ماذا يعني تحول السودان إلى حرب مسيرات؟
klyoum.com
أخر اخبار السودان:
جامعة سودانية تجري إستفتاء وسط الطلاب لـ العودة إلى الخرطوملم تعد المناطق التي تحت سيطرة الجيش آمنة بما فيها الخرطوم والجغرافيا السودانية بأكملها مفتوحة على خيار الصراع العسكري
كما كان متوقعاً فإن قوات "الدعم السريع" استطاعت الحصول على سلاح الطيران، لكن غير التقليدي، أي المسيرات، ضد الجيش السوداني وحلفائه السياسيين، إذ استطاعت شنّ ضربات قاصمة ضد مواقع حيوية سودانية، بعضها يملك قيمة رمزية لها أبعاد سياسية مثل مدينة بورتسودان، باعتبارها مقراً للحكومة التابعة للجيش.
ويبدو أن تطور امتلاك الطائرات المسيّرة للفواعل غير الرسمية لا يقتصر على السودان فقط، لكنه يمتد إلى دول في الساحل الأفريقي نحو تشاد ومالي، إذ تختلف التفاعلات في كل دولة طبقاً لحالة قدرات الجيوش النظامية وقدرتها على ردع الفواعل غير الرسمية بأسلحتها الجديدة من المسيّرات، التي من المتوقع التوسع في استخدامها خلال العقد المقبل، لتشكل متغيراً أساسياً في توازنات القوى في حالات الصراع الداخلي الأفريقية.
هذا التطور على الصعيد السوداني يشير إلى أن الحرب السودانية امتلكت مساراً جديداً وفاعلين أكثر وضوحاً وعلانية، إذ تحوّلت على نحو كيفي لتتغير من حرب داخلية بحلفاء خارجيين متوارين إلى حرب إقليمية بامتياز، وهو الأمر الذي يحمل معطيات استمرار هذه الحرب على المدى المتوسط، أي عدة سنوات مقبلة، إن لم تتوافر إرادة عربية وانتباه دولي، خصوصاً أميركي، لضرورة إنهاء الحرب في السودان.
حرب مسيرات
السبب المباشر وراء هذه التحولات هو اندلاع حرب المسيّرات، التي امتلكها الطرفان بفوارق زمنية، وهو الأمر الذي أسهم في أن تمارس القوات المسلحة السودانية مئات من عمليات الهجوم بالمسيرات تزيد على 400، بينما لم تتجاوز قدرات "الدعم السريع" عشرات الطلعات وبنتائج محدودة وفقاً لتقارير عالمية، وذلك حتى مطلع مارس (آذار) 2025، لكن هذا الوضع تغيّر حالياً، إذ تحاول قوات "الدعم السريع" الوصول إلى المعدلات ذاتها بعد دعمها الواسع الأخير بالمسيرات الصينية الصغيرة الحجم.
وطبقاً للتقديرات العسكرية السودانية المستقلة فإن قوات "الدعم السريع" تعتمد على نوعين مختلفين من المسيرات، أحدهما انتحارية خفيفة وبسيطة الصنع تحمل قذائف وتنفجر عند الاصطدام، والأخرى مداها 2000 كيلو متطوّرة بعيدة المدى قادرة على حمل صواريخ موجهة، ومن شأن المسيرات أن تحدث تغيراً في الحرب لمصلحة أحد الأطراف، كما جرى في حرب التيغراي مثلاً بإثيوبيا، إذ تمتلك قدرة تدميرية كبيرة في إصابة الأهداف الثابتة أو المتحركة بدقة عالية، استناداً إلى عنصر المفاجأة، إضافة إلى قدرتها الكبيرة على التشويش والاختراق على منظومة الدفاعات الجوية، مهما كان تطورها.
وقد استخدمت قوات "الدعم السريع" طائراتها المسيّرة في القتال داخل المدن، خصوصاً مدينة الفاشر المحاصرة كذلك استخدمتها في مناطق شمال وشرق السودان مثل شندي ومروي والقضارف والأبيض، حيث ألحقت أضراراً بالبنية التحتية، مثل محطات الكهرباء في سد مروي، وعدة مدن أخرى، وكذلك خزانات الوقود اللازمة للمتطلبات المدنية والعسكرية في آن واحد.
وعلى رغم التطور اللحظي في المشهد العسكري نتيجة هجمات الطائرات المسيرة أخيراً، ستظل قوات "الدعم السريع" تواجه تحديات في مواجهة القدرات الجوية الكبيرة للقوات المسلحة السودانية، إلا إذا استطاعت الحصول على أنظمة دفاع جوي أكثر تطوراً أو طائرات مقاتلة، فضلاً عن رفع قدراتها في عمليات التواري عن رصد مسيرات الجيش السوداني.
على المستوى السياسي أسهم لجوء "الدعم السريع" إلى المسيّرات على هذا النحو الواسع في بروز عدد من التداعيات، منها خلط الأوراق في ما يتعلق بميادين القتال، إذ باتت الجغرافيا السودانية بأكملها مفتوحة على خيار الصراع العسكري، ولم تعد المناطق التي تحت سيطرة الجيش آمنة، بما فيها العاصمة الخرطوم. وقد تزايدت الضغوط العسكرية على الجيش وحلفائه السياسيين نتيجة هذه الدفعة من هجوم المسيرات التي ما زالت مستمرة حتى التوقيت الراهن، وذلك على نحو كبير يذكّرنا بالفترة الأولى للحرب، إذ كان دور الجيش مقصوراً على الدفاع من دون الهجوم.
وعلى رغم امتلاك القوات المسلحة السودانية مسيّرات بيرقدار التركية، وإمكانية التوسع في امتلاك هذا النوع من المسيرات المقاتلة فإن استمرار الصراع على هذا النحو يُلقي بأعباء إضافية على القوات المسلحة السودانية، من حيث ضرورة امتلاك قدرات الصد العسكرية لمسيرات الدعم السريع، وبالتوازي مع ذلك القدرة على إصلاح الخسائر في المواقع الحيوية التي جرى ضربها، التي أثرت في حياة السودانيين سلباً، مثل محطات المياه والكهرباء، وذلك حتى تستطيع القوات المسلحة السودانية التمتع بالشرعية المطلوبة لها في هذه المرحلة.
3 سيناريوهات منتظرة
وطبقاً للمعطيات الراهنة، فنحن أمام عدد من السيناريوهات على المستوى السياسي في السودان منها:
الأول: أن ينجح وسطاء من المفترض أن يكونوا عرباً في بدء عملية تهدئة بين الإمارات والسودان، وبطبيعة الحال لن يمتلك هذا السيناريو مقومات نجاح إلا في حالة قبول القوات المسلحة فكرة التفاوض مع "الدعم السريع"، بعد أن أسهمت الضربات الأخيرة على بورتسودان خصوصاً في إرباك سياسي وعسكري للحكومة السودانية والجيش. ويبدو أن هذا السيناريو فرصه ضعيفة، خصوصاً أن فرص طرح الأزمة السودانية على القمة العربية في بغداد علي نحو معمّق سوف تكون ضعيفة طبقاً لما أورده مسؤولون بالجامعة العربية من تصريحات أخيراً.
الثاني: أن تشكّل الهجمات الأخيرة لـ"الدعم السريع" على بورتسودان دفعاً لجماعات الإسلام السياسي السودانية نحو إدراك جديد بشأن إمكانية الحسم العسكري ضد "الدعم السريع" بعد حصوله على دعم لوجيستي رفيع المستوى، بالتالي يجري تعديل خططهم لتكون أكثر مرونة، وتسهم في تشجيع الجيش على الدخول في عملية تفاوض لوقف الحرب، خصوصاً أنه حتى مع محاولة التخلص من دارفور للحصول على سيطرة على مناطق شمال وشرق السودان، فمثل هذه السيطرة لم تعد مؤكدة حالياً في ضوء طبيعة الصراع بين السودان والإمارات، الذي وصل إلى ساحات التقاضي الدولي، وهو ما يشكّل عنصراً أساسياً من عناصر تصعيد الصراع العسكري الراهن.
الثالث: أن يتجه الجيش وداعموه الإقليميون إلى خلاصة مفادها أن الاعتراف بأي مستوى من الشرعية لـ"الدعم السريع" هو غير مقبول، وهو عامل من عوامل تفتيت السودان، الذي هو غير مقبول من الجيش أو الأطراف الإقليمية، ومن هنا سوف يجري دعم قدرات الجيش على المستوى التسليحي والتكنولوجي لمواجهة المسيرات، وضمان تفوق منظومة السلاح الجوي السوداني، وهو ما يعني الاتجاه نحو حرب مفتوحة لسنوات مقبلة.
ومهما كانت السيناريوهات القابلة للتنفيذ على الأرض خلال الفترة المقبلة من الصراع السوداني، فإن ثمة تقديرات دولية ومحلية تشير إلى الصراع القائم في السودان أدى إلى تحلل مركز الدولة السيادي، لمصلحة إدارة أهلية متنافرة بحكم انقسامها العرقي والقبلي والجهوي، إذ ذهب الباحث السوداني أمجد المكي إلى وجود تفكك في مراكز السلطة جعلت الصراع السوداني ينحدر نحو النموذج الصومالي في مرحلة المحاكم الإسلامية.
وطبقاً لهذا التقدير، فإن سيناريو تصاعد نشاط إرهابي في السودان بات على مرمي حجر، وهو نشاط سوف يكون مؤثراً في تصاعد مستويات التهديد في البحر الأحمر المؤثرة في اقتصادات الدول المشاطئة للبحر الأحمر، خصوصاً مصر والسعودية.
في هذا السياق تنشط الدبلوماسيتان السعودية والمصرية حالياً في محاولة تطويق فرص تصاعد مستويات الصراع في السودان، على أن ذلك سوف يكون مرهوناً بمرونة مطلوبة على المستويين المحلي والإقليمي في ضوء غياب الانتباه الدولي عن مجريات الأزمة السودانية وعوامل تصاعد الصراع فيها على رغم خطورتها البالغة على معطيات الأمن الإقليمي والدولي .