أقدار الرواية، وروايات الأقدار.. أحمد علي هلال

السؤال الكثيف –على الدوام- والذي يختص تلك الروايات التي أبدعتها حساسية بناة العالم -كما اصطلح على تسميتهم- هل القدر رواية وكيف تتخلق تلك الأقدار لتمنح الكاتب حيوات إضافية؟

حسبنا أننا لا نتكلم عن الرواية فحسب بوصفها جنساً ما يزال عند البعض 'حائراً'، أي بمعنى إنها المتفلتة من كل معيار سابق عليها ومن كل تحديد مسبق لها، ولعلنا نجد في تعبير أن الرواية هي أنثربولوجيا العالم ما يشكل فهماً لها ولمنطق صيرورتها وما يمكن أن يفسر لها هذا الميل الغريزي لكتابتها عند أكثر المبدعين.

فهل هي الغواية فحسب وكل غواية تتطير إلى أن تكون مشخصة على نحو أو آخر؟

في هذا السياق أدركت البشرية تلك الانعطافات الحاسمة التي مثلتها روايات الأدب الروسي، وأدب أميركا اللاتينية، وروايات مطلع القرن العشرين العربية المتهمة على الدوام بتوسلها لهويتها، وبأنها تحاكي نظيرتها الغربية، وثمة من يبحث في الجذور التراثية عن ما يشكل إرهاصات أولية لرواية عربية.

وهكذا ذهب الجدل والسجال بحثاً عن الرواية العربية الأولى ما بين (زينب) محمد حسين هيكل، و(وي إذن لست بإفرنجي)  للكاتب خليل الخوري، الذي كتب –هذه الرواية- مسلسلة.

والسؤال هنا لم لا ترجع هذه الروايات المسلسلة بصرف النظر عن زمن كتابتها؟ لكن ذلك هو محض هواجس ربما تكون مشروعة أو لا! لأن المسألة هنا تنطوي على علاقة الكاتب بالوجود ولعلها هي المسألة الجوهرية، كيف ينتقل منه إلى واقع مجازي سيعني خلقاً موازياً ينادد روحه وأحلامه التي يمكن له أن يجعلها تفكر بلغة مسموعة.

يكتب الكاتب إدغار بابو في مقالة له في romaman review  بترجمة حصيفة من المترجم عادل العامل: فما من أحد أصبح أكثر ذكاءً عند قراءته هاملت وليس السبب في ذلك أن الأمر غير ممكن ربما من الناحية النظرية، إن هذه المعجزة لم تحدث أبداً لأن القارئ لم يعش الدراما بل قرأها فقط.

والسؤال هنا ونحن نعيش دراما من نوع آخر تفيض على حياتنا تُرى هل يشبهنا ما نكتب أم نشبه ما نكتب؟ ذات مرة قال الروائي الكبير الراحل حنا مينة: أنا البحر والبحر أنا.. وما يدعو للدهشة أيضاً تلك الطرائق التي يكتب بها الكتّاب، أي كيف يجعلون من الواقع ذاته وهو أصبح خيالاً، ومن الخيال واقعاً حدَّ الذهول؟ تلك هي مسألة قدر فحسب، وعلى تلك الأقدار أن تكون حارسة أحلام المبدعين.

*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا