اخبار السودان
موقع كل يوم -أثير نيوز
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
* قرار إزالة النصب التذكاري الذي وما أثاره من جدل ، بدا وكأنه خطوة لرفع أي التباس يمكن أن يضع القيادة في خانة التأويلات غير الضرورية. وفي التوقيت نفسه، جاء خطاب البرهان ليقدّم ما يشبه 'النصب المعنوي' في الذاكرة السياسية السودانية، امتدادًا لسلسلة من خطابات القادة التاريخيين المحفورة في ذاكرة الوعي الوطني .
* يُعد الخطاب الأكثر وضوحًا وحسمًا منذ بروز اسم البرهان في واجهة المشهد السُوداني ، في انتقال من مساحة الغموض السياسي والتناور، إلى طرحٍ مباشر وشفاف يُحدد المواقف بحسم ، بلا التباس او مواربة ، كانت لغته أقرب إلى المكاشفة مع المؤسسة العسكرية والشعب ، متجاوزًا التعابير الدبلوماسية المعتادة.
* للمرة الأولى، سمّى 'الإمارات' بشكل مباشر في سياق حديثه عن الرباعية، واصفًا إياها بأنها “غير مبرئة للذمّة” طالما بقيت 'أبوظبي' جزءًا منها. وهي عبارة تحمل دلالة سياسية واضحة ،إذ تعيد تعريف الرباعية وتطرح سؤال الثقة والحياد في الامارات عضو الرباعية كمساهم رئيسي وفاعل في الأزمة. هنا، لم يكن البرهان يصدر حكمًا أخلاقيًا، بل تقييمًا لطبيعة دور اختلط فيه موقع الوسيط بموقع الفاعل للحرب .
* الخطاب حمل رسالة إلى الداخل أيضًا، خاصة إلى الجهات التي تدافع عن الرباعية وتروّج لها باعتبارها المخرج الوحيد المتاح. فحديثه عن “عدم براءة الذمة” يضع حدودًا واضحة ، لا يمكن قبول وساطة يتداخل فيها دور الراعي والداعم للتمرد مع دور الداعي للحل. وبذلك، أعاد البرهان ضبط النقاش الداخلي حول الرباعية، نازعًا عنها وعن دُعاتها صفة الحياد والنزاهة .
* أما حديثه عن مسعد بولس وسردية “الإخوان داخل الجيش”، فقد ظهر كرسالة موجهة لواشنطن لوقف اعتمادها على ادوات فاشلة ، روايات مُستهلكة فقدت صلاحياتها ، ولا تعكس واقع المؤسسة العسكرية، وتتقاطع مع خطاب أبوظبي أكثر من تقاطعها مع حقيقة البنية العسكرية السودانية. بدا الخطاب هنا محاولة لإعادة ترتيب العلاقة مع الولايات المتحدة على قاعدة أكثر مباشرة وتعريف وتأكيد ، أن السودان لن يقبل توصيفًا لمؤسساته يستند إلى مواقف أطراف أخرى، ولن يتجاوب مع ضغوط لا تقوم على قراءة واقعية لطبيعة الأزمة.
* كذلك ، ارسال رسالة للميدان ، تؤكد على استعادة المناطق التي دخلها التمرد في كردفان ودارفور وأن العمليات العسكرية تدخل مرحلة جديدة. بالانتقال من الدفاع إلى الاستعادة. أما دعوته للقبائل بعدم الزج بأبنائها مع التمرد، فقد جاءت في سياق سعي لاحتواء النزاع المجتمعي ومنع تمدده القبلي.
* في سياق امتداحه لمبادرة ولي العهد السعودي، بدا أن البرهان يحدد معايير الوساطة المقبولة، تلك التي تراعي استقرار البحر الأحمر والأمن الإقليمي ولا ترتبط بحسابات تزيد من تعقيد المشهد السوداني. وهنا يبرز إدراك واضح لطبيعة المبادرات القادرة على التأثير وتحريك الجمود السياسي بعيدًا عن ضغوط وساطات منحازة.
*_خـلاصـة القـول ومنتهاه_ :*
* لم يكن خطاب البرهان خطاباً تعبوياً عابرًا، بل نقطة تحوّل استراتيجية في طريقة إدارة الملفين السياسي والعسكري. يومٌ أُزيل فيه نصب أثار الجدل، ويومٌ أُزيل فيه — عبر الخطاب — ما هو أكثر تأثيرً بالتباس وغموض في المواقف ، وحدود ما يمكن القبول به في مسارات الحل. وبذلك يكون خطاب البراءة وإبراء الذمة لحظة فاصلة، عكست برهانًا مختلفًا… وأكثر وضوحًا وحسماً من المعتاد.


























