مع بدء العام الدراسي في السودان: ملايين الأطفال خارج قاعات الدراسة
klyoum.com
أخر اخبار السودان:
خبير مائي ينذر مصر والسودان: سد النهضة يهدد بكارثة مائيةلم يتمكن الطالب مصطفى عثمان، البالغ من العمر 10 سنوات، من العودة إلى المدرسة في مدينة أم درمان، رغم استقراره مع أسرته في المدينة بعد رحلة نزوح طويلة بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.
ويقول إنه حزين لعدم قدرته على لقاء رفاقه في فناء المدرسة واللعب معهم.
وتقول والدته، شيراز عماد الدين، إن إدارة المدرسة فرضت رسوماً دراسية باهظة على الطلاب، وليس بمقدور الأسرة توفيرها.
وتشرح: "إدارة المدرسة طلبت منا دفع أكثر من 300 ألف جنيه (تساوي نحو مئة دولار أمريكي)، وهذا المبلغ لا أستطيع توفيره مع فقدان والده لعمله بسبب الحرب. وعندما طلبنا تقسيط المبلغ أو تخفيضه، رفضوا بحجة أن تكاليف الدراسة أصبحت باهظة".
وأضافت، وهي تغالب الدموع في عينيها: "أنا حزينة جداً وأرى طفلي الوحيد خارج المدرسة لأكثر من عامين، وأتألم عندما أرى الحافلات المدرسية تنقل أصحاب ابني يومياً في الصباح".
الأكثر قراءة نهاية
ومع انطلاق العام الدراسي في السودان، وخاصة في العاصمة الخرطوم، بعد عامين من التوقف بسبب حالة عدم الاستقرار، لم يتمكن نحو 13 مليون طفل من بين 17 مليون طفل من الذهاب إلى المدرسة، طبقاً لإحصاءات حديثة صادرة عن منظمات معنية بالأطفال مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" ومنظمة أنقذوا الأطفال.
وتقول المنظمات إن النزاع المستمر، والفقر، وبعض العادات الاجتماعية، أدت إلى واحدة من أكبر أزمات التعليم في العالم.
"إحباط بعد العودة للمدرسة"
تابعوا التغطية الشاملة من بي بي سي نيوز عربي
اضغط هنا
يستحق الانتباه نهاية
في العاصمة السودانية الخرطوم، التي عاد إليها عدد كبير من السكان في ظل حالة الاستقرار النسبي التي تعيشها، فتحت المدارس أبوابها من جديد بعد أكثر من عامين من الإغلاق.
الحرب التي دارت رحاها بين الجيش وقوات الدعم السريع داخل الأحياء السكنية دمرت العديد من المدارس بعد تعرضها لهجمات مباشرة بالأسلحة الثقيلة.
ومع ذلك، عاد التلاميذ إلى مدرسة المهدية بالثورة في أم درمان وهم متحمسون للدراسة، لكن واقع المدرسة أصابهم بإحباط شديد، حيث فصول دراسية متكدسة، ونقص في الكتب المدرسية والمعلمين.
ويقول مدير المدرسة، أسامة عبد الجليل، إنهم سعداء بعودة التلاميذ إلى الحجرات الدراسية بعد طول غياب.
ويضيف أن هناك مشكلات كبيرة تواجه بداية العام الدراسي.
"المدرسة كانت مركزاً لإيواء النازحين لفترة طويلة، وقد تضررت بشكل كبير، خاصة في الفصول الدراسية والمرافق الصحية. قمنا بصيانتها بالجهد الذاتي، ونواجه معوقات كبيرة من بينها نقص المعلمين، ومع ذلك نحن سعداء بعودة المدرسة من جديد لمواصلة دورها في التعليم"، بحسب عبد الجليل.
ويصف الخبير في علم الاجتماع، الدكتور محمد عبد الله حماد، عدم تمكن أجيال كاملة من الأطفال السودانيين من فرص التعليم بـ "الكارثة".
ويقول لبي بي سي: "جوهر الأزمة يكمن في أن جيلًا كاملاً من السودانيين سيكون بلا مستقبل، وسيؤثر بشكل كبير على أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية. هذه كارثة كبرى وغير مرئية، وستظهر نتائجها خلال السنوات المقبلة، عندما يكتشف السودانيون أن جيلًا كاملاً نشأ بدون تعليم".
ويشرح حماد فكرته بعبارة أخرى بقوله: "الحرب الحالية تسببت في خروج جيل كامل من الأطفال عن التعليم، وهؤلاء التلاميذ سيكونون سبباً في حرب مستقبلية، كونهم سينضمون إلى القوات والمليشيات بحثاً عن المال وتحسين أوضاعهم، في ظل عدم وجود فرص عمل لهم في المؤسسات العامة أو الخاصة، وهم بلا تعليم أو شهادات".
وصادف بداية العام الدراسي ظهور أمراض وأوبئة مثل حمى الضنك والملاريا على نطاق واسع في العاصمة وعدد من الولايات، خاصة ولاية الجزيرة بوسط البلاد، والتي اضطرت فيها السلطات إلى تأجيل الدراسة مع انتشار مرض حمى الضنك بشكل قياسي.
"مؤسسات تعليمية مدمرة"
يواجه وزير التعليم والتربية الوطنية التهامي الزين، الذي عُين قبل أشهر قليلة، تحديات شديدة تتعلق بإعادة القطاع التعليمي إلى سابق عهده.
عين رئيس الوزراء كامل إدريس الدكتور التهامي الزين وزيراً للتعليم والتربية الوطنية في حكومته التي انتهى من تشكيلها قبل أشهر قليلة وبعد تعثر شديد.
وأكد الزين خلال تصريحات صحافية أنه مدرك للتحديات التي تواجه وزارته، مشيراً إلى أنه وضع خططاً عاجلة ومتوسطة المدى لمواجهة المعوقات.
وشدد على أن الأولوية ستكون لصيانة المدارس المتضررة، وإكمال تسجيل الطلاب، وتوزيع الكتب المدرسية.
"قمنا بتوظيف نحو 5 آلاف معلم لسد النقص في المعلمين، وسنعمل على إعادة إعمار المؤسسات التعليمية التي تدمرت بسبب الحرب ... لا بد من وصول التلاميذ إلى المدارس"، بحسب الزين.
تدخلت جهات دولية ومنظمات معنية بالأطفال من أجل المساعدة في حل أزمة التعليم في السودان وضمان تحصيل الأطفال التعليم والوصول إلى خدمات الحماية.
وفي هذا الصدد، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه موّل مبلغ 30 مليون يورو لتقديم الخدمات التعليمية عبر منظمة أنقذوا الأطفال العالمية.
وقالت المسؤولة في المنظمة، نادية محمود، إن البرنامج قدم الدعم لأكثر من 160 مدرسة موزعة في ست ولايات في شرقي البلاد وتقع تحت مناطق سيطرة الجيش، مشيرة إلى أن 56 ألف طفل استفادوا من البرنامج، الذي شمل توفير الاحتياجات المدرسية والحماية، وتهيئة الفصول الدراسية، بالإضافة إلى الدعم النفسي.
تم تركيز المشروع في ولاية البحر الأحمر وعاصمتها بورتسودان، التي أصبحت بمثابة العاصمة الإدارية المؤقتة في البلاد بسبب الحرب.
وأصبحت بورتسودان الوجهة الأساسية لآلاف العائلات الفارة من القتال من مناطق أخرى من البلاد، حيث يعيشون في مدارس تم تحويلها إلى مراكز إيواء للنازحين.
وتقول نعمات عبد الله، وهي إحدى العاملات في المشروع، إن العمل على تقديم الدعم للسكان المحليين والنازحين يتم على حد سواء.
وأضافت: "يعمل المشروع على إفادة كل من مجتمع النازحين والسكان المحليين في بورتسودان، حيث يقدم الإغاثة الفورية وتلبية الحاجات الملحة لدمج الأطفال النازحين في المدارس المزدحمة، كما يعمل على تعزيز التسامح وتخفيف الضغوط المحتملة التي قد تنشأ من صعوبة الأوضاع الحالية".
مع قرب دخول الحرب عامها الثالث، ما يزال الآف الأطفال، خاصة العالقين في مناطق النزاع الساخنة في منطقة دارفور غربي السودان وكردفان وسط البلاد، يدفعون مستقبلهم ثمناً لهذه الحرب.