درس خصوصي... بالمقلوب!

الوحدة: 8- 12- 2021

دخلت معلّمة اللغة العربية سميرة إلى غرفة الصف العاشر لإعطاء درسها المعتاد، هي سيدة في ربيعها الأربعين، مكتنزة الجسد ممشوقة القوام، ينسدل شعرها الأسود متموجاً على كتفيها وتلتمع عيناها السوداوان ببهجة متفردة تتكامل مع وجهها الأبيض المستدير، ترتدي فستاناً أصفر يكلله شال ٌملون يختبئ تحت معطف زيتي أنيق، رسمت على وجهها ابتسامة الطاقة الإيجابية وتوجهت إلى الطلاب بتحية الصباح التي تتميز بها عن بقية المعلمين: صباحُ الخيرِ يا أشاوس، انفجر طلاب الصف دفعة واحدة يردون التحية كلٌ على طريقته ..صباح النور آنسة.. صباح الفل والورد.. صباح الخيرات والليرات.. صباح العرب والعربي.. صباح الأصفر والزيتي..!

جالت بنظرها على الطلاب أمامها، كلهم يتشابهون في هذه المرحلة من عمر المراهقة، جميعهم لهم نفس الوجه النحيل الموشى بالحبوب، الحواجب السوداء الكثة، الأنف المفلطح، الشارب الأزغب، الصوت الغليظ المتحشرج، لغة الجسد الهارب من دلال الطفولة إلى متاهة الشباب، كيف لها أن تتعامل مع هؤلاء المتقافزين أمامها المتمردين على أنفسهم قبل معلمتهم، حصصها الدرسية مشهورة بين زملائها بأتها حصص يسودها الشغب والانفلات، طلابها لا يلقون بالاً إلى دروسها وآخر همهم كتابة وظائف اللغة العربية، يتصرفون في حصتها وكأنها غير موجودة بينما تصر هي على قواعد التعليم العصري التي تتلخص في معاملة الطلاب كأصدقاء لا كتلاميذ الكتّاب الذين تهتز قلوبهم عندما يهتز قضيب الرمان في يد شيخ الكتّاب. بينما كانت المعلمة سميرة تعطي درساً خصوصياً لابن جارتها العزيزة حسن وهو طالب في الصف العاشر أيضاً سألته مستفسرة: حسن سأسألك سؤالاً كصديقة لا كمعلمة أريدك أن تجيبني عنه بكل صراحة ووضوح - تفضلي آنسة - أنتم كطلاب ما هي أوصاف المعلم الذي تحبونه وتقيمون له وزناً؟

افتر ثغر حسن عن ابتسامة لا تخلو من الخبث ونظر إلى معلمته من زاوية طَرْفِهِ قائلاً: آنسة سميرة سأجيبك بصراحة كما طلبتِ، هل تصدقين أننا نحن الطلاب نحبّ معلماً ونكره آخر؟ نحن نحبّ المعلم حين يتغيب عن حصته الدرسية في المدرسة ونقيم وزناً للمعلم الذي يدخل الصف دافعاً الباب بقوة وشرر المواجهة يتقد في عينيه بينما يملأ صوته المُذَخَّرُ بالشتائم فراغ السكون في الصف.

جحظت عينا سميرة وهي تفكر فيما سمعته من حسن، يبدو أن كل شيء تغيّر في مجتمعنا مع تغير الزمن وتوالي الخطوب، وليس أمراً غريباً أن يتغيّر الطلاب ويتغير المعلمون قبلهم كما تغير كل الناس وكما تغير التعامل وتغيرت القيم، اليوم كنت أنا التلميذة وحسن كان المدرس، هذه المرة درسي الخصوصي كان مقلوباً.

في اليوم التالي وقفت المعلمة سميرة بباب الصف العاشر لإعطاء درسها المعتاد، هي سيدة في ربيعها الأربعين، مكتنزة الجسد ممشوقة القوام، شعرها ملفوف ككبة الصوف فوق قبة رأسها، عيناها جامدتان كحجري صوان تقدحان شرراً ووجهها منتفخ كالح كقطعةٍ من الخشب اليابس، ترتدي بنطالاً أسود وسترة سوداء، دفعت الباب بقوة ودخلت كمصارع يدخل حلبة المصارعة مغلقةً الباب خلفها بشد.

شروق ضاهر