اخبار السودان

اندبندنت عربية

سياسة

مواقف "إيغاد" تتبدل بغية إعادة السودان لعضويتها

مواقف "إيغاد" تتبدل بغية إعادة السودان لعضويتها

klyoum.com

تصنف إدانتها للهجوم على بورتسودان ضمن سياسة التراجع

في خطوة تقارب جديدة دانت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) الهجمات التي شنتها أخيراً قوات الدعم السريع ضد الأهداف المدنية في مدينة بورتسودان، فكيف نقرأ بيان الهيئة الذي دان هجمات "الدعم السريع"؟ وهل هو مغازلة للعودة للملف السوداني في ظل رفض الحكومة السودانية توجهات سابقة للهيئة وتجميد عضويتها فيها؟ وهل تستطيع الهيئة إعادة الثقة في حياديتها؟ وهل يكون لها دور سياسي مستقبلاً؟

والداعي إلى هذه التساؤلات هو أن "إيغاد" أعربت في بيانها عن قلقها البالغ وإدانتها القاطعة لهجمات الطائرات المسيرة الأخيرة التي استهدفت البنية التحتية الحيوية والمناطق المدنية في بورتسودان، إذ تترافق الأحداث التي شهدتها بورتسودان في الرابع من مايو (أيار) الجاري مع التصعيد الجديد الذي تنتهجه "الدعم السريع" ضد أهداف مدنية بعد الخسائر العسكرية التي منيت بها ودحر قواتها في العاصمة السودانية الخرطوم، ونجاح الجيش السوداني في استرداد القصر الجمهوري ومطار الخرطوم، وفرض سيطرته على كامل أجزاء العاصمة المثلثة (الخرطوم وأمدرمان وبحري).

وتبعت الحرب التي اندلعت في الـ 15 من أبريل (نيسان) 2023 تطورات كثيرة على المستويين المحلي والإقليمي، فعلى المستوى المحلي خلفت ما يقدر بـ150 ألف قتيل و11 مليون نازح، وحملت وصف "حرب السودان المنسية" لانشغال العالم عنها بقضايا أخرى مثل الحرب الروسية -  الأوكرانية وغزة والشرق الأوسط، على رغم المآسي وما يعانيه أكثر من 25 مليون مواطن، هم أكثر من نصف تعداد سكان السودان، والذين لا يزالون يعانون وطأة الحرب والظروف الصعبة من موت ومرض ونزوح.

أطراف إقليمية

وكانت انعكاسات الحرب على النطاق الإقليمي لا تقل أهمية لما تبعها من إفرازات، خصوصاً مع اتهام السودان أطرافاً إقليمية بالوقوف خلف ميليشيات "الدعم السريع"، سواء بدعم مباشر أو غير مباشر، ووسط هذه الأجواء عملت "إيغاد" على لعب دور سياسي للتأثير في مجريات الأحداث متجاوزة، بحسب متابعين، وظيفتها في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ودعم جهود السلام وتنسيق السياسات الإقليمية للدول الأعضاء بما يحقق الاستقرار في المنطقة الإقليمية.

وكشفت  تقارير حكومية عن "دور وتحركات مشبوهة للمنظمة في تأييدها ودعمها لميليشيات الدعم السريع منذ بداية الحرب، مما يخالف أهداف وأدبيات المنظمة، وسبق أن اتهمها السودان بإضفاء الشرعية على "قائد ميليشيات الدعم السريع حمدان دقلو على رغم الفظاعات التي ارتكبتها"، كما اتهمها البرهان بـ "التحيز والسعي إلى التدخل في شأن داخلي، منافياً دورها المنوط في تحقيق السلام وعدم التدخل في شؤون الدول الأعضاء".

علاقات متوترة

وكان سبب توتر العلاقة بين الحكومة السودانية و"إيغاد" عقد المنظمة قمة استثنائية في أوغندا بكمبالا في يناير (كانون الثاني) 2024، دعت إليها رئيس الوزراء السوداني الأسبق عبدالله حمدوك، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، متجاهلة اعتراض الحكومة السودانية عقد وترتيبات القمة، وأشار  بيان وزارة الخارجية السودانية إلى إرسال رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان رسالة إلى الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيلي، باعتباره رئيس منظمة "إيغاد"، أبلغه فيها قرار السودان تجميد عضويته في المنظمة بسبب تجاهلها موقف السودان في دعوتها قائد "الدعم السريع".

ونقلت الرسالة وقف انضمام السودان للمنظمة وتجميد تعامله معها في أي مواضيع تخصه، كما أوضحت الحكومة السودانية أنها غير ملزمة ولا يعنيها أي مما يصدر عن المنظمة في الشأن السوداني.

وبحسب البيان الأخير فقد دان السكرتير التنفيذي للهيئة، ورقني قبيهو ، "أعمال العنف التي تشكل تهديداً خطراً لأرواح المدنيين وتنذر بتفاقم الوضع الإنساني والسياسي المتردي"، وقال إن "هذه الهجمات على البنية التحتية المدنية غير مقبولة ويجب أن تتوقف فوراً"، مضيفاً أنه "لطالما شكلت مدينة بورتسودان شريان حياة إنسانياً ولوجستياً حيوياً لملايين السودانيين، وأي هجوم على هذا المركز الحيوي يفاقم المعاناة الإنسانية ويعوق إيصال المساعدات العاجلة".

وكان قبيهو هنأ السودان في يناير الماضي بعيد الاستقلال الـ 69 قائلاً "بينما نحتفل بعيد استقلال السودان تتجه أفكاري الصادقة نحو الشعب السوداني"، مضيفاً أن "الأمل في مستقبل أكثر إشراقاً يتقد بشدة داخلنا، بينما نسعى جاهدين إلى استعادة السلام والحياة الطبيعية لأشقائنا وشقيقاتنا في السودان"، مؤكداً أن "الاستقلال الذي اكتسبه الشعب السوداني بشق الأنفس يمثل منارة علينا حمايتها من الخفوت".

مهمتها الأساس

ويقول المهتم بالشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد إن "البدايات الأولى لمنظمة إيغاد تعود عندما كانت هيئة معنية بمكافحة التصحر والجفاف، وبعد ذلك جرى توسيعها عام 1996 وأخذت مسمى الهيئة الحكومية للتنمية لتشمل تعزيز إستراتيجيات وتنسيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية والعالمية لتعزيز القدرة على جذب الاستثمار الأجنبي، وكذلك التنسيق بين السياسات المتعلقة بالتجارة والنقل والجمارك والاتصالات والزراعة، وتفعيل حركة السلع والخدمات بين دول المنطقة، ولكنها عندما فشلت في مهمتها الأساس ولم تسطع أن تجلب أي استثمارات إلى دول المنطقة، أصبحت تسعى إلى حل النزاعات بين الدول الأعضاء"، مضيفاً "وهكذا أصبحت الدول الخارجية تستغل المنظمة خدمة لأهدافها، وسمت بعض الدول الأوروبية نفسها بـ أصدقاء إيغاد وهي تساعد في دعم المنظمة مادياً".

ويشير حامد إلى أن "نشاط قيادات إيغاد وبخاصة إبان رئاسة الرئيس الكيني وليام روتو لها، والمواقف السلبية التي اتخذتها بعض الدول ضد السودان، والتصريحات الحالية التي أدلى بها السكرتير التنفيذي للمنظمة في مايو الجاري بإدانة الهجوم على بورتسودان والأهداف المدنية، كلها مواقف سياسية تصنف ضمن سياسة العداء والتراجع، وجاء الموقف الأخير ليبدد مواقف المنظمة السابقة والتي كانت ضد السودان، ولا سيما أن السكرتير التنفيذي للمنظمة جاء ضمن الدورة الجديدة لمجلس وزراء إيغاد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، واتضح له كثير من المواقف السابقة التي لا تخدم أهداف  إيغاد بل تصب في خدمة أغراض سياسية ضيقة".

عاملان أساسيان

الخبيرة في الشؤون الأفريقية أماني الطويل تقول في دراسة بعنوان "منظمة إيغاد بين الأهداف والأدوار"، إن "الحاجة إلى التعاون بين الدول برزت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لما خلفته من دمار تطلب التطلع إلى التعاون لبناء الاقتصادات المحلية والتكامل على الصعد كافة، وعلى المستوى الأفريقي لعب عاملان أساسيان دوراً في بلورة تكتلات اقتصادية في أفريقيا، الأول ضعف الدول الأفريقية وعدم قدرتها على القيام منفردة بوظائفها الأمنية والسياسية والاجتماعية، والثاني الآثار الإيجابية لتجربة الاتحاد الأوروبي وانعكاساتها على دول الاتحاد ومواطنيه، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، مما جعله خبرة ملهمة على المستوى العالمي، فضلاً عن انعكاسات ظاهرة العولمة في السياقات الإقليمية".

وتضيف الطويل أنه "يمكن القول إن مشروع التكامل الإقليمي الأفريقي قد اكتسب زخماً كبيراً في ضوء العجز الأفريقي عن الاندماج الوطني الداخلي، نتيجة الانقسامات بأنواعها كافة داخل الدولة الأفريقية الواحدة، فأسفر تراجع دور الدولة الوطنية عن إعلاء قيمة العمل الجماعي في محاولة لحل مشكلة الاندماج الوطني من خلال التعاون مع دول الجوار"، مشيرة إلى أن "عوامل متنوعة أسهمت في بلورة منظمة إيغاد وشكلت حالاً من عدم الاستقرار، ولا سيما في منطقة القرن الأفريقي التي وصفها مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيجينيو بيريجنسكي بأنها قوس التوتر الدائم، كانت أهم الدوافع نحو تشكيل المنظمة وخصوصاً مع التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية".

وتتابع الطويل أن "إيغاد" نشأت كهيئة للتنمية ومكافحة التصحر عام 1986، وكمنظمة ذات هدف غير سياسي لمعالجة تحديات الجفاف وعواقبه، حيث أن 70 في المئة من منطقة المنظمة عبارة عن أراض قاحلة أو شبه قاحلة، وتتلقى أقل من 600 مليليتر من الأمطار سنوياً، ولكن نتيجة المتغيرات الدولية المرتبطة بانهيار الاتحاد السوفياتي جرى إطلاق جديد للمنظمة ليضاف إلى هدفها الرئيس في مكافحة التصحر الحفاظ على الأمن والسلام، وباتت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية  منظمة فرعية شبه إقليمية جرى اعتمادها خلال القمة الخامسة لجمعية رؤساء دول وحكومات الدول التي عقدت في الـ 25 والـ 26 من نوفمبر 1996 في جيبوتي، بأهداف تعزيز التعاون الإقليمي في مجالات الأمن الغذائي وحماية البيئة والتعاون الاقتصادي والتكامل الإقليمي والتنمية الاجتماعية والسلام والأمن، وتضم حالياً كلاً من إثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان وجنوب السودان.

تغيير موازين القوى

وعن مواقف "إيغاد" تقول الأستاذة الجامعية المتخصصة في الشأن الأفريقي نجلاء مرعي لـ "اندبندنت عربية" إن "بيان الهيئة القاضي بإدانة هجمات الدعم السريع على مدينة بورتسودان جاء في ظل فتح صفحة جديدة مع السودان بعد تجميد عضويته فيها، إذ تمكن الجيش السوداني خلال الأشهر الأخيرة من استعادة السيطرة على عدد من الولايات المهمة، بما في ذلك ولاية الجزيرة والخرطوم والنيل الأبيض، إضافة إلى الولايات الشمالية وولايات شرق السودان مثل البحر الأحمر وكسلا والقضارف التي ظلت صامدة، وهذه السيطرة عززت موقف الجيش وأضعفت الدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع مما أسهم في تغيير موازين القوى على الأرض، وإدراكاً منهم للتعقيدات التي تحيط بالصراع في السودان، اتفق 10 مبعوثين وممثلين دوليين وإقليميين خلال اجتماع موسع عقد بالتنسيق مع إيغاد" في الـ 18 من مارس (آذار) الماضي في أديس أبابا على توحيد منابر حل الأزمة السودانية، وتعهدوا بتبني نهج منسق لعمل جماعي لوقف الحرب المستمرة والوصول إلى سلام شامل".

وتكمل أن "الاجتماع شكل خطوة حاسمة نحو ترجمة الجهود وضمان تحقيق أثر جماعي في إطار المساعي الرامية لوقف الحرب السودانية التي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد 15 مليوناً"، مضيفة أن "ذلك يأتي في ضوء إجراء رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان جولة أفريقية ذات أهداف سياسية لتعزيز التعاون الأمني ودعم عودة بلاده للهيئات والمنظمات الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي بعد تعليق عضويتها، وأيضاً قطع الطريق أمام تحركات قيادة قوات الدعم السريع التي تعتزم تشكيل حكومة مدنية لمحاولة كسب شرعية على حساب السلطات الرسمية للبلاد والمتمثلة في مجلس السيادة، شملت جمهورية مالي وغينيا وبيساو وسيراليون والسنغال وموريتانيا".

وتتابع مرعي أن "هذا خطوة جديدة بعد ثلاثة أعوام من تعليق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان، إذ أبدى مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي مرونة في موقفه، داعياً مفوضية الاتحاد إلى فتح مكتب اتصال في مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية الموقتة، لتسهيل التواصل ودعم جهود السلام، ورحب باستعداد رئيس مجلس السيادة الانتقالي لتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية".

الأكثر تفهماً

ويوضح الكاتب الصحافي في الشؤون الأفريقية يوسف ريحان أن "المنظمات الدولية والقارية والإقليمية أجسام تضم تجمعات كبيرة من الدول بهدف التعاون وتحقيق المصالح المشتركة في التنمية، والإسهام في تحقيق السلم والتعاون لحلحلة المشكلات التي تنشب بين الدول، وتلك الأهداف عادة ما تكون منضوية تحت عناوين كبيرة، وهي تتدرج في الأهمية لكل دولة من الأقرب، سواء كانت تجمعات إقليمية أو قارية، انتهاء بالأمم المتحدة التي تضم الجميع".

ويضيف، "كانت هناك مساحة أفضل وصلاحيات تمنح لهذه المنظمات في رسم الخطط التي تعنى بتجمعاتها تخفيفاً من الأعباء التي من الصعب أن تقوم بها لوحدها منظمة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة المختلفة، وكانت الدول ولا تزال تميل إلى أن تحتكم للأقرب إليها من المنظمات الإقليمية، كونها الأكثر تفهماً للإشكالات التي تنشأ في محيطها، باعتبار أن التحديات تكون متشابهة، إلا أننا وبحكم التجربة والمواقف غير المفهومة، وبدلاً من أن يكون التدخل إيجابياً لحلحلة القضايا، فإن كثيراً من التدخلات فاقمت الأزمة"، مضيفاً أنه "لولا انحراف الهيئات والأهواء في الملف السوداني، لكان أغلق بعد توصيف صحيح للأزمة".

الإدارة الخاطئة لهيئة "إيغاد"

ويتابع ريحان أنه "كانت هناك إدارة خاطئة لمنظمة إيغاد ومن قبلها قيادة الاتحاد الأفريقي، من خلال محاولاتهما المساواة في كثير من الأحيان بين الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع ودعوتهما إلى التفاوض وتقاسم السلطة والثروة، من دون أن يفهما ماذا يعني ذلك لشعب السودان الذي يرفض ذلك وإن تواترت عليه الحروب"، موضحاً أن "وظيفة السكرتير التنفيذي في المنظمة تشبه إلى حد ما وظيفة الأمين العام للأمم المتحدة ووظيفة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وهي مهمة تسعى إلى تحقيق السلم والأمن ومراعاة حقوق الإنسان وإيلائها أهمية قصوى، إضافة إلى أهداف أخرى اقتصادية وتنموية وسياسية تفرض على القائم بها مسؤوليات وواجبات وفي مقدمها الحياد".

ويتابع، "بالنظر إلى المدة الزمنية التي استغرقتها حرب السودان المدمرة يمكن القول إن هيئة إيغاد أو الاتحاد الأفريقي لم يقدما أي شيء إيجابي لطي الحرب"، متابعاً "نأمل في العمل على معالجة الملف السوداني وإعادة فتحه للمراجعة والتقييم، ومن ثم اتخاذ خطوات إيجابية حقيقية، وأعتقد أن إحدى هذه الخطوات المطلوبة هي تصنيف الدعم السريع كمجموعة إرهابية، أو في الأقل إدانة ما تقوم به من انتهاكات واسعة النطاق وعدم وضعها في كفة موازية لكفة الجيش السوداني".

ويختم الصحافي المتخصص في الشؤون الأفريقية بأنه "لا يزال هناك أمل في أن تغير إيغاد والاتحاد الأفريقي إستراتيجيتهما في العمل الجماعي والتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرار وإعادة النظر في الملف السوداني، وفي ضوء ذلك يمكن أن يعود السودان كعضو فاعل في هذه المجموعات"، مشيراً إلى أنه "من دون ذلك لا أرى مستقبلاً لمثل هذه المنظمات، وستكون  قابلة للتفكك على نسق ما حدث في غرب أفريقيا".

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار السودان على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com