اخبار السودان

اندبندنت عربية

سياسة

رواتب موظفي السودان بالكاد تشتري الفقر

رواتب موظفي السودان بالكاد تشتري الفقر

klyoum.com

تآكل الأجور يعصف بحياتهم المعيشية وسط جنون الأسعار وانهيار قيمة العملة في ظل الحرب والهوان والإحباط

موجة من الشعور المتزايد بالإحباط تسري في أوساط الموظفين السودانيين، إذ لم يعد حتى كبار الموظفين بالدولة قادرين على تلبية احتياجاتهم المعيشية الأساسية اليومية، فمن كان راتبه الشهري قبل الحرب 250 ألف جنيه سوداني (ما يعادل نحو 500 دولار) قبل الحرب، لا يكاد الراتب نفسه يساوي الآن 72 دولاراً، في وقت بلغ الحد الأدنى لكلف المعيشة لأسرة متوسطة من خمسة أشخاص نحو 1652000 جنيه سوداني (485 دولاراً)، فكيف يدبر موظفو السودان حياتهم المعيشية في ظل هذا الواقع، بعد أن فقدت رواتبهم أكثر من 80 في المئة من قوتها الشرائية؟

يقول الموظف م. أ. ن، بالدرجة القيادية العليا في إحدى الوزارات الحكومية، أنه أصبح غير قادر على تلبية احتياجات أسرته المعيشية اليومية، "لولا دعم شقيقي الأصغر المغترب خارج البلاد، الذي يرسل لي شهرياً نحو 200 دولار تساوي 700 ألف جنيه سوداني، لتوقفت الحياة وانتقلت إلى مصحة نفسية نتيجة الشعور المر بالعجز والهوان".

ويتابع "تفاقم الوضع المعيشي إلى حد لا يطاق، وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية إلى أكثر من خمسة أضعاف منذ أشهر قليلة، عقب انهيار الجنيه السوداني في مقابل الدولار".

يعتقد الموظف الذي أمسك عن ذكر اسمه كاملاً خشية عواقب حديثه، أن كل وعود الحكومة المسماة بـ"حكومة الأمل" ذهبت أدراج الرياح وتبخرت الآمال فيها، إذ ما دامت هذه الحرب مستمرة فإن الوضع سينحدر نحو الأسوأ بسبب تصاعد الإنفاق الحربي.

يشير الموظف القيادي إلى أن التدهور المعيشي الذي يعيشه السودانيون، وبخاصة فئات الموظفين بالقطاع العام، سببه تنامي الفجوة والبون الشديد الاتساع بين الأجور وكالف المعيشة بدرجة تخطت حدود مستويات الفقر العادية إلى الفقر المدقع، الذي يندرج تحته كل من يتقاضى أقل من دولارين في اليوم، في حين تراجعت قيمة أجور معظم العاملين في الدولة إلى أقل من دولار ونصف دولار.

وأصدرت تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية بياناً حول تدهور الأجور والأوضاع المعيشية، أوضحت فيه أنه بسبب التدهور غير المسبوق لقيمة الجنيه السوداني والارتفاع الجنوني للأسعار، في ظل استمرار الحرب تآكلت الأجور الأساسية لكل العاملين بالدولة، ولم تعد تساوي شيئاً أمام كلف المعيشة اليومية.

وكشفت دراستان للتنسيقية ولجنة المعلمين السودانيين عن أن الحد الأدنى لكلفة المعيشة لأسرة متوسطة تضم خمسة أشخاص بلغ نحو 1652000 جنيه سوداني (مما يعادل 485 دولاراً)، بينما ظل الحد الأدنى الأساسي للرواتب منذ عام 2022 ثابتاً عند 12 ألف جنيه (3.5 دولار شهرياً) بالنسبة إلى الدرجة 17 أسفل السلم الوظيفي، بينما لا يتجاوز 60 دولاراً بالنسبة إلى أعلى الدرجات الوظيفية في الخدمة المدنية.

 

وأشارت التنسيقية، إلى أن ذلك يعني أن جميع العاملين بالدولة من معلمين وأطباء ومهندسين وموظفي الخدمة المدنية باتوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع (أقل من 1.9 دولار يومياً)، في وقت تشير تقارير البنك الدولي إلى أن نسبة الفقر في السودان تجاوزت 71 في المئة من السكان عام 2024، مع معدل تضخم يناهز 170 في المئة.

وطالبت التنسيقية الحكومة والجهات المعنية برفع الحد الأدنى للأجور إلى 200 ألف جنيه سوداني، بما يواكب الحد الأدنى لكلفة المعيشة، ومراجعة الرواتب والعلاوات بصورة نصف سنوية لضمان التكيف مع تذبذب الأسعار والتضخم المتصاعد، وإضافة علاوات مهنية خاصة للقطاعات الحيوية (التعليم، الصحة، الخدمات الأساسية) بنسبة لا تقل عن 25 في المئة، مع صرف كل المتأخرات من رواتب وبدلات ومنح للعاملين فوراً.

وأوضحت التنسيقية أن استمرار هذا الوضع يعني انهيار الخدمة المدنية وفقدان الكوادر المؤهلة التي تضطر إلى الهجرة أو ترك العمل، مما يشكل خطراً مباشراً على مستقبل البلاد.

وكشفت دراسة اجتماعية أجرتها لجنة المعلمين السودانيين عن أن كلفة المعيشة لأسرة متوسطة تضم خمسة أفراد تعادل 1652000 جنيه سوداني (485 دولاراً تقريباً)، وأن الراتب الأساسي للدرجة 17 مدخل خدمة العامل هو 12 ألف جنيه (يعادل الآن نحو ثلاثة دولارات ونصف دولار تقريباً) في الشهر، وأن مرتب الدرجة التاسعة مدخل الخدمة للمعلمين 28800 جنيه سوداني (9 دولارات فقط) شهرياً، أما المرتب الأساسي للدرجة الأولى لمعلم عمل ما يقارب 30 سنة فيبلغ 96 ألف جنيه (مما يعادل الآن 30 دولاراً فقط) في الشهر، بينما المعروف عالمياً، وفق ما أشارت إليه الدراسة، أن الفقر المدقع هو الحال التي يعجز فيها الإنسان عن الوفاء بأدنى متطلبات الحياة، أما خط الفقر فهو 1.9 دولار في اليوم.

على ضوء نتائج الدراسة، طالبت اللجنة برفع الحد الأدنى للأجور من 12 ألفاً إلى 184680 جنيهاً سودانياً، مع إضافة علاوة تعليم لأجور العاملين بالتعليم بنسبة 25 في المئة من الراتب الأساسي، ومراجعة العلاوات ذات القيمة الثابتة كل ستة أشهر لمواكبة تذبذب الأسعار، بجانب سداد المتأخرات كاملة بما يشمل الرواتب والعلاوات والبدلات والمنح، وجعل الإنفاق على التعليم مسؤولية الحكومة الاتحادية.

في السياق يقول محمد يوسف إبراهيم، موظف عمومي في السلك الكتابي، إن "من المؤسف حقاً أن الحكومة ووزارة المالية على وجه الخصوص تعلم علم اليقين وتتابع التصاعد الجنوني اليومي للأسعار والزيادات المطردة وفي جميع الرسوم الحكومية، بينما ظلت رواتب الموظفين تقف في المحطة ذاتها قبل أربعة أعوام".

يرى إبراهيم أن "هذا الوضع لم يعد منطقياً ولا محتملاً نتيجة تزايد الضغوط على عامة الشعب وموظفي القطاع العام على وجه الخصوص، إذ أصبحوا من دون استثناء داخل دائرة الفقر المدقع، ولم يعد الراتب يغطي احتياجاتهم للأيام الخمسة الأولى من الشهر، مما أدخلهم في دوامة من الديون والهموم معاً، فبعض الدرجات الوظيفية العمالية لا يكفي راتب أصحابها لتعبئة أسطوانة الغاز".

ويتابع "زملاؤنا من موظفي البنوك الذين كنا نعتقد أنهم أفضل حالاً بحكم الرواتب الجيدة والامتيازات الأخرى التي يتمتعون بها يشكون أيضاً المعاناة مع تآكل القيمة الشرائية لرواتبهم، فما بالك بقطاعات المعلمين والأطباء والموظفين العموميين وغيرهم من ذوي الدخول المحدودة".

ويستطرد "زادت جميع متطلبات الحياة الأساسية أضعافاً مضاعفة بما يفوق طاقة الناس، لدرجة أن بعض الأسر تخلت عن تعليم أبنائها بسبب عدم قدرتها على دفع رسوم والتزامات المدرس، وعلى رغم ذلك لا تلوح في الأفق أي حلول أو تحرك واضح من الجهات المسؤولة بالدولة، ولم تعد تلتفت لحال هؤلاء وكأن الأمر لا يعنيها".

على نحو متصل يرى المحلل وأستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية محمد الناير أنه منذ بداية تراجع الجنيه أمام العملات الأجنبية تراجعت معه القوة الشرائية للعملة الوطنية بصورة كبيرة، غير أن التراجع الذي حدث لها قبل عام كان الأكبر في تاريخ السودان، إذ بعد مسيرة عام كامل من الاستقرار، قفز فيه سعر الدولار من 570 إلى 2500 جنيه، عاد الجنيه للتراجع من جديد ليتجاوز مبلغ 3 آلاف في مقابل الدولار الواحد، ومع تلك التحولات تأثرت الحركة التجارية في السودان، التي تعودت أن تحدد أسعار السلع وفق تغيرات الدولار، وتحسبها وفق السعر الأعلى بين السعرين الرسمي والموازي، بينما يتحمل تلك الزيادات المواطن السوداني الذي لا ذنب له.

ويوضح المحلل الاقتصادي أن الفترة الماضية التي ظلت خلالها الأجور ثابتة لأكثر من أربعة أعوام من دون تغيير، انخفض خلالها راتب الموظفين مما يعادل 600 إلى 800 دولار في الشهر إلى ما يعادل 52 دولاراً فقط، ما أدى بدوره إلى تراجع خطر للقوة الشرائية جعلت الراتب لا يفي حتى بالحد الدنى من متطلبات المعيشة الأساسية، فضلاً عن المعاناة والتعقيدات الكبيرة الأخرى التي يعانيها المواطنون في ظل ظروف الحرب.

ويتابع "قد تجد الدولة صعوبة في معالجة وضع الرواتب خلال السنة المالية الحالية (2024 - 2025)، لكن عليها قطعاً النظر في تعديل الأجور للعام القادم لمواجهة متطلبات المعيشة ورفع أداء العاملين بالدولة، مما يعني أن على الدولة البحث عن موارد وإيرادات لا تمس معيشة المواطن مرة أخرى، لذلك لا بد للدولة من التفكير في استحداث موارد لا تؤثر في رواتب المواطنين والموظفين والعمال، بخاصة إحكام السيطرة على مورد الذهب ومنع تهريبه، لأنه وحده قد يكون كافياً لمعالجات تتيح للدولة تعديل الرواتب في السنة المالية المقبلة (2026).

ويشير الناير إلى أنه، وحتى يكون هناك استقرار عقب انتقال عمل الحكومة إلى العاصمة الخرطوم وعودة المواطنين، فإن الأمر يحتاج فعلاً إلى تعديل رواتبهم وتحسين أوضاعهم، إلى جانب ضرورة التفات الحكومة لموضوع متأخرات أجور واستحقاقات العاملين بالولايات لدى وزارة المالية.

وكان الجنيه السوداني شهد تراجعاً غير مسبوق مقابل العملات الأجنبية، إذ قفز سعر صرف الدولار إلى 3500 جنيه مقارنة بـ570 جنيهاً فقط قبل الحرب، مسجلاً أدنى مستوى له منذ أبريل (نيسان) 2023، كما سجل معدل التضخم لشهر أغسطس (آب) 2025 ارتفاعاً بلغ 83.05 في المئة، مقارنة مع 78.39 في المئة لشهر يوليو (تموز) الماضي.

تبعاً لذلك شهدت بعض الأسواق ارتفاعاً جنونياً في أسعار السلع الأساسية، إذ قفز سعر جوال السكر زنة 50 كيلوغراماً مثلاً من 130 ألفاً إلى نحو 180 ألف جنيه قبل أيام قليلة.

بدورها اتخذت الحكومة السودانية إجراءات عدة لوقف تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار بغرض ضبط الاقتصاد وتحسين الأوضاع المالية، من خلال ضبط الاستيراد ومكافحة التهريب وحصر تجارة الذهب في جهة حكومية واحدة.

كما قررت إنشاء منصة رقمية قومية لتتبع حركة الصادرات والواردات ستسهم في تعزيز الشفافية والرقابة على التجارة الخارجية، بجانب مكافحة التهريب من أجل تعزيز الإيرادات الحكومية.

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار السودان على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com