قوات الدعم السريع قتـ.ـلت طبيبنا الوحيد”… مأساة قرية سودانية
klyoum.com
أخر اخبار السودان:
وزير العدل يناقش معالجة أوضاع المعتقلين وحصانة الشرطيمتابعات- نبض السودان
دخلت الحرب السودانية عامها الثالث وما تزال جراحها تنزف من قلب دارفور، المنطقة الأكثر تضررًا من آلة الحرب التي لم ترحم بشرًا ولا حجرًا.
في مدينة أم كدادة، الواقعة على بعد 187 كيلومترًا جنوب شرقي مدينة الفاشر، تتوالى الشهادات المروعة عن انتهاكات حقوق الإنسان، وهذه المرة جاءت القصة على لسان الشاب العشريني "أ.ج"، أحد الناجين من جحيم اجتياح قوات الدعم السريع للمدينة في أبريل 2025.
اجتياح أم كدادة… رعب اللحظات الأولى
يروي "أ.ج" كيف انهارت المدينة في غضون ساعات، قائلا: "انكمشت على نفسي داخل أحد المنازل، أراقب من بين الشقوق الضيقة وأسمع دوي الأسلحة الثقيلة، كأن الموت يدق الباب"، متحدثًا عن فوضى عارمة، مدنيين يتساقطون، أسواق تُنهب، والناس يعيشون لحظاتهم الأخيرة برعب مضاعف.
معركة الخميس… يوم تحوّل فيه الحي إلى مقبرة
في صباح الخميس، تحوّلت المدينة إلى ساحة قتال عنيفة. بحسب "أ.ج"، فقد اندفعت قوات الدعم السريع تهاجم السكان بلا رحمة. بعض الأهالي حملوا العصي والسلاح التقليدي في محاولة يائسة للدفاع عن ممتلكاتهم. كانت النتيجة مذبحة حقيقية، قُتل فيها أكثر من 300 شخص، أغلبهم من شباب المنطقة، الذين وصفهم بـ"الأنقياء والأفضل".
إعلان السيطرة… وتضارب الروايات
أعلنت قوات الدعم السريع عبر منصة تلغرام سيطرتها الكاملة على اللواء 24 التابع للفرقة السادسة مشاة بمحلية أم كدادة، ووصفت ذلك بـ"النصر الكبير". في المقابل، نقل موقع الجزيرة نت عن مصادر ميدانية أن المقاومة الشعبية وقوات الكفاح المسلح تصدت للهجوم وكبّدت المهاجمين خسائر فادحة. إلا أن جميع المصادر أجمعت على وقوع معركة دامية.
مقتل الطبيب الوحيد… آخر قشة في قلب المدينة
مع غروب الشمس، تناهى إلى أسماع السكان نبأ مقتل الطبيب الوحيد في أم كدادة على يد قوات الدعم السريع. "لم نعد نملك حتى من يسعف جرحانا"، قال "أ.ج"، موضحًا أن القتل طال الجميع بلا استثناء: الأطفال، الشيوخ، النساء. أصبح النزوح خيارًا إجباريًا لا بديل عنه.
الهروب الكبير… من الموت إلى المجهول
بدأ الشاب رحلته مع ثلاثة آخرين. حفاة، مرتجفين، تسللوا ليلًا عبر شوارع المدينة. كل صوت كان يُنذر بالموت. سلكوا طرقًا سرية يعرفها أبناء المنطقة، حتى وصلوا إلى جبل مندول، الذي لم تطأه قوات الدعم السريع بعد، لكن الرحلة لم تنتهِ، فهدفهم كان الوصول إلى منطقة أم سدرة، التي تبعد نحو 75 كيلومترًا.
الطريق إلى أم سدرة… عطش، رماد، وخوف دائم
على امتداد الطريق، شاهد "أ.ج" مشاهد تفوق الخيال: أطفال على الأرض، شيوخ تائهون، وأمهات يجهشن بالبكاء. مروا بمنطقة المشروع، ثم "زرافة" شرق أم كدادة، حيث لم يبقَ منها سوى رماد الحريق ورائحة الدمار. ساروا يومًا كاملًا دون قطرة ماء، حتى وصلوا أخيرًا إلى "أم سدرة"، وهناك فقط أحسوا أنهم نجوا… جزئيًا.
أم سدرة… مأساة النزوح الجماعي
لكن أم سدرة لم تكن ملاذًا آمنًا كما تصوروا. المنطقة لم تكن مهيأة لاستقبال أكثر من 27 ألف نازح توافدوا في فترة قصيرة. الماء نادر، الغذاء قليل، والمأوى شبه معدوم. عاش الناس تحت الشمس، بلا سقف، ولا دواء، ولا حتى بطانية تقيهم من برد الليل.
كل وجه مأساة
يحكي الشاب عن نساء بكين على أطفالهن، مرضى يحتضرون دون دواء، وأسر بكاملها تنام على التراب. ويختم شهادته بكلمات تقطر ألمًا: "نعم، نجونا… لكننا لم نعد نحن. تركنا خلفنا رفاقنا، وبيوتنا، وأحلامنا التي تحوّلت إلى رماد. لم نهرب لأننا أردنا الرحيل، بل لأن الموت كان أسرع منا".
ضحايا بلا صوت… والكارثة مستمرة
تأتي هذه الشهادة ضمن سلسلة من الروايات التي ينشرها منتدى الإعلام السوداني بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية الأعضاء، وفي مقدمتها صحيفة التغيير، بهدف توثيق الفظائع والانتهاكات التي تُرتكب في سياق الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ونقل صوت الضحايا الذين غابت معاناتهم عن شاشات العالم.