اخبار السودان

أثير نيوز

سياسة

حكاوي الجبل – سركاب ياعرين الأسود (1) … بقلم / مصطفي عبدالعزيز

حكاوي الجبل – سركاب ياعرين الأسود (1) … بقلم / مصطفي عبدالعزيز

klyoum.com

_مقدمة السلسلة والحلقة الاولي :_

▪️”سِركاب يا عرين الأسود”… سلسلة من حكاوي جبل الثبات ، التي لا تقال همسًا، بل تُدوّى في الساحات وتُسطّر في سجلات المجد.

▪️ليست هذه الحكاوي محاولة للحكي عن معسكر أو جبل أو قائد، بل عن فكرة تحوّلت إلى عقيدة، وعن زمنٍ قرر فيه رجال أن يصنعوا التاريخ حين خانهم الحاضر.

▪️في هذه الحلقات، نُلقي الضوء على بقعةٍ لم تَغِب عن ميادين القتال، ولكن غابت عن صفحات التوثيق. عن وادٍ ما انكسر، وجبلٍ ما انحنى، وعن رجالٍ صاغوا من وجع الخراب راية انتصار.

هنا تبدأ “حكاوي الجبل”… من سِركاب، حيث لا مكان إلا للثابتين .

هنا، حيث مدرسة الثبات والصمود…

في صباحٍ مشوبٍ بالدخان، مثقلٍ برائحة البارود، وعلى وقع دويّ الانفجارات وهدير الطائرات، انشقّ فجر السودان على حربٍ لم يشهد لها مثيلٌ في تاريخه الحديث.

كان التاريخ يومها يُسجَّل على جدران الألم بمدادٍ من دماء الشرفاء.

15 أبريل 2023… لحظة مفصلية انطلقت فيها نيران التمرّد، واختلطت فيها السماء بالأرض، وتهاوت المدن، وارتجفت السهول، وتكسّرت الأحلام بين ضجيج الطائرات وزئير الرصاص.

في تلك اللحظة، لم يكن الوطن يطلب أكثر من الثبات… وكان من الثابتين رجالٌ من معدن الجبال.

مهد الحكاية: تأسيس العرين

بعيدًا عن ضوضاء المدن، على سفوح جبل “سِركاب”، ووسط أدغال تحرسها العيون، وُلد العرين…

معسكر صغير، لكنه كبيرٌ برجاله، بقيادة اللواء “اللبيب”؛ رجلٌ لا تهزّه العواصف، ولا تُغريه المناصب، شابٌ أشمّ من خُلص القوم وأخيارهم، يمشي في الأرض تواضعًا، لا يلهث خلف دنيا زائلة ولا يرضى بدنية في وطن.

كان “اللبيب” شيخًا في عنفوان الشباب، وقارٌ على ملامحه، وشررٌ في قلبه، وعقيدةٌ تسكنه، فلقّبه ضباط الصف الذين خَبِروه بـ”أمير المؤمنين”، ليس تغزّلاً، بل لأن الزهد كان دِثاره، والورع سلاحه، والصدق عنوانه.

دقيقٌ في قراره، حريصٌ على جنوده، حكيمٌ في أحلك الظروف، حازمٌ حين يتطلب الحزم، مستمعٌ يُصغي أكثر مما يتكلم…

“ابن المؤسسة العسكرية” كما يقولون، فكان الجسرَ الذي عبرت عليه القوات نحو الوحدة، وتجاوزت عبره الهفوات، لأن الهدف كان أكبر من الجميع:

“نكون أو لا نكون… الوطن هو المحك.”

السابقون الاولون

في منتصف يونيو، بدأت طلائع البواسل تصل من مدني، رجالٌ سلكوا الأرض مشيًا، جاؤوا من كل فجّ، وجوههم شعثاء، ثيابهم مغبرة، لا تعرف الدنيا لهم طريقًا، ولا يعرفون لها طعمًا.

إنهم بدريون العصر… الذين لبّوا النداء قبل أن يُنادى.

وصلوا إلى سركاب، وكان في استقبالهم بعض من فرسان أم درمان الذين سبقوهم تجهيزًا وتخطيطًا، يُمهّدون الأرض، يرقّعون الحيطان، ويعدّون المكان ليكون مأوى للأبطال

تلقى سِركاب أبناءه بكل ترحاب، فقد عرفهم، وعرفوه.

هنا كانت الجثث لا تزال تزكم الأنوف، وهنا تناثرت بقايا المعدات الحديثة التي تركها العدو هربًا، بعد أن عجز عن حملها أو حمايتها.

تطايرت بقايا الراكات وأشلاء الحواسيب، تناثرت على جنبات شجيراتٍ كانت تظلّل الميادين، لتكون شاهدة على دمار منظومات افني بعضهم

عمره وهويؤسسها

لكنها اليوم خرابا

التحرير الأول… فجر وادي سيدنا

كانت سِركاب أولى البقاع التي حررتها قوات وادي سيدنا، هذا الوتد الذي ثبّت السودان في وجه العاصفة.

هناك، لم يُسجَّل انتصار بعدد، بل بإيمان رجال. 169 مقاتلاً فقط من الجيش السوداني، ثبتوا كأنهم جبلٌ من فولاذ، واجهوا آلاف الميليشيات المدججة بالاسلحة والعربات، ولم تضعف عزيمتهم، ولم تهتزّ لهم شعرة.

> “قيل: لو اقتُلعت الجبال من أماكنها، لاهتزت…

إلا قلوب الرجال في وادي سيدنا، فما اهتزّت وما انكسرت.”

ولأنهم كانوا على الحق، قال الله تعالى:

> “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ”

(البقرة: 249)

الوداي… الملاذ الأخير

وفيما كانت العاصمة المثلثة تُلتَهم ساعةً بعد أخرى، ينهبون، يقتلون، يشردون، ويأسرون، كان وادي سيدنا يحتضن أبناءه الهاربين من جحيم الخراب.

تدفقت القلوب الجريحة، الضباط والجنود، إلى أحضان “الوداي”، وكان “سِركاب” المتّكأ، والعهد الذي لا يُنكث.

> “يا سِركابْ يا الجبل الوقّاف

واقف تِرِس، ما بتْخاف

كلّ زول ورا الساتر حَسّ

سِركابْ حيّ.. والعدو اندسّ”

بداية الحكاية… لا نهايتها

في هذه السلسلة، لن نروي فقط وقائع عسكرية، بل سنغوص في دهاليز الجبل، نحكي عن أناسٍ لن يُنسَوا، نُنقش الوجوه في ذاكرة الأمة، نُعيد للبطولات أسماءها، ونعطي للبطولة صداها.

هنا تبدأ حكاية “عرين الأسود”… من جبلٍ صخريّ، ارتقى برجالٍ إلى مقام الأساطير.

ونواصل السلسلة………

> “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون…”

(الشعراء: 227)

*المصدر: أثير نيوز | atheernews.net
اخبار السودان على مدار الساعة