اخبار السودان

أثير نيوز

سياسة

قلم وطني … خالد المصطفي… معركة الخرطوم ضد البعوض: الدفاع المدني يقود حملة غير مسبوقة

قلم وطني … خالد المصطفي… معركة الخرطوم ضد البعوض: الدفاع المدني يقود حملة غير مسبوقة

klyoum.com

في ظل التحديات البيئية والصحية المتصاعدة التي تواجه ولاية الخرطوم، وتنفيذاً لتوجيهات السيد مدير قوات الدفاع المدني الفريق شرطة الدكتور الحقوقي عثمان عطا مصطفى، أطلقت قوات الدفاع المدني بالولاية حملة واسعة النطاق لمكافحة نواقل الأمراض التي تشكل تهديداً مباشراً للصحة العامة. تأتي هذه المبادرة في توقيت حرج، حيث تشهد الولاية ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الإصابة بحمى الضنك والملاريا، وفقاً لتقارير وزارة الصحة الولائية، والتي سجلت زيادة في عدد الحالات بنسبة تجاوزت 40% خلال الأشهر الثلاثة الماضية مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، خاصة في أحياء محليات الخرطوم الثلاث: الخرطوم، بحري، وأم درمان. هذه الزيادة المفاجئة دفعت بالسلطات الصحية والدفاع المدني إلى تكثيف الجهود للسيطرة على الوضع قبل أن يتطور إلى وباء واسع النطاق.

.حملة متكاملة بمشاركة غير مسبوقة:-

أعلنت قوات الدفاع المدني عن مشاركة أكثر من ألف عنصر في هذه الحملة، في خطوة غير مسبوقة تعكس حجم التحديات الصحية التي تواجه الولاية. وقد شملت العمليات رشاً واسعاً للبرك والمستنقعات، وتطهير المجاري المائية ومناطق تجمع المياه الراكدة التي تُعد بيئة خصبة لتكاثر البعوض الناقل للأمراض، وخاصة بعوضة "الزاعجة المصرية" التي تعتبر الناقل الرئيسي لفيروس حمى الضنك. هذه الجهود تأتي ضمن خطة متكاملة لمجابهة مخاطر الحميات والأمراض المنقولة بالمياه، حيث أكدت السلطات أن الحملة ستتواصل على مراحل لتغطي جميع محليات الخرطوم. وقد بدأت الحملة بالفعل في مناطق مثل أم بدة والرياض والكدرو، مع تخصيص فرق عمل متخصصة للتعامل مع البؤر الأكثر خطورة. ومن المقرر أن تستمر الحملة لمدة شهرين على الأقل، مع إمكانية تمديدها بناءً على التقييم الميداني للنتائج.

.الأسباب الجذرية لتفشي البعوض:-

كشفت الزيارة الميدانية التي قمت بها بناءً على توجيهات الفريق الدكتور عثمان عطا مصطفى أن البيئة الحضرية في ولاية الخرطوم أصبحت مرتعاً خصباً لتكاثر البعوض بسبب عدة عوامل معقدة. فأثناء الجولة الميدانية في الأحياء المتضررة، لوحظ أن الأوضاع الأمنية في فترة الحرب غير المستقرة أدت إلى هجر العديد من المنازل، تاركةً وراءها عقارات مهجورة أصبحت بؤراً خطيرة لتكاثر البعوض. كما ساهمت الأمطار الغزيرة وغير المنتظمة التي شهدتها الولاية مؤخراً، والتي تُعزى إلى تغير المناخ وفقاً لتقارير الهيئة العامة للأرصاد الجوية، في تكوُّن البرك المائية الراكدة في الشوارع الفرعية والرئيسية. والأمر الأكثر خطورة هو الانتشار الكثيف للنباتات الطفيلية المتسلقة (مثل نبات البلاب والحسك) داخل وخارج المنازل، والتي توفر ظروفاً مثالية لتكاثر يرقات البعوض بسبب قدرتها على الاحتفاظ بالرطوبة وتوفير الظل. وقد أشارت دراسة أجرتها جامعة الخرطوم عام 2021 إلى أن هذه النباتات تساهم في زيادة ملاجئ البعوض بنسبة تصل إلى 60% في المناطق الحضرية.

.تقييم فاعلية الجهود الحالية:-

رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة عبر وزارات الصحة والبيئة، بما في ذلك حملات الرش الضبابي الأرضي والجوي، إلا أن الملاحظة الميدانية تشير إلى أن هذه الإجراءات لم تحقق النتائج المرجوة على المدى الطويل. فبعد نصف ساعة فقط من عمليات الرش، يعود البعوض إلى الظهور بنفس الكثافة، مما يدل على وجود مشكلتين رئيسيتين: الأولى هي المقاومة المتزايدة للبعوض للمبيدات المستخدمة، حيث أظهرت دراسة لمعهد الصحة العامة في الخرطوم أن بعوضة الزاعجة المصرية طورت مقاومة لمبيدات البيريثرويد بنسبة تجاوزت 70% في بعض المناطق. والثانية هي عدم كفاية التغطية بسبب البيئة الملائمة لوضع البعوض، حيث أن الحملات تركز على الرش الجوي دون معالجة البؤر الصغيرة المخفية داخل المنازل والمباني المهجورة. هذا الواقع يستدعي إعادة تقييم عاجلة لاستراتيجيات المكافحة، خاصة في ظل نقص البيانات الدقيقة عن توزع البعوض وأنماط مقاومته.

.نحو مبادرة فنية شاملة:-

بناءً على التقييم الميداني، نقترح مبادرة فنية شاملة تعتمد على المشاركة المجتمعية والتخطيط العلمي المدعوم بأحدث الأبحاث العالمية. فإلى جانب جهود الدفاع المدني المستمرة، يجب حث لجان خدمات الأحياء وشبابها على تنظيم حملات تطوعية لإزالة النباتات الطفيلية ومصادر المياه الراكدة. كما نناشد وزارة الصحة النظر في استخدام مبيدات أكثر فاعلية وأماناً للبيئة، مثل المركبات القائمة على "البيومكتين" أو "سبينوساد"، والتي أثبتت الدراسات الدولية فعاليتها في تقليل أعداد البعوض مع تقليل الضرر البيئي. وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإن هذه المبيدات الجديدة يمكن أن تقلل من تكاثر البعوض بنسبة تصل إلى 90% عند استخدامها بشكل صحيح. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستفادة من التقنيات الحديثة مثل استخدام البعوض المعدل وراثياً أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي لرصد بؤر التكاثر، كما جربت بنجاح في دول مثل البرازيل وسنغافورة.

.تعاون مجتمعي واستمرارية الجهود:-

تشير توجيهات الفريق عثمان عطا إلى أهمية التعاون المجتمعي في نجاح هذه الحملة. من المتوقع أن تشهد الحملة تعاوناً وثيقاً مع لجان الأحياء والسلطات المحلية، لتوعية المواطنين بضرورة المشاركة في الجهود الوقائية. وهذا يشمل إزالة مصادر تجمع المياه في الأحياء، وتغطية الخزانات، والتبليغ عن أي بؤر قد تمثل خطراً على الصحة العامة. وقد أظهرت تجارب دولية، مثل تجربة ماليزيا في مكافحة حمى الضنك، أن المشاركة المجتمعية يمكن أن تقلل من حالات الإصابة بنسبة تصل إلى 50% عندما يتم دمجها مع الحملات الرسمية. كما أن استمرارية هذه الجهود تعتبر عاملاً حاسماً للسيطرة على بؤر التلوث البيئي على المدى الطويل، حيث أن الحملات الموسمية وحدها لا تكفي لضمان نتائج دائمة.

.خطة متكاملة للوقاية والمكافحة:-

تدعو هذه المبادرة إلى تبني خطة متكاملة تشمل تعاون جميع الوزارات المعنية (الصحة، البيئة، الغابات) مع قوات الدفاع المدني. فالجهود يجب أن تشمل ليس فقط المكافحة الحالية ولكن أيضاً الوقاية المستقبلية عبر مراقبة مستمرة وتقييم فاعلية المبيدات باستخدام معايير عالمية. كما أن معالجة المشكلة الأساسية المتمثلة في المنازل المهجورة والنباتات الطفيلية ستسهم في قطع دورة حياة البعوض من جذورها. وفقاً لتوصيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن دمج استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ في سياسات مكافحة الأمراض يمكن أن يحد من تفشي البعوض في المستقبل، خاصة مع توقع زيادة وتيرة الأمطار غير المنتظمة.

في الختام، أكد الفريق

شرطة الدكتور الحقوقي عثمان عطا أن التغلب على أزمة البعوض في ولاية الخرطوم يتطلب جهداً جماعياً من جميع أصحاب المصلحة. فبالإضافة إلى الجهود الرسمية، يحتاج الأمر إلى وعي مجتمعي ومشاركة فعالة من المواطنين. كما نود أن نشير إلى السند والدعم المستمر الذي ظل يقدمه السيد وزير الداخلية الفريق شرطة الحقوقي بابكر سمرة لقوات الدفاع المدني، مما يعزز قدرتهم على تنفيذ حملاتهم بكفاءة عالية. فقط من خلال العمل المشترك، الذي يجمع بين التخطيط العلمي والمبادرات المحلية والموارد الحديثة، يمكننا تحويل ولاية الخرطوم إلى مكان آمن وصحي، وحماية أبنائنا من مخاطر الحميات والأمراض المنقولة بالبعوض. النجاح في هذه المعركة لن يعتمد فقط على المبيدات أو المعدات، بل على إرادة مجتمعية قادرة على تحويل التحديات إلى فرص للبناء والاستدامة.

*المصدر: أثير نيوز | atheernews.net
اخبار السودان على مدار الساعة