اخبار السودان

أثير نيوز

سياسة

كتب ودالنمر … دموع على ضفاف المتوسط: مأساة السودانيين في رحلة اللاعودة

كتب ودالنمر … دموع على ضفاف المتوسط: مأساة السودانيين في رحلة اللاعودة

klyoum.com

طنين الألم يلفح الآذان، وبحات الحسرة تكسر حناجر الأمهات، فيما تنحني الأرواح تحت وطأة الخذلان. هناك، على ضفاف المتوسط، يسقط شباب السودان تباعاً، بين أمواج عاتية لا ترحم، وأقدار قاسية لا تستأذن.

كل صباح يطل علينا بخبر جديد؛ غرق قارب هنا، واختفاء آخر هناك. ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، فقد لقي أكثر من 28 ألف مهاجر حتفهم في البحر المتوسط منذ عام 2014، بينهم آلاف السودانيين، حيث تشير التقديرات إلى أن السودان يأتي في مقدمة الجنسيات الإفريقية التي تخاطر بأبنائها عبر هذا الطريق. لم تعد تلك الأخبار بعيدة أو مجرد أرقام في نشرات الوكالات. لقد صارت أسماء مألوفة، وجوه كنا نراها بيننا، ثم تبتلعها المياه الغادرة. إنه البحر الذي صار لصاً يسرق فلذات أكبادنا، يبتلع أحلامهم كما يبتلع أجسادهم، فلا يترك سوى دموع تنهمر وقلبٍ ينزف حزناً.

أي وجع هذا حين ترى أمّاً تحتضن صورة ابنها، تسأل: "أين ذهبت بحشاي؟ أريد عودته.. أريد أن أراه!"، بينما لا تجد سوى صمت البحر جواباً، وصفحات الإنترنت تعلن: "غرق مهاجرين في المتوسط". أي قسوة أن يفقد الأب سند عمره وعماد كهولته في رحلة محفوفة بالهلاك، كانت في خيال الابن طريقاً للخلاص، فإذا بها تتحول إلى كفنٍ مالحٍ لا عودة منه.

ولعل أبشع ما ترويه الأخبار قصة أسرة سودانية كاملة، لم ينجُ منها إلا طفل صغير، ظل جسده الهزيل يتقاذفه الموج بعد أن ابتلع البحر والديه وأشقاءه الثلاثة. صورة الطفل العالق على قارعة الموج اختزلت مأساة وطن بأسره، وجعلت من المتوسط مرآة تعكس قسوة القدر وغدر الطريق.

إنها ليست مأساة فردية، بل شرخ مجتمع بأكمله. فما يدفع هؤلاء الشباب والأسر إلى ركوب البحر ليس حب المغامرة، بل ضيق الحياة في وطن أنهكته الأزمات الاقتصادية والسياسية. تشير الأرقام إلى أن نسبة البطالة وسط الشباب السوداني تتجاوز 30%، فيما يعيش أكثر من ثلثي السكان تحت خط الفقر وفق تقارير أممية. في ظل انسداد الأفق وغياب فرص العمل، باتت الهجرة غير النظامية خياراً قاسياً لكنه وحيد أمام كثيرين. أجيال كاملة تفر من ضيق الوطن بحثاً عن أمل في الضفة الأخرى، فلا يجدون إلا الموت، ولا يورثون إلا الحسرة. أسرٌ تتمزق، أمهاتٌ يترملن قبل الأوان، وأطفالٌ يكبرون بلا آباء.

ما أقسى أن يتحول المتوسط من جسر أحلام إلى مقبرة جماعية. وما أشد فجيعة وطن حين يصبح شبابه وقوداً لرحلات الموت، وأعز ما يملك يُلقى في المجهول. ففي عام واحد فقط، 2023، غرق ما يزيد عن 3500 مهاجر أثناء محاولتهم عبور البحر، بينهم مئات السودانيين الذين انطلقت رحلاتهم من ليبيا وتونس ومصر.

هذه ليست أرقاماً تزين عناوين الأخبار، بل دماء تسيل، ودموع تحرق، وحكايات مأساة تتكرر كل يوم. مأساة وطن ينزف أبناءه، ومجتمع تتآكله الهجرة القسرية، وأسرة تُذبح أحلامها عند أول موجة.

ويبقى السؤال الموجع: إلى متى يظل المتوسط يسرق أبناء السودان؟ وإلى متى نصمت أمام نداءات الأمهات وصرخات الآباء؟

*المصدر: أثير نيوز | atheernews.net
اخبار السودان على مدار الساعة