ارتفاع أجور النقل والعجز عن إصلاح المنازل يمنع عودة مئات الأسر المهجَّرة في عفرين

مراسل الجماهير || محمد الشيخ..

بعد أن أحكمت حلقات اليأس والإحباط والضعف والاستكانة قبضتها وسيطرتها على عقول ومشاعر وهمم الكثيرين انبلج فجر النصر المؤزر ، ولمعت بيارق الأمل والثقة والعزيمة لدى ملايين السوريين مع إسقاط النظام البائد وإسدال الستارة عن تلك الحقبة السوداء.

المهجَّرون وفرحة العمر

ومن أكثر السوريين انتظاراً وتلهفاً وفرحاً واغتباطاً ونشوة بهذا الحدث المفصلي في تاريخ بلدنا ومنطقتنا والعالم هم المهجَّرون من ديارهم العزيزة وأرزاقهم الغالية وأحلامهم الجميلة وطموحاتهم المشروعة ومستقبلهم المنشود، لقد أصبح المستحيل حقيقة، والصعب سهلاً متاحاً، وفي المقدمة العودة إلى مسقط الرأس سالمين غانمين معززين مكرَّمين.

عودة مئات الأسر

ومن الأمثلة على ذلك ما جرى في منطقة عفرين التي نزح إليها مهجرون بأعداد كبرى من مختلف المحافظات، حيث عادت مئات الأسر إلى مدنها وقراها.

هذه العودة المنتظرة كانت على مراحل زمنية منها بعيد التحرير مباشرة، نهاية فصل الشتاء، عطلة عيد الأضحى ، وبأعداد كبيرة وصلت إلى عدة مئات من العائلات، مع استمرار العودة بشكل شبه يومي لكن بأعداد قليلة.

من نبض الواقع

حاولت (الجماهير) الحصول على إحصائية دقيقة لعدد الأسر العائدة، ومعرفة إجراءات المعنيين لتوفير شروط سرعة العودة للمهجرين، لكن دون جدوى رغم التواصل أكثر من مرة مع عدد من المسؤولين في المجلس المحلي لمدينة عفرين، ومن خلال لقاء العديد من الأشخاص المطلعين وزيارة بعض المخيمات والتجمعات السكنية توصلنا إلى مايلي:

أعداد كبيرة إلى دمشق وريفها

إن الغالبية الساحقة للمهجرين من دمشق وريفها في عفرين قد عادوا إلى مدنهم وقراهم بنسبة 85 بالمئة، ولم يبق منهم إلا القليل الذين يتحضّر معظمهم للعودة في القريب العاجل.

ومن الأمثلة على ذلك- كما يقول/ أبو مصعب/ -إنه كانت هناك 140أسرة مهجرة من مدينة مسرابا في مدينة عفرين، لكن توجد حاليًّا 3 أسر فقط.

مخيم عباد الرحمن

وفي مخيم عباد الرحمن الواقع في مدينة عفرين على طريق المشفى العسكري والذي تم إنشاؤه قبل ست سنوات كانت هناك -كما يقول أبو حسين – 140عائلة غير أن الموجود حاليا 35 أسرة فقط.

مخيم الساقية

وعن مخيم الساقية أو قناة الري يقول أبو محمد إنه كان يضم 235 اسرة بقي منها 95 فقط.

قرية الوفاء

أما قرية الوفاء في حي المحمودية التي تتكون من منازل عادية من طابق واحد أرضي فكانت تضم -كما يوضح أبو رسلان- 120أسرة عاد منها 30 حتى الآن، وآخرون يتجهزون للرحيل خلال أيام معدودة، وعلى مقربة من تلك القرية ومقابل محطة الرحمن فقد عاد كذلك الغالبية الساحقة من المهجرين.

كما كان لـ 'الجماهير ' لقاءات أخرى مع بعض المهجرين القاطنين في المخيمات:

مرض عضال ومنزل مدمر

أبو محسن (80) عاماً، مصاب بمرض عضال، يحصل على الجرعات من المشفى العسكري، يعيش مع زوجته الثمانينية أيضاً، وهي المصابة بمرض قلب، إضافة إلى ولدين لهما أحدهما متزوج، الوضع المادي ضعيف جداً، منزلهم في مدينة جرجناز بريف إدلب مدمر بالكامل.

أبو عمر 40 عاماً من قرية بشغاص منطقة سراقب، لديه 14ولداً من زوجتين، مصاب بأمراض السكر والقلب، بيته كذلك مهدَّم.

صم وبكم وضمور دماغي

أبو سيفو (41) عاماً لديه 4 أولاد ثلاثة منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة ؛ هبة وسيفو 'صم وبكم' ، عمر 'ضمور دماغي' ، وزوجته أيضاً لديه ضعف بصر ، منزله في قرية خيارة بناحية سنجار متضرر كثيراً ؛ حيث لا يوجد سوى الجدران والسقف ، يلزمه إصلاحات بمبلغ مالي كبير لا يملك الجزء القليل منه.

غسيل كلى 3 مرات أسبوعيًّا

أبو محمد 64 عاماً ، من سراقب ، مريض كلية يقوم بالغسيل 3 مرات أسبوعيًّا ، يعيش مع زوجته فقط ، ولديهما حاليا ولد وحيد موجود خارج القطر ، بيته مهدم.

لا خدمات أساسية

علي. د من ناحية تل الضمان بريف حلب الجنوبي، 25سنة، لديه ولدان، يعمل حمالاً، يقول إن مقومات الحياة الأساسية في قريته معدومة؛ لا مياه شرب، آبار معطلة، لا مدارس ومستوصفات ومحال تجارية، طرق مهترئة.

أبو عبد الرحمن 31سنة، لديه ثلاثة أولاد، منزله في ريف معرة النعمان الشرقي متضرر أيضاً.

بقاء إلزامي رغم غياب الدعم

وعن واقع الخدمات المقدمة حاليا في تلك المخيمات علمت 'الجماهير ' بتوقف الدعم بشكل كامل عن مخيم الساقية منذ أشهر عديدة رغم وجود عشرات العائلات الفقيرة جدا، حيث لم يتم خلال هذه المدة سوى توزيع سلة غذائية واحدة بقيمة 170 ليرة تركية فقط أي كيلو واحد فقط من كل مادة.. رز، سكر، عدس، برغل، حمص، طحين، وليتر زيت نباتي.

ربطة خبز لكل أسرة

وفي مخيم عباد الرحمن لا يتم في الوقت الحاضر سوى توزيع ربطة خبز من ثمانية أرغفة مجاناً بشكل يومي من قبل المجلس المحلي، بينما يتم توفير المياه على حسابهم، حيث تحتاج الأسرة شهريا إلى حوالي8 خزانات كلفة تعبئة الواحد منها 70ليرة تركية، مما يستنزف جيوبهم بأموال هم أحوج ما يكونون إليها.

القاطنون في قرية الوفاء ليسوا أحسن حالاً؛ فالمساعدات توقفت بشكل تام منذ وقوع الزلزال، أما المياه فتقدم مجاناً من قبل إحدى المنظمات حتى نهاية الشهر الجاري.

سؤال مُلِحٌّ

توجهنا بالسؤال نفسه إلى العديد من المواطنين القاطنين في الخيم ممن التقيناهم عن سبب بقائهم فيها رغم غياب الخدمات، فكان الجواب بأن السبب يعود إلى فقرهم الشديد، وعدم قدرتهم على دفع التكاليف المرتفعة لنقل الأثاث وإعادة إعمار أو إصلاح البيوت المهدمة أو المتضررة.

ارتفاع أجور النقل

وهذا يقودنا إلى الحديث عن أجور نقل أثاث المهجرين، حيث أكد عدد منهم، إضافة إلى سائقي السيارات، ومنهم (أبو رمضان) وهو سائق سيارة ' أنتر' أن أجور النقل من عفرين الى الأماكن الأخرى هي:

ريف حلب الغربي 80 دولاراً، حماة 130دولاراً، حمص 170 دولاراً، دمشق /200-240/ دولاراً، دير الزور 350دولاراً.

السائق أوضح أن هناك تفاوتاً في الأجور حتى في المنطقة الواحدة لعدة أسباب منها سرعة التحميل والتفريغ، ومدى تعدد أماكنها.

لكن كيف عادت مئات الأسر المهجرة في عفرين الى مدنها وقراها في المحافظات؟

قوافل نقل مجاناً

الجواب الذي حصلت عليه 'الجماهير ' من مصادر متعددة بأن قسماً كبيراً منها عاد على حسابه الخاص؛ سواء كان يملك سيارة نقل، أو استقل سيارة أجرة، لكن في المقابل هناك من عادوا مجاناً؛ حيث قامت بعض المنظمات والمتبرعين بتسيير قوافل لنقل الأثاث والأشخاص على فترات متفرقة ، وقد تكفلت بدفع التكاليف لسائقي السيارات مما قدم خدمة عظيمة لكثير من الأسر، ووفر عليهم مبالغ كبيرة لا يقدرون على دفعها.

أسباب أخرى لتأخير العودة

وهناك أيضاً أسباب أخرى تؤخر العودة منها: انتظار الأهالي حتى انتهاء أولادهم من امتحانات الشهادة الثانوية العامة، وتثبيت العاملين لدى الجهات الحكومية ومنهم المعلمون حيث ينتظرون ذلك بفارغ الصبر من أجل تقديم طلبات نقل إلى أماكن سكنهم الأصلية حرصاً على ضمان مستقبلهم ومصدر دخلهم الوحيد، بينما آخرون فلديهم بعض المشاريع التجارية التي يعملون متابعة إجراءات تصفيتها ونقلها ايضاً.

مطالب عاجلة على طاولة المعنيين

وهناك مطالب مستعجلة لتسريع عودة المهجرين نضعها بين يدي مختلف المعنيين في منطقة عفرين ومدن وقرى المحافظات:

ـ تنظيم قوافل نقل للأثاث والأشخاص إلى مختلف المحافظات بالتنسيق مع المجالس المحلية والمكاتب الإغاثية والمنظمات وفاعلي الخير.

ـ نشر إعلانات في وسائل التواصل والمجموعات عن مواعيد وأماكن النقل وطريقة تسجيل الراغبين بالعودة حتى يتم إبلاغ أكبر عدد منهم.

ـ تقديم مبالغ مالية جيدة للراغبين في العودة كي يقوموا بإصلاح منازلهم المتضررة.

ـ إسراع الجهات المعنية في المحافظات بتوفير الخدمات ومقومات الحياة الأساسية لمختلف التجمعات السكانية.

#صحيفة_الجماهير