إيران وإسرائيل ما بعد الاتفاق النووي

أن تتحول سوريا إلى ساحة جغرافية ـ عسكرية تابعة لإيران، فهذا تجاوز استراتيجي لا تقبل به إسرائيل.

أدرك أصحاب العمائم في طهران هذه المعادلة منذ أن وطأت أقدام عسكرهم أرض سوريا، لكن الضربات العسكرية الإسرائيلية لهم في سوريا، هي ثمن يمكن تحمله، مقارنة بالأثمان الاستراتيجية التي ستحصل عليها إيران وهي تضع قواعد عسكرية وعناصر مقاتلة على بعد كيلومترات من الحدود الإسرائيلية.

المعادلة الاستراتيجية الإيرانية لا تقوم على توجيه ضربات عسكرية لإسرائيل، وإنما تقوم على مبدأ التهديد المبني على سياسة تمديد الأذرع العسكرية في أكثر من مكان.

بدأت هذه الاستراتيجية مع نهايات سبعينيات القرن الماضي في لبنان، ثم توسعت لتشمل العراق بعد الحرب الأمريكية عام 2003، قبل أن تتوسع أكثر بعد اندلاع ثورات الربيع العربي وما أدت إليه من هشاشة في وضع بعض الدول كسوريا واليمن.

هدف التوسع الإيراني في المنطقة يتمثل في تمديد القوة الإيرانية خارج حدودها، خصوصا في المناطق التي تشكل تهديدا للمصالح الأمريكية الإسرائيلية، من أجل إجبار واشنطن على الاعتراف بالمكانة القوية لإيران في المنطقة، وبالتالي التعامل معها كقوة إمبراطورية في نطاقها الجغرافي، وكلاعب رئيسي في أية تسويات كبرى.

الاستراتيجية الإسرائيلية

خلال السنوات السابقة اعتمدت إسرائيل مقاربة 'المعركة بين الحروب' وهي استراتيجية مبنية على تفادي الحرب المباشرة مع إيران من جهة وتوجيه ضربات لها من جهة ثانية، شرط أن يكون مسرح هذه المعارك العسكرية خارج الحدود الإسرائيلية وخارج الحدود الإيرانية أيضا.

حققت هذه الاستراتيجية منافع لإسرائيل لجهة الخسائر الكبيرة في العتاد العسكري لكل من إيران والنظام السوري، وأجبرت إيران على التخفيف من اندفاعها في إنشاء قواعد عسكرية واضحة لها في سوريا، وإيجاد طرق سرية لإيصال الأسلحة إلى 'حزب الله'.

إعلان إسرائيل رفضها للتفاهمات الأمريكية الإيرانية حيال البرنامج النووي، يشير إلى أن استراتيجية 'المعركة بين الحروب' ستستمر، وأغلب الظن أن هذا الموقف جاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة التي ترغب في استمرار الضغوط الإسرائيلية على إيران حتى في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي.

لكن مشكلة استراتيجية 'المعركة بين الحروب' أنها اقتصرت على أضعاف الاندفاعة العسكرية الإيرانية في المنطقة دون أن تؤدي إلى إنهائها، لذلك، وجدت إسرائيل أن الساحة السورية على الرغم من أهميتها وأولويتها في ضرب ولجم إيران ليست كافية، فعمدت إلى توسيع نطاق معركتها لتشمل العراق ولبنان، ثم الداخل الإيراني ذاته، قبل أن توسع استراتيجيتها لتشمل التواجد الإيراني في البحار.

يعني ذلك أن الاستراتيجية الإسرائيلية ضد إيران لم تعد محصورة بنطاق جغرافي محدد، وليست متعلقة أيضا بالتهديد المباشر لها.

بعبارة أخرى، لم يعد الهدف الإسرائيلي منع نشوء تهديد إيراني في محيطها الجغرافي، بقدر ما أصبح الهدف إلحاق الضرر بكل نقطة إيرانية تستطيع إسرائيل الوصول إليها، وهذا مؤشر على انتقال الاستراتيجية الإسرائيلية من معادلة الدفاع إلى معادلة الهجوم.

وقد علق رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، عاموس يدلين، على استهداف السفينة 'ساويز' الإيرانية في البحر الأحمر بقوله إن 'صراعنا مع إيران ليس بالمجال النووي، وضد التمركز العسكري في سوريا فقط، صراعنا كذلك في البحر الأحمر، والمحيط الهندي، وفي مجالات الجو والسايبر'. 

ما بعد الاتفاق النووي

لكن إيران ما بعد الاتفاق النووي غير إيران ما قبل الإتفاق، إذ سيؤدي رفع العقوبات التدريجي عنها إلى إعادة إحياء اقتصادها المتهالك وإلى تعزيز نفوذها في الخارج، فهي لن تقبل الانسحاب أو إجراء تسويات في الساحة العراقية والسورية واليمنية تخالف مصالحها، خصوصا أن صناع القرار في طهران يرون أن عودة الولايات المتحدة للتفاهم معها ليس بسبب ضبط البرنامج النووي فحسب، بل أيضا بسبب الفشل الأمريكي خلال السنوات العشرة الماضية في توقيف الاندفاعة الإيرانية في المنطقة. 

الواقع الجديد الذي سينشأ بعد العودة للاتفاق النووي سيجعل من المهمة الإسرائيلية في احتواء إيران وتوجيه ضربات عسكرية لها محل تساؤل، وستصبح 'المعركة بين الحروب' في مأزق، وستجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى تغيير هذه الاستراتيجية، أو على الأقل توسيعها وتعميقها، بحيث تلحق أضرارا فادحة على المستوى العسكري والاقتصادي لإيران، مع إدراكها ان هذه السياسة مهما كانت قوية ومهما كانت طويلة الأمد، فهي ليست قادرة وحدها في إجبار إيران على تغيير سياساتها.

وإذا ما استمرت إسرائيل في تنفيذ هجماتها ضد إيران في كل مكان، فإن إيران قد تذهب إلى استخدام نفس الآلية بعدما أصبحت محصنة باتفاق مع الفاعلين الدوليين الكبار، وإن كان ذلك يبدو مستبعدا بسبب التفوق الإسرائيلي التقني على المستوى العسكري، وبسبب الحماية الأمريكية لها.

*كاتب وإعلامي سوري

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي 'وكالة عربي اليوم الإخبارية'