السودان في خط النار… والقادمون الجدد مشروع اقتلاع وطني صامت .. بقلم / لؤي إسماعيل مجذوب
klyoum.com
أخر اخبار السودان:
المقاومة الشعبية تعلن جاهزيتها لردع العدوان وحماية الوطنلم أعد أرى ما يجري على حدود السودان حدثاً عارضاً في يومٍ من أيام الحرب، ولا واحداً من مشاهدها المتكررة. ما يحدث هناك يشبه تغيّر لون السماء قبل العاصفة؛ لا يحتاج المرء لشرح طويل كي يفهم أن شيئاً كبيراً يتحرك، وأن الأرض تستقبل غرباء بطريقة لا تشبه حركة النزوح، بل تشبه تقدّم قوّة تريد أن تتمركز، وتبقى، وتُغيّر شكل البلد من جذوره.
القادمون من النيجر وتشاد والكاميرون وأفريقيا الوسطى لا يشبهون المارين العابرين. إنهم يتحركون كوحدة واحدة، بثقة من يعلم أنه يدخل أرضاً أُعدّت له، وأن هناك من ينتظره، ومن يهيّئ له الملاذ، والسلاح، والغطاء. هذه ليست حركة بشر تبحث عن رزق؛ هذه كتلة تتقدم كما تتقدم كتائب الإحلال في الحروب… كتلة تُزرَع في عمق الأرض لتكون نواة استيطان دائم، لا قوة مساندة مؤقتة.
الاحتفال بهم في إعلام المليشيا ليس احتفالاً بوافدين، بل إعلانٌ مبكر عن صيغة جديدة لسكان السودان. إعلان عن قبول واقع جديد: أن من يأتي من وراء حدود النيجر يمكن أن يصبح صاحب الأرض، وأن من دُفع من ساحة الصحراء يمكن أن يجد في أرضنا مستقبلاً جاهزاً، وأن المشروع الذي يُحاك ليس دعماً لمليشيا، بل دعماً لاستبدال شعب بشعب.
من يقرأ الميدان بعقل عسكري يدرك أن هذا النوع من التحركات لا يحدث تلقائياً. هذه «تهيئة مسرح عمليات». إنها المرحلة الأولى في مشاريع الاستيطان: إدخال البشر قبل إدخال الخرائط، وترسيخ الوجود قبل إعلان الدولة. بعدها تصبح الكتلة البشرية حقيقة يصعب اقتلاعها، ثم تصبح مطالبة بالاعتراف، ثم تتحول إلى هوية جديدة تفرض نفسها على المكان.
ومع ذلك ما زال بيننا من يريد اختزال الحرب في «خلاف سياسي» أو «صراع كيزان». هؤلاء إما أنهم فاقدو البصيرة أو أنهم اختاروا الوقوف في المنطقة الرمادية. لأن من يرى القوافل تعبر الحدود بهذه الكثافة، ويحاول تفسير الحرب بمعادلات حكومة ومعارضة، لا يدرك أنه أمام أخطر محاولة لإعادة تشكيل السودان منذ تأسيسه.
الرعاة الإقليميون لهذا المشروع لم يخفوا نواياهم. بالنسبة لهم، السودان هو الفراغ الكبير الذي يمكن ملؤه. أرض واسعة، دولة منهكة، حدود رخوة، وشعب مشغول بجراحه الداخلية. إنها الفرصة الذهبية لمن يريد تغيير الخريطة. لذلك لم يكن دعم المليشيا دعماً لقوة محلية، بل كان دعماً لممر بشري كامل، يمتد من الصحراء إلى قلب المدن.
والحقيقة التي يجب قولها بوضوح:
إذا استقر القادمون الجدد، فلن يغادروا.
وإذا شعروا بالأمان، سيطالبون بالبقاء.
وإذا مُنحوا الوقت، سيولد لهم جيل جديد يعتبر السودان «أرضه الطبيعية».
وهذا يعني بداية تفكك السودان الحقيقي، لا مجازاً ولا مبالغة.
الحرب اليوم ليست حول من يحكم الخرطوم، بل حول من سيعيش في السودان بعد عشر سنوات.
والسؤال ليس: هل ننتصر؟
السؤال هو: هل نسمح بتحويل بلد كامل إلى منطقة استيطان مفتوحة؟
العدو يطلب الهدنة ليتحشّد، ونحن نطلبها لالتقاط الأنفاس.
هم يدخلون دفعات جديدة من البشر، ونحن نذهب للنقاش والانتظار.
هم يفهمون أن الحرب حرب وجود، ونحن ما زلنا نتعامل معها كأنها أزمة سياسية تُحل بالجلوس والتفاهم.
هذه حرب وطن، وليست حرب فصيل.
حرب بقاء، وليست حرب سلطة.
حرب على الأرض، وليست حرب على شكل الحكومة.
ما يُؤخذ من الأرض اليوم لا يُسترد غداً إلا بالقوة.
وما يستقر عليه الغرباء اليوم يصبح جزءاً من المستقبل الذي لن نتحكم فيه.
السودان اليوم يقف بين خيارين:
نقاتل لنحفظ هويتنا… أو نتراجع ليكتب القادمون الجدد فصل النهاية.
السودان… إما نعيده كما استلمناه، أو نخرج من التاريخ.
*لؤي إسماعيل مجذوب*