اخبار السودان

أثير نيوز

سياسة

خبر وتحليل عمار العركي *_بين مطر السماء ومياه السد: السودان في مواجهة الفيضان_*

خبر وتحليل عمار العركي *_بين مطر السماء ومياه السد: السودان في مواجهة الفيضان_*

klyoum.com

▪️لم يكن الفيضان الذي يجتاح السودان مجرد حادثة موسمية عابرة، بل مأساة جديدة أعادت إلى الواجهة أسئلة قديمة عن جاهزية الدولة، وعن حقيقة دور سد النهضة في تفاقم الأزمة. آلاف الأسر شُردت، مساحات واسعة من الأراضي الزراعية غرقت، والطرق والبنى التحتية تضررت بشكل بالغ، فيما كان المواطن البسيط هو الضحية الأولى والأخيرة.

▪️في مواجهة هذه الكارثة، برزت تساؤلات حول مستوى استعدادات الحكومة وقدرتها على التعامل مع الأزمة. فالمشهد أظهر – مرة أخرى – هشاشة منظومة الطوارئ، إذ تحركت أجهزة الدولة بعد وقوع الضرر، في إطار استجابات إغاثية عاجلة، دون أن يكون هناك ما يشير إلى وجود خطة استباقية تقلل من حجم الكارثة. وبذلك، بدا وكأن السيناريو يتكرر كل عام: أمطار غزيرة، فيضانات مدمرة، ووعود رسمية بإصلاح الأوضاع، دون أن يلمس المواطن فرقًا جوهريًا.

▪️لكن الجدل لم يتوقف عند حدود التقصير الداخلي، بل امتد إلى الساحة الإقليمية، حيث أعاد خبراء مصريون – وفي مقدمتهم الدكتور عباس شراقي – ربط ما جرى في السودان بسد النهضة. شراقي ذهب إلى أن السبب الرئيس للفيضانات هو فشل إثيوبيا في تشغيل التوربينات وفتح البوابات لتقليل حجم المياه المخزنة منذ الملء الأخير في سبتمبر 2024، لتأتي أمطار هذا العام فتزيد الطين بلة. هذه الرواية وجدت صدى واسعًا في الإعلام المصري، باعتبارها دليلًا إضافيًا على المخاطر الكامنة في السد، لكنها قوبلت بتباين في المواقف داخل السودان.

▪️فمن جهة، هناك أصوات سودانية، مثل إفادة الخبير المهندس د. عمر العوض، التي أشارت إلى أن طريقة تشغيل الخزان بالفعل شابتها أخطاء فنية، حيث تم ملؤه بسرعة غير مأمونة ثم بدأ تفريغه بكميات ضخمة مع تزامن أمطار غزيرة، وهو ما ساهم في ارتفاع المنسوب.

▪️من جهة أخرى، لم يصدر عن الحكومة السودانية حتى الآن تأكيد رسمي يربط الفيضان مباشرة بالسد، بينما ركزت إثيوبيا في خطابها الإعلامي على نفي أي علاقة، مؤكدة أن تشغيل السد يجري بصورة طبيعية، وأن الفيضانات في السودان سببها الأمطار الموسمية. أما في القاهرة، فقد جرى توظيف الأزمة لتأكيد المخاوف المصرية التقليدية من السد وضرورة وجود اتفاق ملزم لإدارته.

▪️الواقع إذن أكثر تعقيدًا من السرديات المتداولة. فالأمطار الغزيرة تظل العامل المباشر، لكن طريقة تشغيل السد وعدم الشفافية في مشاركة البيانات تضيف بلا شك بعدًا جديدًا للأزمة. إن السودان، بحكم موقعه الجغرافي، يجد نفسه في قلب هذه المعادلة، حيث يدفع ثمن أي خلل سواء أكان طبيعيًا أم بشريًا.

▪️تطرح الكارثة أسئلة عميقة حول المستقبل، وما إذا كانت البلاد ستظل أسيرة لمعادلة الأزمات الموسمية، أم أنها ستتعلم من التجارب المتكررة لتبني إستراتيجية وقائية شاملة. إن الفيضانات ليست حدثًا طارئًا أو مفاجئًا، بل ظاهرة طبيعية معروفة، تتفاقم آثارها فقط حين تغيب البنية التحتية وتضعف قدرة الدولة على إدارة المياه.

▪️ومن هنا، فإن ما بعد هذه الأزمة يجب أن يكون نقطة انعطاف، لا مجرد محطة عابرة. المطلوب أولًا هو مراجعة جذرية لخطط الطوارئ، بحيث تنتقل من رد الفعل المتأخر إلى التخطيط المسبق الذي يحد من الخسائر البشرية والاقتصادية.

▪️كما أن التعامل مع سد النهضة ينبغي أن يخرج من دائرة الشكوك المتبادلة والاتهامات، إلى ميدان الحقائق العلمية والاتفاقات الفنية الملزمة التي تضع حياة الملايين فوق الحسابات السياسية. فالسودان، بحكم موقعه الجغرافي، هو الأكثر تأثرًا بأي خلل في إدارة السد، والأكثر حاجة إلى ضمانات تشغيلية واضحة وشفافة.

▪️وفي الوقت ذاته، لا يمكن إغفال أن تغير المناخ بات عاملاً مضاعفًا يرفع منسوب المخاطر، مما يحتم استثمارًا جادًا في بناء السدود الصغيرة، وقنوات التصريف، وشبكات الإنذار المبكر، لتقليل الاعتماد على الحلول المؤقتة والإنقاذ اللحظي.

*_خـلاصـة القــول ومنتهـاه_ :*

▪️إن السودان يقف اليوم أمام لحظة اختبار: إما أن يحوّل المأساة إلى فرصة لإعادة ترتيب أولوياته في إدارة موارده المائية، أو يظل في دائرة الأزمات المتكررة، حيث يتجدد المشهد ذاته كل عام، مع ذات العجز وذات الخسائر.

▪️ومن هنا، فإن الرسالة الأهم هي أن التعامل مع الفيضانات لا يجب أن يظل رهين ردود الفعل اللحظية، بل يتطلب قرارًا إستراتيجيًا عاجلًا بإنشاء غرفة عمليات دائمة لإدارة الكوارث، وتعزيز الشفافية مع دول الجوار بشأن سد النهضة، والاستثمار في بنية تحتية تحمي حياة المواطنين.

▪️إن التأخر في هذا المسار لا يعني سوى المزيد من الضحايا والمزيد من الأثمان الباهظة، وهو ما لا يحتمله السودان في هذه المرحلة الحرجة.

*المصدر: أثير نيوز | atheernews.net
اخبار السودان على مدار الساعة