اخبار السودان
موقع كل يوم -الحرة
نشر بتاريخ: ٦ تموز ٢٠٢٢
في قرار مباغت، أعفى قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، الأربعاء، الأعضاء الخمسة المدنيين من عضوية مجلس السيادة الحاكم الذي يرأسه، في خطوة رأتها قوى الحرية والتغيير تأكيدا لسيطرة المكون العسكري على السلطة.
لكن الموالين للجيش يرون عكس ذلك، بينما يواصل السودانيون المناهضون للحكم العسكري اعتصامهم منذ أسبوع في الخرطوم وضواحيها.
بات مجلس السيادة في السودان مشكلا فقط من العسكريين، وعلى رأسهم البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وأعضاء حركات التمرد المسلحة، الذين وقعوا على اتفاق السلام مع الحكومة في جوبا.
خطوة البرهان جاءت بعد يومين من إعلانه نيته حل مجلس السيادة، وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة من الجيش والدعم السريع، وذلك بعد تشكيل حكومة تنفيذية، وذلك بالتزامن مع تحركات احتجاجية للمطالبة بحكم مدني وإنهاء الانقلاب العسكري.
كما أعلن البرهان، الاثنين، أن القوات المسلحة قررت الانسحاب من المفاوضات السياسية الجارية حاليا وحث الأحزاب والقوى السياسية والثورية على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة لاستكمال المرحلة الانتقالية.
لكن خطوة الأربعاء، جاءت قبل تشكيل الحكومة أو إنجاز اتفاق بين المدنيين.
تمسك بالسلطة أم خروج من المشهد السياسي؟
ووصف عادل علي موسى، القيادي بقوى الحرية والتغيير التي تمثل ائتلاف المعارضة الرئيسي في السودان، في حديثه مع موقع 'الحرة'، خطوة البرهان بأنها 'محاولة لذر الرماد في العيون والخروج من الضغط الجماهيري من مظاهرات واعتصامات'، لكنه أكد أن 'الشعب السوداني واع لمحاولات التفاف الجيش على مطالبه'.
ويضيف موسى أنه 'بعد انقلاب 25 أكتوبر أصبحت كل السلطات في يد الجيش، بعد أن ألغى الوثيقة الدستورية وحل السلطة المدنية بداية من الحكومة ولجنة التمكين واعتقل القيادات والنشطاء في انقلاب كامل الأركان'.
وكان البرهان نفذ انقلابا عسكريا في الخامس والعشرين من العام الماضي أنهى به الشراكة بين المدنيين والعسكريين، المتفق عليها بعد اطاحة الجيش بالرئيس السابق عمر البشير، إثر احتجاجات شعبية حاشدة.
ومنذ الانقلاب، قُتل 114 متظاهراً، بينهم تسعة أشخاص سقطوا على يد سلطات الامن في 30 يونيو، حسب لجنة أطباء السودان المركزية المناهضة للانقلاب.
وقال موسى: 'بعد الانقلاب بقرار منفرد منه، دون الرجوع إلى مستند دستوري أو صلاحيات، عين الجيش وزراء من المدنيين، لا ينتمون لأي جهة سياسية معروفة، وكان الجيش فقط يستخدمهم، وعندما انتهت مصلحته معهم استغنى عنهم بقرار وبالتالي فإن الشارع لم يتحرك لعزلهم'.
من جانبه قال الباحث والمحلل السياسي السوداني محيي الدين محمد إن 'المشهد السياسي تم تعقيده بادعاء أن القوات المسلحة هي سبب الأزمة وهذا خلق حالة عداء مصطنعة بين الجيش وقطاع من الشعب، ولم يكن هناك علاج إلا بمسارين، هما تسليم المكون العسكري السلطة لمن يشيطنه، أو يفتح المجال لحوار واسع يشترك فيه الجميع'.
واعتبر محمد، في حديثه مع موقع 'الحرة' أن خطوة البرهان هي 'تعبير من أن الجيش لا يتمسك بالسلطة وأنه لا يريد إدارة البلاد بالقوة الجبرية، مضيفا أنه ترك الأمر للمدنيين للاتفاق بينهم.
وأعلنت 'الآلية الثلاثية' التي تمثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومجموعة دول شرق ووسط إفريقيا للتنمية (إيغاد)، الأربعاء، تعليق 'إجراءات العملية السياسية' لـ'تقريب وجهات النظر بين فرقاء الأزمة السودانية'.
وقال موسى: 'استلمنا خطابات من الآلية الثلاثية فعلا أنه تم إلغاء المسار التفاوضي لانسحاب المكون العسكري'.
وخلال الفترة الماضية، مارست 'الآلية الثلاثية'، ضغوطا لاجراء حوار مباشر بين العسكريين والمدنيين. إلا أن كتل المعارضة الرئيسية، مثل قوى الحرية والتغيير وحزب الأمة، رفضت خوض هذا الحوار.
وقال موسى: 'نحن لم نرفض الحوار، لكننا وضعنا شروطا لتهيئة الحوار مثل إطلاق المعتقلين السياسيين والحريات لم يستجيبوا لها، وبالتالي كنا مستعدين للتفاوض إذا كان يستهدف إنهاء الانقلاب'.
واعتبر موسى أن 'التفاوض قائم أساسا بين المكونين المدني والعسكري وانسحاب أحدهما يعني انه ليس هناك مجال للتفاوض، لأن الصراع ليس بين المدنيين والمدنيين. هو في جوهره، بين الانقلاببين ومن دعموهم من المدنيين، وبين قوى الثورة'.
لكن محمد يقول إن 'انسحاب المكون العسكري لا يعني انتهاء الحوار، وإنما ترك الامر للمدنيين للتحاور بينهم للاتفاق على حكومة ورئيسها، وفكرة أنه يريد السلطة غير حقيقي'.
وهاجم محمد قوى الحرية والتغيير، 'هم رفعوا شعارات، لا شراكة، لا مساومة، لا حوار مع الجيش، فبالتالي انسحب العسكريين وترك المجال للمدنيين يتحاوروا مع بعضهم'.
وقال 'هم يقولون إنهم هم الذين يمثلون المدنيين فقط، ويريدون من الجيش أن يسلمهم السلطة، وهذا عكس رؤية القوات المسلحة التي تريد إشراك الجميع في الحوار'.
ويضيف أنه بعد انتهاء المدنيين من الاتفاق على حكومة، يتبقى أن يشكل الجيش والدعم السريع المجلس الأعلى الذي لم يتحدد اختصاصه بعد، لكن البرهان قال إن مهمته الأساسية ستكون الأمن والدفاع'.
في المقابل يقول موسى إن خطوات البرهان لا تعني إلا أن الجيش وضع نفسه كأنه وصي على الشعب وعلى الجماهير، والمرجعية، هو الآن مرفوض تماما، والمطلوب منه التنحي تماما، ونحن نرفض أي وصاية من الجيش على الشعب وعلى جماهير الثورة
وقال: 'مجلس الأمن والدفاع الذي يريد الجيش تشكيله، حاز بالفعل كل السلطات بداية من البنك المركزي وشركات الجيش، والإشراف على تعيين وزير الداخلية والإشراف على جهازي الأمن والمخابرات والشرطة، ماذا تبقى لرئيس الحكومة إذا'.
3 سيناريوهات
ووضع الباحث محيي الدين محمد، في حديثه مع موقع 'الحرة' 3 سيناريوهات لمستقبل السودان بعد خطوة البرهان.
وقال 'السيناريو الأول، أن تتمكن القوى المدنية من إنجاز اتفاق سياسي وتشكل حكومة ويكون الجيش خرج من الفترة الانتقالية والقوى المدنية استلمت السلطات'.
أما السيناريو الثاني الذي يضعه محمد، فهو أن تعجز القوى السياسية عن الوصول لاتفاق سياسي، ويكون الخيار الآخر هو الدعوة لانتخابات مبكرة ربما في غضون عام أو 18 شهرا.
والسيناريو الثالث، بحسب محمد، فهو حصول انسداد سياسي، 'ويتجه الأمر للفوضى، ونرى بالفعل دعوات حاليا لما يتم وصفه بشرفاء الجيش للتدخل والانقلاب على القيادة، وهذا قد يفتح المجال نحو حرب أهلية'.
ويقول القيادي بقوى الحرية والتغيير، عادل علي موسى: 'كل مطلبنا هو إنهاء الانقلاب، وعودة الجيش إلى الثكنات ويعني هذا عودة القوات المسلحة إلى وضعها الطبيعي والدستوري في حماية البلاد وألا يكون لها علاقة بالعمل السياسي'.