة للتعامل مع الحرائق، كما أن عدم تنظيف الغابات وإزالة الأشجار اليابسة حوّلها الى مناطق قابلة للاشتعال بشكل مضاعف، شاب من فوج الإطفاء في اللاذقية قال لمعد التحقيق: معدات الفوج لم تحدث من سنوات، نحن نعمل بالإمكانات التي نملكها، لكن المنطقة تحتاج الى أضعاف عدد العناصر الموجودة لحمايتها من الحرائق.

موسم الحرائق لم يبدأ بعد

أبو علي وهو مزارع من قرية الروضة، قال لمعد التحقيق إن الأشجار الموجودة في المنطقة غالبيتها من نوع الصنوبر ، وهذا الصنف من الأشجار تكون نسبة احتراقه غالباً أكبر في شهر أيلول/ سبتمبر، لأن ورقه وثماره تتساقط في هذا الشهر، وهي قابلة للاشتعال بشكل كبير جداً، أما ما يعيشه الآن فهو بداية لما قد تشهده المنطقة في الأشهر المقبلة.

يضيف أبو علي: "في كل عام تشهد هذه المنطقة حرائق كبيرة، وقبل خمس سنوات وصلت النيران إلى القرية والمنزل، حينها لم أغادر منزلي واليوم لن أغادره، أرش المياه حول المنزل وعلى جدرانه، وأزلت الستائر ، وننتظر ماذا سيحصل".

من جهته يقول محافظ اللاذقية محمد عثمان لـ "سراج": إن كوادر المحافظة مستنفرة لتقديم الخدمات للأهالي، وإن الفرق الطبية والإسعاف أجلت عدداً من العائلات ونقلتها الى المدينة، كما قدمت الخدمات الطبية لعدد من الأهالي المصابين بحالات اختناق ونقلت بعضهم الى المسشفيات لمتابعة علاجهم.

الحرائق بالأقمار الصناعية

تظهر صور الأقمار الصناعية المأخوذة حديثاً حجم الضرر الذي لحق بالغطاء النباتي والغابات في ريف اللاذقية جراء الحرائق المستمرة، إذ دمرت الحرائق منذ منتصف شهر أيار/ مايو الماضي مساحات كبيرة من الأشجار المحيطة بسد بارادون في ريف اللاذقية الشمالي.

سدر برادون

كما تظهر الأقمار الصناعية تآكل مساحات كبيرة في منطقة جبل التركمان جراء الحرائق التي استمرت لأسابيع من نهاية شهر أيار/ مايو حتى نهاية شهر حزيران/ يونيو، إذ تشير تقديرات الحكومة السورية إلى احتراق نحو 5600 هكتار من الغابات.

جبل التركمان

وفي قرية سد باصور، وثقت صور الأقمار الصناعية تسارع الحرائق بشكل كبير جداً في 23 حزيران/ يونيو وامتدادها حتى أطراف القرية ومحيطها، وتظهر صورة حديثة بتاريخ 3 تموز/ يوليو حجم الدمار الكبير في محيط القرية كاملاً من الغابات والأشجار.

وادي باصور

ويتكرر النمط نفسه في محيط قرية كنسبا وجبل الأكراد، حيث تسببت الحرائق بتراجع واضح في مساحة الغطاء النباتي والغابات منذ نهاية شهر أيار/ مايو ولأسابيع وصولاً إلى نهاية شهر تموز/ يوليو، ويعتبر ريف اللاذقية من أكثر المناطق تأثراً بالحرائق الحالية.

كنسبا

حلم العودة: طريق طويل أمام السوريين 

أبو عصمت من مدينة ربيعة عاد الى مدينته بعد تحرير سوريا ، قال لمعد التحقيق: كنت أعيش في اللاذقية وكان الذهاب الى القرية ممنوعاً كونها منطقة اشتباك، عدت إلى القرية بعد التحرير وفتحت استراحة صغيرة، وهدفي إعادة ترميم منزلي واستصلاح أراضيّ الزراعية.

لكن الحرائق غيرت كل شيء، جهزت أغراضي للهروب مجدداً، لكن الحريق لم يصل الى منزلي بعد، لذلك لم أغادر لكنني مستعد للمغادرة في كل دقيقة.

يتكلم أبو عصمت عن حريق الشهر الماضي الذي اندلع  في ناحية ربيعة أيضاً بقوله: "بدأ  الحريق في الصباح وتوسع بشكل كبير خلال ساعات. في اليوم الثاني كان الحريق قد التهم مساحة كبيرة جداً وفرق الإطفاء كانت تصل من كل مكان، لكن مع كبر الحريق كانت عملية السيطرة عليه صعبة جداً".

يتابع قائلاً :"عندما اقترب الحريق من المدنية حزمت أغراضي أيضاً مستعداً لرحلة نزوح جديدة بعد عودة لمنزلي لم تدم إلا أشهراً قليلة، لكن في النهاية تمكنت فرق الإطفاء حينها من السيطرة على الحريق، واليوم أنا أنتظر على أمل أن تتمكن الفرق من السيطرة على هذا الحريق أيضاً".

يضيف أبو عصمت:"نحتاج إلى مراكز إطفاء دائمة هنا. عندما ينشب الحريق استغرقت فرق الإطفاء ساعات للوصول من محافظة اللاذقية الى الجبال، خصوصاً إنهم يستخدمون آليات كبيرة وصهاريج حركتها بطيئة".

يختم أبو عصمت حديثه بصوت حزين: "الغابات تحتاج الى عناية 15 عاماً، وهي مهجورة وعلينا رعايتها كما نفعل مع  أراضينا لتكون منظمة وتكون عملية السيطرة على أي حريق في المستقبل أسهل".

الفرق المتخصصة ضرورة للمستقبل

يقول المهندس البيئي، شوكت بلال، وهو من محافظة اللاذقية: "نحن لا نملك فرقاً اختصاصية حقيقية لمواجهة الحرائق، وتعمل فرق الدفاع المدني السوري على الاستجابة الإنسانية بكل إشكالها ومنها الحرائق، لكن ما نحتاجه بشكل عاجل فرق مدربة ومتخصصة للتعامل مع الحرائق، تكون موجودة في مناطق الغابات بشكل دائم لكي يسهل عليها التعامل مع الحرائق، وتكون على معرفة بتضاريس المنطقة الجبلية، وبذلك تكون قدرتها على الاستجابة أكبر بشكل مضاعف".

وأضاف بلال، أن سبب الحرائق قد يكون نتيجة موجة الجفاف الكبيرة التي تضرب المنطقة منذ أشهر، إذ لم تهطل أمطار كافية كما يجب، وربما تكون نتيجة عودة المزارعين لأراضيهم وعملهم على استصلاحها مجددًا السبب في الحرائق، وربما نتيجة لعملية تنظيفها وحرق الأعشاب فيها ومع وجود الرياح، ذلك كله قد أدى الى وصول الحرائق إلى الغابات أيضًا، لافتًا إلى أن معظم قرى المنطقة تشهد في هذه الفترة عمليات تنظيم للأراضي، لذلك أنصح بتأجيل العمل في الأراضي للشهر العاشر لتفادي الحرائق مجدداً.

وتابع: "التقنيات الموجودة لدى فرق الإطفاء في سوريا قديمة جدًا مقارنة بالتقنيات الموجودة في دول أخرى متقدّمة، لذلك وخلال عملية بناء الفرق المختصة، يجب على السلطة تجهيز هذه الفرق بالتقنيات الحديثة وتدريبها عليها".

ونشر "الدفاع المدني السوري" صورًا لفرق الإطفاء التي تعمل على إخماد الحرائق، ويبدو عليهم آثار الإنهاك والإغماء، كما تعرّض عدد من الفرق إلى الإصابة واحتراق آلياتهم.

وأعلن الدفاع المدني السوري، عن مشاركة آليات وفرق إطفاء تركية في عملية إخماد الحرائق، من ضمنها مروحيتان و11 آلية إطفال، إلى جانب 62 عضوًا من الفرق السورية.

مخاطر على البيئة والمياه

يشرح المهندس شوكت بلال، طبيعة المنطقة وأهميتها، قائلًا: "الحرائق لا تهدد الشجر والبشر فقط، فهذا الشهر هو شهر التكاثر عند الطيور ومنطقتنا يوجد بها آلاف الأنواع من الطيور المختلفة كلها مهددة اليوم، صغار الطيور ستموت نتيجة الحرائق، أما باقي الحيوانات في الغابات فستهاجر بشكل جماعي، وهذا يخل في النظام البيئي لدينا.

كما تتأثّر المياه الجوفية في المنطقة نتيجة الحرائق، ما يهدد مستقبل الزراعة فيها، فعند احتراق الغابات ومع انعدام الغطاء الأخضر ، تصل الحرارة إلى باطن الأرض، ما يؤدي إلى تبخر المياه الجوفية مع مرور الوقت.

محافظ اللاذقية محمد عثمان أكد لـ "سراج" تشكيل غرفة عمليات مشتركة تجمع مختلف الوزارات للتنسيق والعمل الميداني للسيطرة على الحرائق بأسرع وقت، لكن العوامل الجوية ومخلفات الحرب تشكل التحدي الأكبر أمام الفرق العاملة في الميدان.

أما عاصم زيدان، مدير البرنامج السوري للتغير المناخي، فيقول: "هذه الكارثة تأتي في سياق مناخي متسارع يتميز بارتفاع درجات الحرارة، وتزايد فترات الجفاف، وسرعة الرياح، ما يضع البيئة السورية في حالة هشاشة غير مسبوقة"، ويضيف أنه في ظل تصاعد موجة الحرائق غير المسبوقة التي تجتاح مناطق واسعة من محافظة اللاذقية وعموم أرجاء الوطن، يعرب البرنامج السوري للتغير المناخي (SPCC) عن بالغ القلق إزاء ما آلت إليه الأوضاع البيئية والإنسانية خلال الأيام الماضية، إذ تشير البيانات الميدانية والتقنية إلى اندلاع أكثر 3000 حريق خلال الأشهر الماضية، أدّت إلى احتراق أكثر من 5700 هكتار من الغابات الطبيعية والأراضي الزراعية.

"العمل لا يتوقف"

لا تزال الفرق تعمل على مدار الساعة للسيطرة على الحرائق الموجودة في أكثر من منطقة، كما أعلن وزير الطوارئ وإدارة الكوارث في الحكومة السورية، رائد الصالح، عن وصول دعم من الجانب التركي للمساعدة في السيطرة على الحرائق.

ويضيف لمراسل سراج: نعمل على خطة شاملة لفتح خطوط نار وتنظيم الغابات خلال الأشهر المقبلة. وضع الغابات صعب جداً، هي مهملة ولم يكن هناك عناية بها. حالياً نركز على السيطرة على النيران ومنع انتشارها، وفي الفترة المقبلة نجهز برنامجاً شاملاً لتفعيل نقاط المراقبة واعادة التشجير وتنظيم الغابات لتكون فعالة بشكل مستدام وآمن".

وأشار إلى دخول طواقم إطفاء من تركيا وتدخل المروحيات التركية في عملية إخماد الحرائق، لكن مع الرياح الشديدة التي تشهدها المنطقة تزداد رقعة المناطق المشتعلة مع الوقت، وصلت الرياح اليوم لمنطقة خان الجوز وعلى حدود غابات الفرنلق، وهي من أكبر المحميات الطبيعة في سوريا. يوم أمس فتحت فرق الإطفاء جميع الطرق الواصلة بين القرى، واليوم تعود النيران لتقطع بعض الطرق الواصلة وتقترب من بعض القرى، على رغم جميع المحاولات للسيطرة عليها.

الجيش اللبناني، أعلن اليوم 7 تموز/ يوليو، أن طوافتين تابعتين للقوات الجوية توجهتا منذ صباح اليوم من مطار القليعات – عكار للمشاركة في إخماد حرائق في ريف اللاذقية، بناء على مبادرة من السلطات اللبنانية، وذلك بالتنسيق بين قيادة الجيش والسلطات السورية.

*المصدر: درج | daraj.com
اخبار سوريا على مدار الساعة