اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
متابعات – نبض السودان
في ظل التحديات المناخية المتزايدة والتوسع الحضري المتسارع، يبرز مشروع بيئي مبتكر يجمع بين التكنولوجيا والطبيعة، ليقدم نموذجًا فريدًا لما يمكن أن تكون عليه المساحات الخضراء في المدن الذكية. إنها «الحديقة الذكية» (Avanade Intelligent Garden)، التي تم الكشف عنها لأول مرة خلال معرض «أزهار تشيلسي» (Chelsea Flower Show 2025) في لندن، قبل أن تُنقل إلى موقعها الدائم في متنزه «ماي فيلد» بمدينة مانشستر البريطانية.
الطبيعة تتحدث بلغتنا
بمبادرة من شركة «أفانادي» وبالشراكة مع «مايكروسوفت»، وبقيادة المصمم البريطاني توم مايسي والمهندسة جي آن، تم تركيب حساسات ذكية داخل التربة وعلى جذوع 12 شجرة، بهدف مراقبة حالة الأشجار بدقة. تتابع هذه الحساسات مؤشرات مثل درجة الرطوبة، الحرارة، الحموضة، جودة الهواء وسرعة النمو. تُرسل البيانات إلى منصة سحابية مدعومة ببرمجيات «أزور» من مايكروسوفت ونموذج GPT، لتُحوّل البيانات إلى رسائل مفهومة بلغة الإنسان عبر تطبيق «تري توك» (Tree Talk)، مما يتيح للمستخدمين طرح الأسئلة على الأشجار والحصول على إجابات فورية.
حلول ذكية لمشكلة خفية
لا يأتي هذا المشروع في إطار الرفاهية التقنية، بل استجابة لمشكلة بيئية حقيقية: إذ تشير الإحصائيات إلى أن 30٪ من الأشجار الحضرية تموت خلال السنة الأولى من زراعتها، بينما تختفي 50٪ منها خلال عقد واحد فقط. تسعى الحديقة الذكية لتقليل هذه النسبة من خلال تمكين التفاعل المبكر مع الأشجار وتقديم رعاية استباقية.
في تجربة عرض حي، سأل أحد الصحفيين شجرة عن حالها، فأجابت: «الأمور عادية، درجات الحرارة والرطوبة ضمن المستوى المطلوب، وجذوري تتوطد». بينما أبدت شجرة أخرى حاجتها لمزيد من المياه بسبب تباطؤ في النمو.
بنية ذكية وتصميم مستدام
يمتد الذكاء ليشمل تصميم الحديقة ذاته، حيث استُخدم فطر الميسليوم القابل للتحلل لتشييد الأروقة، وتم بناء الوحدات بطريقة قابلة للفك والتركيب لتسهيل نقل الحديقة دون إنتاج نفايات. كما أُعيد تصميمها لاحقًا لتتناسب مع موقعها الجديد في مانشستر، لتصبح نموذجًا دائمًا لما يُعرف بـ«الحدائق الذكية الحضرية».
تقنيات منخفضة الاستهلاك
تعتمد الحديقة على نموذج لغوي صغير (LLM) بدلاً من النماذج العملاقة، لتقليل استهلاك الطاقة مع الحفاظ على دقة التفاعل وسرعته. كما تضم نظامًا بيئيًا متكاملًا يشمل كاميرات لرصد الحشرات المُلقِّحة، وتحليلات مناخية فورية، وإشعارات بخصوص الري والتقليم والإجراءات الوقائية الأخرى.
الذكاء الاصطناعي في خدمة البيئة
تشكل الحديقة الذكية نموذجًا عمليًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تعزيز الاستدامة داخل المدن. حيث يمكن للمخططين الحضريين وفرق الصيانة اتخاذ قرارات دقيقة استنادًا إلى بيانات حقيقية، لحماية الأشجار وتحسين الصحة البيئية العامة. يقول المصمم توم مايسي: «لسنا هنا لنحل محل الطبيعة، بل لنساعد على فهمها وحمايتها».
في النهاية، تُجسد «حديقة أفانادي الذكية» رؤية بيئية ملهمة، وتفتح الباب أمام مدن أكثر وعيًا، حيث تصبح الطبيعة شريكة فعلية في الحوار الحضري، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي.