التوأم

التوأم

بقلم: هديل جعفر

ليست العلاقات السورية الروسية وليد اللحظة أو المرحلة بل تمتد على مساحة واسعة من التعاون وتبادل المصالحة كدواتين صديقتين، وهذه العلاقة متأصلة من أيام الاتحاد السوفيتي سابقا عندما قدم دانيال سولود أورق اعتماده كأول سفير سوفيتي في دمشق وذلك في عام 1944 إلى الرئيس شكري القوتلي وقتها. منذ ذلك الحين تبلور موقف الاتحاد السوفيتي الداعم لسوريا والمؤيد لاستقلالها كدولة مستقلة ذات سيادة في منطقة الشرق الأوسط

وتوّجت هذه المرحلة وقتها بزيارة نوعية لرئيس سوريا شكري القوتلي إلى الاتحاد السوفيتي في عام 1956 طلبا للدعم العسكري والسياسي لمصر في مواجهتها العدوان الثلاثي .

استمرت هذه العلاقة بقوة وخصوصا إبان رئاسة الرئيس الراحل القائد حافظ الأسد وتوجت بالتوقيع على معاهدة صداقة وتعاون في ذلك الوقت وتميزت بعدم بفرض أي التزامات قانونية ودولية على أي من الطرفين وبنيت هذه المعاهدة على الثقة بين الدولتين ولكن العلاقات المتعددة التي بينت بين الدولتين كانت أكثر من مجرد وثيقة أو معاهدة وتجاوزتها إلى التعاون في مختلف المجالات . وكانت حرب تشرين التحريرية على مرتفعات الجولان اكبر دليل على صمود هذه الاتفاقية وذلك بتقديم الاتحاد السوفيتي الدعم الكامل لسوريا. والشيء نفسه تكرر خلال الحرب الأهلية في لبنان من 1975-1989 إذ قاتل الجيش السوري بمشاركة من المستشارين السوفيت بشكل غير مباشر في هاتين الحربين.

دخلت العلاقات السورية الروسية في التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في حالة برود وتراجع كانت روسيا وقتها مثقلة بمشاكلها الداخلية,

بعد تسلم السيد الرئيس بشار الأسد سدة الحكم في سوريا قام بأول زيارة رسمية إلى روسيا عام 2005 حيث تم إبرام اتفاقيات عديدة لمشاريع ضخمة وكبيرة زادت عن 100 مشروع تجاري واقتصادي وغطت هذه الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مجموعة واسعة من القضايا في مجال التعاون العسكري والاقتصادي والتقني وعطت دفعة جديدة لمزيد من تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وذلك في ظل الظروف الجيوسياسية المتغيرة باستمرار.

عندما بدأت الأحداث الأخيرة في سوريا عام 2011 وقفت روسيا موقف الداعم والصديق لسوريا في مواجهة المخططات الخارجية التي كانت تحاك لها في الغرف السرية في الغرب وتعمقت هذه العلاقات بشكل كبير عندما تحول الصراع في سوريا إلى أعمال إرهابية وأحداث دموية بفعل المجموعات الإرهابية المدعومة من الخارج والتي حاولت أن تفقد الدولة السورية شرعيتها وسيادتها واستقلالها هنا زادت العلاقات عمقا وتعاون وأخذت صفه جديدة تعدت التعاون الثنائي والاتفاقيات.

في هذا الإطار وقفت روسيا مع سوريا موقف الصديق والحليف للحفاظ على كرامة واستقلال دولة ذات سيادة حاولت أمريكا والغرب تحويلها إلى بؤرة فساد وأعمال إرهابية لتحقيق مصالحها في المنطقة.

تمثل الدعم الروسي لسوريا في هذه المرحلة والذي يعتبر أعلى درجات الدعم خلال العلاقة السورية الروسية في إرسال روسيا لمستشارين عسكررين روس إلى سوريا والمشاركة في أعمال قمع الإرهابيين الذين كانوا يمثلون خطرا دوليا ليس فقط على امن سوريا بل على امن الشرق الأوسط والوطن العربي والعالم وتدخلت القوات العسكرية الروسية بشكل مباشر في هذه المعارك وذلك على ارض المعركة واستخدمت روسيا الطيران في المناطق التي يسيطر عليها الإرهاب المدعوم مباشرة من الدولة التركية والخليج العربية ولا سيما قطر والسعودية من خلال إرسال العشرات من الإرهابيين المرتزقة تحت مسمى الجهاديين وقدم الحليف الروسي الدعم بالعتاد والسلاح وهذا كان من صلب الاتفاقيات السورية الروسية وأسست روسيا قاعدة عسكرية لها في مطار حميميم في مدينة اللاذقية السورية لمراقبة الخروق التي كانت تحدث في الاتفاقيات التي كانت تبرمها مع الدول الأخرى في المؤتمرات والمحافل الدولية ولا سيما فيما يتعلق بقضايا وقف إطلاق النار في سوريا والتي لم يلتزم بها الإرهابيون ومن يدعمهم.

هذا التدخل العسكري واكبه دعم كبير من الحليف الروسي لموقف سوريا في مواجهة التطرف والتعنت الغربي في المحافل الدولية ولا سيما منها في مجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية للأمم المتحدة حيث كان الموقف الروسي دائما إلى جانب سوريا رافضا محاولة الغرب إدانة الدولة السورية عالميا في منحتها ومحاربتها للمجموعات الإرهابية التي ذرعتها الدول الغربية فيها وذلك من خلال ممارستها لحق الفيتو خلال التصويت لتمرير هكذا قرارات مجحفة بحق الدولة السورية والشعب السوري.

الأمر الذي أدى الى زيادة الثقة في العلاقة بين البلدين والشعبين الروسي والسوري وتعميق أواصر التعاون بينهما في المجالات كافة.

وتشعبت هذا العلاقات التي ليست وليدة هذه الإحداث إلى مزيد من مجالات التعاون ومنها الجانب العلمي الذي لم يتوقف من أيام الاتحاد سابقا حتى يوما هذا وذلك من خلال استقبال الروس للبعثات العلمية من الطلاب السوريين من جميع الجامعات السورية الوليدة والقديمة منها ومحاولة روسيا إشراك الصديق السوري في جميع الأبحاث والعلوم العصرية الحديثة من خلال التجارب والأبحاث المستمرة وإرسال العديد من المنح لإتمام الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه في مختلف المجالات وحيث وصلت في العام الماضي إلى حوالي 500 بعثة تعليمية في الجامعات الروسية وذلك في ظل التدابير من قبل الجانبين السوري والروسي لدعم المؤسسات العلمية السورية وهذا الأمر الذي اعتبر جزء من إعادة الهيكلة والأعمار في أعقاب الحرب على سوريا الأمر الذي رفد المجتمع العلمي السوري بالكوادر المدربة والعلمية التي نهضت وتنهض بالواقع التعليمي والعلمي في سوريا .

ومؤخرا تم الإعلان عن مجموعة من الخطط والمشاريع لتطوير التعاون العلمي بين الجانبين من خلال إنشاء مركز أبحاث روسي سوري في جامعة البعث في مدينة حمص السورية بالشراكة مع جامعة موسكو الحكومية للتكنولوجيا . الأمر الذي يعتبر نقلة في التعاون العلمي السوري الروسي من خلال تواجد الكوادر الروسية في سوريا على ارض الواقع والسورية في روسيا لاكتساب الخبرة وذلك كله ضمن جو كبير من الارتياح بين الشعبين السوري والروسي للعلاقات الأخوية التي تزاد عمقا يوما بعد يوم .

وتكللت هذه العلاقات واكتسبت الصّفة الودية والإنسانية من خلال وقفة الحكومة الروسية والشعب الروسي الصديق عبر التاريخ وخصوصا خلال الحرب السورية ضد التنظيمات الإرهابية ومحور الدول الأوربية وأمريكا والخليج والتي حاولت تجويع الشعب السوري من خلال العقوبات الاقتصادية الجائرة والحصار الكبير للشعب السوري.

فلم يكن الموقف الروسي في هذا المجل بأقل منه في المجالات الأخرى : فقد كانت روسيا حكومة وشعبا خير سند للشعب السوري من خلال إرسال المساعدات بشكل مباشر أو من خلال الجمعيات الإنسانية الروسية ولم يتوانى الصديق الروسي عن تزويد الدولة السورية بالمتطلبات الأساسية ومقومات البقاء من حيث المشتقات النفطية والغاز الطبيعي والقمح في ظل تدهور وخروج جزء كبير من القطاعين النفطي والزراعي في سوريا من دائرة الإنتاج نتيجة سرقته من قبل محور دول الغرب وأمريكا والدولة التركية الاستعمارية عن طريق المجموعات الإرهابية و التنظيمات التكفريه.

وكان للجانب الطبي والدوائي حيز كبير في هذه المساعدات حيث شملت المساعدات مواد طبية وغذائية ولوجستيه ومعدات للمشافي ومساعدات غذائية بالإضافة إلى الجمعيات الخيرية الروسية التي قدمت للمشافي السورية اللوازم اللوجستيه مثل الفرشات الطبية والأغطية ومولدات الكهرباء التي تعمل على الديزل والتي تضمن استمرار عمل هذه المستشفيات بالإضافة إلى ترميم أقسام بعض المشافي التي تعرضت للتخريب الممنهج على يد التكفيريين كمستشفى درعا الوطني بالإضافة إلى تقديم المستلزمات المدرسية والقرطاسية والحقائب والمعاطف علما أن هذا الدعم الذي استمر رغم الظروف القاسية وخصوصا في المجال الطبي ولاسيما مؤخرا خلال جائحة كورونا من خلال تقديم الصديقة روسيا الآلاف من جرعات اللقاح المضاد لهذا الوباء العالمي.

وحتى اللحظة مازالت العلاقات السورية الروسية متينة رغم محاولة الدول الغربية ومحور الشر إيجاد الشرخ في هذه العلاقة واليوم رغم ظروف الدولة السورية تقف قلبا وقالبا مع الحكومة والشعب الروسي في حربها ضد حلف الناتو ومحور الغرب في أوكرانيا.