اخبار سوريا
موقع كل يوم -الفرات
نشر بتاريخ: ٨ كانون الأول ٢٠٢٥
لم يكن الثامن من كانون الأول 2024 مجرد تاريخ سياسي، بل لحظة فارقة في تاريخ سوريا الحديث، إذ سجّل الشعب انتصاره على نظام أثقل البلاد لعقود بالاستبداد والطغيان، وفتح أبواب فجر جديد صنعه السوريون بوعيهم وكفاحهم وإصرارهم على استعادة وطنهم حراً سيداً ينتمي لأبنائه لا لجلاديه.
في هذا اليوم، لا يستعيد السوريون ذكرى عابرة، بل رحلة عمر صنعتها الإرادة الشعبية، وسُجلت كأحد أهم المنعطفات في تاريخهم، كان التحرير انتقالاً من وجع طويل إلى ولادة واثقة لمرحلة جديدة، ومع مرور عام على الحدث، تبرز ملامح دولة تستعيد حضورها وتعيد بناء مؤسساتها، وتفتح نوافذها نحو العالم بثقة ومسؤولية.
من الاختناق إلى التحول
لسنوات طويلة عاش السوريون في دائرة مغلقة تحكمها منظومة أمنية مترهلة، لا تقبل الإصلاح ولا تسمح بالتغيير، ومع كل تراجع اقتصادي أو أزمة اجتماعية، كان النظام البائد يزيد من قبضته بدلاً من الإصلاح، تزامن ذلك مع عزلة سياسية خانقة، جعلت الدولة أشبه بجزر معزولة تحكمها الولاءات لا الكفاءات، فيما كانت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم، ومع اتساع فجوة الثقة بين النظام والشعب، بات الانفجار المؤجل حتمياً، وصولاً إلى اللحظة التي لم يعد فيها القمع قادراً على إخفاء التشققات داخل بنيته.
من معركة الصمود إلى سقوط الخوف
لم تكن معركة “ردع العدوان” حدثاً منفصلاً، بل كانت مساراً ممتداً جسّد إرادة وطنية جامعة شاركت فيها قوى المجتمع المدني وشخصيات وطنية وضباط رفضوا توظيف الجيش ضد أبناء وطنهم، لتصبح مواجهة سياسية وإعلامية وثقافية بقدر ما كانت عسكرية، رداً على سنوات الصمت والتضليل.
ومع بداية الخريف الماضي، اتضحت النهاية، المدن التي كانت تُحاصر بالعتمة استعادت الضوء، المؤسسات فُتحت بأيدي موظفيها، والمربعات الأمنية انهارت تباعاً، حتى فقد النظام البائد آخر رموزه في السابع من كانون الأول، قبل أن يُعلن سقوطه الكامل في اليوم التالي، إيذاناً ببداية دولة جديدة.
ميلاد سوريا الجديدة وانهيار النظام البائد
فجر الثامن من كانون الأول، خرج آلاف السوريين إلى الشوارع بشعور لم يعرفوه منذ عقود، شعور بأن الوطن عاد لهم، رفرف العلم الوطني فوق المؤسسات، وبدأت مرحلة الانتقال السياسي بقيادة وطنية جامعة، تضع مشروع الدولة المدنية أولاً، وتعمل على تضميد جراح الناس.
ولم يكن سقوط النظام البائد حدثاً مفاجئاً، بل نتيجة سلسلة انهيارات داخلية بدأت بفقدان السيطرة على مفاصل الحكم وتراجع الدعم الشعبي، وصولاً إلى تفشّي الفساد وصراعات النفوذ التي عرّت هشاشته البنيوية، ومع تصاعد الضغط الشعبي، فقد النظام القدرة على الاستمرار، لتبرز الحاجة إلى قيادة جديدة تنتمي للمستقبل لا للماضي.
من إسقاط النظام إلى بناء الدولة الجديدة
لم يعد السوريون بعد التحرير منشغلين بإسقاط شيء، بل ببناء كل شيء، فقد بدأت مرحلة إعادة الإعمار المؤسساتي، ونضجت المصالحة المجتمعية، فيما استعاد الإعلام الوطني دوره كمرآة للمجتمع، وأكدت الحكومة الجديدة أن أولويتها هي الأمن الاجتماعي وترميم الاقتصاد وضمان عدم العودة إلى الحكم بالقبضة الحديدية.
على الصعيد الداخلي، أعيد فتح مؤسسات الدولة أمام المواطنين بسرعة قياسية، وأُعيد تشغيل المرافق الخدمية الأساسية، مع إطلاق خطط عاجلة لإعادة الاستقرار إلى قطاعي الكهرباء والمياه، ووضع أسس برنامج اقتصادي لمحاربة الاحتكار وضبط الأسعار ودعم الإنتاج المحلي، كما شُرع في بناء منظومة قضائية شفافة وفتح أبواب المصالحة المجتمعية، ما ساهم في خفض التوتر وإعادة الحياة الطبيعية للمدن والبلدات.
أما خارجياً، فقد حققت دمشق حضوراً سياسياً غير مسبوق منذ عقود، إذ استعادت قنوات الاتصال مع العواصم العربية، وعادت بكرامة إلى المنظمات الإقليمية والدولية، بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كما بدأت بعقد تفاهمات اقتصادية لدعم مشاريع إعادة الإعمار، ونجحت في تحسين صورتها الدولية ورفع العقوبات عبر خطاب دبلوماسي قائم على الشفافية واحترام القانون الدولي.
آفاق المستقبل لسوريا الجديدة
تشير المؤشرات المبكرة إلى قدرة سوريا الجديدة على اجتذاب دعم دولي واسع لإعادة الإعمار، مستفيدة من وحدة الموقف الداخلي وصورة دولة تتعافى بثبات، وفي ظل قيادة سياسية منحازة لحقوق الناس.
وبعد عام من التحرير، أثبت السوريون أن قوتهم في وحدتهم، وأن الشعوب التي تختار مصيرها لا تُهزم، واليوم تقف سوريا على أعتاب مرحلة جديدة، تحمل آمالاً كبيرة وتحديات جسيمة، لكنها تستند إلى قاعدة صلبة: شعب قال كلمته، وحقبة سوداء طويت إلى غير رجعة، وفصل جديد يُكتب بيد السوريين وحدهم، ويؤثرون ويتآثرون مع المجتمع الدولي وفق مصالحهم الوطنية.




































































