سوريا مُصدِّراً للعواصف الغبارية: التغيّر المناخي والحرب يتحالفان

سوريا مُصدِّراً للعواصف الغبارية: التغيّر المناخي والحرب يتحالفان

ضرر العاصفة الغبارية الأخيرة أصاب 700 ألف شخص و288 تجمعاً سكانياً...

01/07/2022

سيرياستيبس

كتب زياد غصن

تعترف إحدى الدراسات العلمية الأمريكية أن الغزو الأمريكي للعراق تسبب بزيادة الغبار في هذا البلد بنسبة 500% مقارنة بالسابق. ويبدو أن النظام البيئي في سوريا يحصد هو الآخر اليوم تبعات الحرب التي تشهدها البلاد منذ العام 2011. إذ إن العام الحالي شهد زيادة ملحوظة في عدد العواصف الغبارية. إنما اللافت أن بعضها كان ذا منشأ محلي. الأمر الذي اعتبرته المؤسسات العلمية في البلاد بمنزلة إنذار غير مسبوق، يجب مواجهة تحدياته وأخطارها في إطار تعاون إقليمي مشترك.

علامتان هامتان ميزتا ظاهرة العواصف الغبارية، التي ضربت سوريا ربيع هذا العام: الأولى كان ارتفاع عددها مقارنة بالسنوات السابقة، إذ حسب ما تذكر البيانات الرسمية، فإن عدد الأيام التي شهدت هذا العام عواصف غبارية زادت بنسبة 450% مقارنة بنظيراتها في العام الماضي. والثانية فهي في دخول العاصمة دمشق ضمن دائرة التجمعات السكنية التي اجتاحتها تلك العواصف. وهو تطور ينذر، حسب رأي علماء المناخ والبيئة، بخطورة التغيرات المناخية التي باتت تتهدد النظام البيئي في سوريا، لا سيما في ضوء الأضرار البيئية الهائلة التي تسببت بها سنوات الحرب. وربما هي المرة الأولى التي يجري فيها استنفار الطواقم الطبية في المحافظات الشرقية بهذه الكثافة، حيث كانت سيارات الإسعاف تتجول بين الأحياء السكنية لنقل المصابين بحالات الاختناق إلى المستشفيات والمراكز الصحية. وتحدثت الأنباء في شهر أيار الماضي عن وفاة عشرة أشخاص في المنطقة الشرقية من البلاد، جراء إحدى العواصف الغبارية الشديدة.

لاحقاً، أضاف باحثون ينتمون إلى أربع مؤسسات علمية في البلاد، ويعكفون ضمن برنامج وطني على دراسة مستجدات التغيرات المناخية والعواصف الغبارية وأثرها على الموارد الطبيعية والبشرية، سبباً آخر يدعو إلى استباق ما قد تحمله التغيرات المناخية من مفاجآت قادمة. هذا السبب يكمن، وفق ما تؤكده ورقة بحثية للمديرية العامة للأرصاد الجوية أطلعت عليها 'الأخبار'، في أن بعض العواصف الغبارية التي تم رصدها هذا العام، كانت ذا منشأ محلي، على خلاف السنوات السابقة. فمثلاً العاصفة الغبارية التي شهدتها البلاد في الثالث والعشرين من شهر أيار الماضي، كانت منابعها الغبارية من شرق مدينة حسياء في محافظة حمص، شرق بحيرة الجبول في محافظة حلب، وجنوب بحيرة الأسد في محافظة الرقة. أما الحمولة الأكبر من غبار العاصفة التي حدثت في الخامس عشر من شهر أيار الماضي، فكانت من شرق القلمون في محافظة ريف دمشق، ومن منطقة لا تبعد عن الأوتوستراد الدولي سوى 40 كم فقط. في العاصفة الثالثة، والتي حدثت بتاريخ الثالث والعشرين من شهر نيسان الماضي، انتقل الغبار بعكس عقارب الساعة من مناطق البادية، وتحديداً من بادية السويداء، ليصل إلى المنطقة الجنوبية.

*انتقام الطبيعة

أربعة عوامل رئيسية تحددها المدير العامة للأرصاد الجوية كأسباب رئيسية لظاهرة المنشأ المحلي للعواصف الغبارية. أول هذه العوامل يتمثل في قلة الهطولات المطرية لموسمين متتاليين. فالتراجع في الهاطل المطري سجل في بعض المناطق نسبة قدرها 50%، الأمر الذي تسبب في خلق تربة جافة ومفككة. وتبعاً لتقديرات المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي الصحراوية، فإن العواصف الغبارية تتسبب سنوياً بنقل ملايين الأطنان من المواد الترابية في البادية السورية. أما العامل الثاني، فيكمن في ظاهرة الاحتباس الحراري وازدياد درجة الحرارة؛ حيث تشير الدراسات المحلية إلى أن هناك زيادة وسطية في درجات الحرارة مقدارها 0.5%، وهذا كان له تأثيراته على الجفاف وأنماط الهطول المطري، إضافة إلى توسع مناطق التصحر وزيادة احتمالية العواصف الغبارية. وإذا كان العاملان الأول والثاني نتيجة لتغيرات المناخ، فإن العامل الثالث هو من صنع الإنسان، ويتمثل في التعديات الحاصلة على الغطاء الحراجي، والنشاط البشري وما يسببه من تأثيرات سلبية على مكونات النظام البيئي. وتتضح تأثيرات هذا العامل في محافظة السويداء، التي تحولت بعض مناطقها إلى منشأ للعواصف الغبارية، وذلك بفعل عمليات القطع المستمرة للأشجار الحراجية في بيئة تُعرف بتربتها البركانية سريعة التسخين. إلا أن حسان قطنا وزير الزراعة يضيف إلى ذلك أسباب أخرى، يمكن إدراجها ضمن هذا العامل، منها 'ما خلفته حركة الآليات الثقيلة للمجموعات المسلحة ولقوات الاحتلال الأمريكي في المناطق التي تتواجد فيها بشكل غير شرعي في سوريا، إضافة إلى شقها طرقاً عديدة في البادية السورية، وتالياً تدميرها للغطاء النباتي في تلك المنطقة الهامة'. ويضيف إلى المتغيرات المؤثرة في بيئة محافظة السويداء، 'قيام سكان المحافظة بشراء أعداد كبيرة من الأغنام لتربيتها، لكن وبسبب انخفاض أسعارها في الأسواق المحلية، تم إرسال كميات كبيرة منها إلى مناطق بادية المحافظة بغية تأمين مراع لها، وهذا ما تسبب تدريجياً بانحسار الغطاء النباتي في تلك المناطق'. العامل الرابع، وفقاً لنتائج الباحثين، يتعلق بزيادة النشاط الشمسي والبقع الشمسية بعد سنوات من ضعف ذلك النشاط، حيث سُجل خلال الفترة الماضية نشاط شمسي واضح ترافق ذلك مع موسم جفاف.

*آلاف الأشخاص المتضررين

للمرة الأولى يتم إسقاط مسار العواصف الغبارية في سوريا على خرائط جغرافية، عبر الاستعانة بنوعين من صور الأقمار الفضائية، وذلك بغية تحديد حجم المساحات المتضررة من العواصف الغبارية وما تحتويه من تجمعات سكانية، والأهم عدد الأشخاص المتضررين بأشكال ونسب مختلفة. وتظهر مخرجات البرنامج، الذي تعمل عليه فرق بحثية من وزارة الإدارة المحلية؛ المديرية العامة للأرصاد الجوية؛ هيئة البحث العلمي، هيئة الاستشعار عن بعد؛ أن عدد التجمعات السكانية المتضررة جراء العواصف الغبارية لهذا العام ليست بالقليلة؛ إذ إنه خلال العاصفة الغبارية ال