كتب: مصطفي عبدالعزيز ودالنمر حكاوي الجبل – سركاب يا عرين الأسود (2) الأسود – من مدني إلى سركاب ثم الاحتياطي
klyoum.com
أخر اخبار السودان:
توجيهات من البرهان لـ 4 سفراءمدني – يونيو 2023
كان الفجر يتثاءب على مهل، يمد خيوطه الخجولة فوق بيوت المدينة، حين بدأت وجوه غبراء تتسلل إلى معسكر الاحتياطي المركزي بمدني. لم تكن هناك قوافل مزينة بالأعلام، ولا كتيبة شرف استقبال، بل كان هناك وعد صامت اسمه الوطن.
رجال خرجوا من قراهم ومدنهم، بعضهم تخفّى بين الركبان، وآخرون ساروا على الطرقات في صمت، كل خطوة منهم تنبض بالعزم. عند البوابة، كانوا يدخلون واحدًا تلو الآخر، وجوههم تشبه الحصى التي صقلها ماء النهر، وعيونهم كجمر يشتعل تحت الرماد.
في الداخل، كان الشهيد المساعد ميل والشهيد يونس علي يتحركان بلا كلل، يحملان الأواني، ويوزعان الماء والطعام، وكأنهما يطعمان أبناءهما قبل مسير طويل. وفي كرري هناك، وعلى مقربة من الجبل، كان أبناء أم درمان – على سبيل المثال لا الحصر – اللواء معتز، والمقدم وقتها مهند تولا، والمقدم سليمان موسى – يرتبون الأوضاع ويترقبون وصول الأسود إلى عرينهم.
رحلة الشرق والشمال
حين اشتدت المعارك في كل أنحاء البلاد، جاء القرار الحاسم: التحرك إلى سركاب.
في العاشرة مساءً، من ايام ماقبل منتصف يونيو غادرت القوة مدني، عابرة سنار، إلى القضارف وكسلا. هناك، كانت ضربة البداية حين صودرت شحنة سلاح "جيم 3" كانت في طريقها إلى المليشيا بواسطة عصابات تهريب السلاح فكان نعم المغنم . واصلوا السيرحتي وصلو عاصمة الحديد والنار ، وفي عطبرة تم استقبالهم استقبال الفاتحين من إخوتهم الذين كانوقد بدأوا جرعات التدريب للحاق بهم قريبًا، وكان أن وصلوها مع مغيب شمس اليوم التالي، فباتوا بها ليلتهم بها قبل أن يهموا إلى شندي في اليوم التالي. وهناك، كان أيضًا للترحاب طعم خاص، فرحة تسع الدنيا وكرم فياض تم فيها تزويدهم بالمؤن، و المواد التمونية ، والبلح، والمانجو، وكأنها زاد الأرواح قبل الأجساد.
وقبل التحرك تم تحذيرهم باخذ الحيطة والحذر عند محاذاة البكاش وقد كان الطريق محفوفًا بالتحذيرات.وعند جبل البكاش، مضوا في صمتٍ ثقيل حتى لا يوقظوا الأعداء، حتي صلو السروراب حيث كان في مقدمة استقبالهم الفريق الجالي، قائد الكلية وقائد منطقة وادي سيدنا، وما إدراك ما الجالي قائد متسربل لم يجف عرق التدريب من جبينه وهو يقود ام الكلالي قبل أن تلوح في الأفق بوابة سركاب، كابتسامة حارس قديم يرحب بأبنائه العائدين.
في الجانب الآخر، وليست ببعيد عن كل ذلك، كان القائد وربان سفينة جهاز المخابرات العامه الفريق اول مفضل يراقب الإعداد ويتابعه ويراجع تنظيم أوراقه ويعيد ترتيب خطوات إعادة دوران تروس المؤسسة التي أريد لها أن تذوب ليسهل ابتلاع السودان، ولكن هيهات أن يحدث ذلك، وهي ركن السودان وقلبه النابض الذي ظلت تنهش في عظامه المليشيا وأبواق العمالة ليخلو لهم الجو عند وثبتهم لابتلاع السودان.
لكنهم نسوا أو تناسوا وغرّتهم أنفسهم، وظنوا أن ركون الأسد استسلام، ونومه استكانة، ولم يبصروا ذلك إلا حينما زأر الأسد.
ولزئير القائد أصوات تدرك منصاتها، وعهد وميثاق ربّى عليه بنيه من أبناء مؤسسة الجهاز، فكانوا مفتاح الفرج أينما دُفع بهم، وكانوا سندًا وعضدًا لإخوانهم ورفقاء دربهم من القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى.
عودة الأسود
حين دخلت القوة منطقة وادي سيدنا ورأوا سركاب، بدا الجبل كأنه يتهلل. وفي لحظة فارقة من أيام الله الخالدة، وقف خطيبًا الشهيد عمار عبد القادر محنن والدموع تلمع في عينيه: "ها قد عاد الأسود إلى عرينهم". ثم أردف: ونسمي متحركنا متحرك "أسود العرين".
لكن العرين لم يكن كما تركوه… المكاتب والعنابر غارقة في الفوضى، وجثث المليشيا في كل زاوية، وبعض منها كان عنابر للعزل من كورونا، تبدو خاوية إلا من الغبار ورائحة الحرب الثقيلة التي تزكم الأنوف.
باشر المقدم الطبيب خالد والدكتور محمد نور أولى خطوات إنشاء الوحدة الطبية، بينما قاد العقيد سراج – قائد شعبة التدريب – لاحقًا حملة للقضاء على الكلاب الضالة. لم يكن هناك مكتب صالح، فاتخذ القادة ظلال الأشجار مقرًا، ومكانًا للطعام حول صحن يلتفون حوله، ويكابدون ويكتبون وأوراقهم على الركب، وأصواتهم تتحدى الريح.
حياة على الحافة
ينامون على بعض النمر على الأرض، والتحفوا السماء. يتهادون ما بين جرعات التدريب وتجريب السلاح واختباره في مقدمة فصل خريفي، لا تقلق مضاجعهم إلا صافرة الإنذار التي كانت تعني استعدادًا، فأن هجومًا قادمًا على وشك، فيهبّ كل واحد منهم صوب موقعه في الدفاعات، فالمليشيا لم تكن بعيدة في أم درمان.
وبين التدريب الشاق ونقص السلاح، أهدتهم الأقدار مفاجأة: إذ إن قوات حراسة جبل سركاب أسقطت طائرة مسيَّرة، كانت تستطلع المعسكر كاول مسيره تبدا في الحركة في سماء سركاب تتطلب جهدا من نوع اخر تخبرنا به قادمات الايام مع شباب خلص خبرو المسيرات وخبرتهم وفي طريقهم للوصول الي موقع سقوطها عثروا على باب مخزن ذخيرة حول الجبل، كانت أولى صناديق ذخيرته طلقات من سلاح "جيم 3″ نفسه الذي صادرته القوة في كسلا. كأن القدر أعاد إليهم ما انتزعوه من فم العدو.
‘وان تنصرو الله ينصركم "
نداء الاحتياطي المركزي أم درمان
لم يطل الأمر حتى جاء التكليف الجديد: التوجه فورًا إلى معسكر الاحتياطي المركزي بأم درمان، حيث كانت القوة فيه قليلة، والعربات القتالية التي بمعسكر الاحتياطي اثنتان وشبه معطلة.
وعلى مقربة كانت قوات الجيش تعد العدة للتمركز في "حديقة أم درمان الكبرى – ماجيكلاند" وقطع طريق المليشيا نحو وادي سيدنا.
،والقائد اللبيب الشيخ العابد الزاهد، يخرج قواته في يوم عرفة، وما أدراك ما عرفة! ويا لحلاوة الرباط في شهر ذي الحجة، حيث تتعانق تكبيرات الحجاج على صعيد عرفات مع صيحات المقاتلين على ثغور الوطن.
وهي تذكر
قول الشاعر:
> إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
وتردد في صفوفها أناشيد الجهاد التي تلهب القلوب:
> ولسوف يعلم من يلاقي بأسنا
أن الأسود إذا غضبت لا تُقهرُ
هكذا مضت أسود سركاب، بين دعاء المصلين في عرفات، وعزم الرجال على تخوم المعركة، ليصنعوا فصلاً جديداً من حكاية الصمود والفدا
تحرك أسود سركاب بقيادة العقيد أيمن معالي، أول قائد لكتيبة الأسود في الاحتياطي، وبرفقته الشهيد المقدم الشيخ محمد علي الشهير بأبي دقن – بعدد محدود من العربات وناقلة جنود، تئن محركاتها من التعب. لكن حين وصلوا، انفرجت وجوه رجال الاحتياطي كمن رأى الغيث بعد القيظ. كان اللقاء لقاء إخوة فرّقتهم المسافات وجمعتهم المعركة.
من العدم إلى المجد
هكذا، من مدني إلى سركاب، ومن سركاب إلى أم درمان، خطّ رجال "عرين الأسود" فصلاً جديدًا في سفر الحرب.
لم يكن المجد عندهم مجرد كلمة، بل كان عرقًا على الجبين، ودمًا في الميدان، وقسمًا في الصدور. عرفوا أن السلاح قد يفرغ من الرصاص، لكن قلوب الأسود لا تفرغ من الإصرار.
لم تمهلهم المليشيا حتى يرتاحوا من رهق الطريق، ولم تدعهم يستريحون مع صباحات العيد، حتى بدأت أولى الهجمات على الاحتياطي المركزي أم درمان.
ونواصل…