البنك المركزي يعلن سياسات جديدة لإدارة الأزمات المالية والنقدية المتراكمة

رصد – نبض السودان

أعلن البنك المركزي السوداني عن سياسات جديدة لإدارة الأزمات المالية والنقدية المتراكمة، في وقت تنتظر فيه الأوساط الشعبية تحقيق تغيير نوعي في الأوضاع المعيشية والاقتصادية لبداية عهد جديد، على الرغم من تجدد الاضطرابات بالبلاد.

وتستهدف سياسات المركزي تحقيق الاستقرار النقدي والمساهمة في الاستقرار المالي وتبني الحوكمة والنزاهة، ومحاربة الفساد وإدارة المخاطر والالتزام. وتأتي سياسات المركزي للعام 2022 في ظل واقع اقتصادي يتمثل في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ووصول البلاد إلى نقطة اتخاذ القرار في مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، إضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي تمت خلال العام 2021. ودفعت الأوضاع الاقتصادية الحكومات المتعاقبة خلال حكم البشير إلى خيار طباعة فئات نقدية أعلى من المتداولة في السوق لسد الفجوة الكبيرة في التمويل، وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية للبلاد بعد عام من رفع العقوبات الأميركية والتي استمرت لعقدين من الزمن. ولكن اليوم تتجه سياسات المركزي الحالية إلى دعم البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية، بتقوية مراكزها المالية عبر رفع رؤوس أموالها أو العمل على الاندماج الطوعي حتى تتمكن من المنافسة، وذلك في إطار السلامة المالية وتعزيز شبكة الأمان المالي.

ووفق تعميم للمصارف نشرته وكالة الأنباء السودانية الرسمية، فإن الاستقرار النقدي سيتم من خلال تثبيت المستوي العام للأسعار والنزول بمعدل التضخم إلى رقم ثنائي نهاية العام الجاري، بدل نحو 370 في المئة حاليا باتباع عدد من الإجراءات الخاصة.

وتتمثل تلك الإجراءات في ضبط التوسع النقدي وتحجيم دور البنك المركزي والمصارف في تمويل الحكومة، وتعزيز تمويل القطاع الخاص لخدمة القطاعات الإنتاجية الأخرى. وتسعى السلطات النقدية إلى تنمية القاعدة النقدية بمعدل 13 في المئة ونمو المعروض بمعدل 22 في المئة بنهاية العام الجاري، مع توظيف ودائع والقروض من طرف المصارف لتعزيز مساهمتها في المحافظ الاستثمارية، والتي حان أجلها وتُمنع جدولتها أو رسملتها. ويستمر المركزي في الخروج التدريجي من المساهمات الرأسمالية في المصارف التجارية والشركات ومؤسسات التمويل الأصغر، مع التنسيق مع الحكومة لتعديل الإجراءات القانونية التي تساعده في الخروج من مساهماته في رؤوس أموال مصارف التنمية والهيئات العامة. وإلى جانب ذلك سيتم العمل على إحكام التمويل المباشر وغير المباشر المقدم من المصارف والجهات والمؤسسات الحكومية وفقا للضوابط المنظمة، وتوجيه فروع المصارف العاملة بالولايات بتخصيص نسبة 70 في المئة من إجمالي الموارد المستقطبة للقطاعات الإنتاجية داخل كل ولاية. وترمي السلطات من وراء هذه السياسة إلى تشجيع المصارف على إنشاء محافظ تمويلية، والإسهام في تحقيق نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 1.2 في المئة لهذا العام. وللتأكيد على استقرار سوق الصرف سيواصل المركزي في اعتماد سياسة سعر الصرف المرن المدار، ومواصلة سياسة مزادات النقد الأجنبي، وتعظيم موارد النقد الأجنبي وترشيد استخدامه والطلب عليه، مع بناء احتياطات من النقد الأجنبي والذهب مع استعادة وتطوير العلاقات المصرفية الخارجية.

وتشمل أدوات السياسة النقدية الاحتياطي النقدي القانوني، وذلك بالاحتفاظ بأرصدة نقدية لدى المركزي بنسبة 20 في المئة من جهة الودائع الخاضعة للاحتياطي القانوني بالعملتين المحلية والأجنبية. كما تشمل تكلفة التمويل عمليات السوق المفتوحة وعمليات مبادلة وبيع وشراء النقد الأجنبي ودور المركزي كمقرض أخیر. ولا يُعرف على وجه التحديد حجم احتياطي النقد الأجنبي الحالي في السودان، لكن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أنه كان عند مليار دولار في مارس الماضي. ويستنزف الاقتصاد السوداني المعتمد على الاستيراد والذي يعاني عجزا في الميزان التجاري منذ سنين، هذا الاحتياطي. وتراكمت الديون الخارجية إلى أكثر من 55 مليار دولار. وقيّد البنك في إجراءاته الجديدة لجوء كافة المصارف العاملة بالبلاد إلى الاستدانة من المركزي وفقا للضوابط المنظمة، كما حظر على المصارف المتاجرة في العملات الأجنبية وشراء الأسهم والأوراق المالية وسداد عمليات تمويلية قائمة أو متعثرة. وبالإضافة إلى ذلك منعها من الاتجار في رصيد الاتصالات واستخداماته في شراء الأراضي والعقارات وشراء الذهب ومخلفاته والاستيراد، عدا مدخلات الإنتاج الزراعي والسلع الاستراتيجية وفق الضوابط المنظمة، وحظر على المصارف شراء السيارات عدا المسموح بها.

وترى الأوساط المالية السودانية أنه لتحقيق الأهداف يتطلب إحكام السياسات والإجراءات والضوابط والجهود التي تساهم في اندماج الاقتصاد السوداني في الاقتصاد العالمي، وذلك بالالتزام بالمعايير الرقابية وتعزيز الشفافية، مما يساعد على تهيئة البيئة الاستثمارية وانفتاح المصارف السودانية على النظام المالي العالمي. ويُنظر إلى التمويل الأجنبي على أنه طوق نجاة لمساعدة السودان في الفكاك من عقود من العزلة، ودعم التحول الديمقراطي الذي بدأ مع الإطاحة بحكومة عمر البشير في 2019. لكن هذا المسار انقلب رأسا على عقب بعد أحداث الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، حيث علّقت الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية بقيمة 700 مليون دولار، كما أوقف البنك الدولي مدفوعاته بعد أن وعد بتقديم ملياري دولار في شكل منح. وفي فبراير الماضي، عومت الحكومة جزئيا العملة المحلية، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار إلى أكثر من 375 جنيها من 55 جنيها السعر الرسمي قبل التعويم، في مسعى لجسر الفجوة بين السعر الرسمي وأسعار السوق الموازية. وتبع التعويم زيادة سعر الدولار الجمركي (الدولار الذي يبيعه البنك المركزي للتجار بغرض استيراد السلع) في مارس الماضي، من 15 جنيها للدولار إلى 28 جنيها، الأمر الذي أشعل شرارة موجة جديدة من التضخم. وتعويم العملة، إضافة إلى رفع الدعم عن السلع، مطلبان أساسيان لصندوق النقد الدولي، لدعم برنامج إصلاح اقتصادي تنفذه الحكومة السودانية.

شارك: