ثورة حليب الإبل تحسن التغذية وتخلق فرص عمل في الصومال
klyoum.com
أخر اخبار الصومال:
غلوبال فايننس تنشر قائمة بأفقر دول العالمعمليات التطوير والتوسيع شملت أيضاً تشييد مصنع لبن زبادي
على مر أجيالٍ متعاقبة، شكلت الإبل ركناً أساسياً في ثقافة الرعي الصومالية، إذ وفرت لها الغذاء والنقل، كما تميزت بحضور راسخ في التراث الشعبي المحلي. والآن، على أطراف العاصمة ذات الطرقات الترابية، تقود هذه الحيوانات المبجلة ثورةً زراعيةً على وشك إعادة تشكيل الزراعة الصومالية.
مجرد زيارة حديثة لمزرعة بيدر للإبل، إحدى مزارع الإبل المتنامية قرب مقديشو، كافية لأن تمنحنا لمحة عن هذا التحول. هنا رأينا عشرات الإبل تتهادى عبر المراعي الرملية، بعضها يرعى بسعادة العلف الطازج تحت أنظار الرعاة اليقظة. وداخل حظيرة قريبة، كان العمال يحلبون الإبل بدقة لا متناهية، ويجمعون الحليب الرغوي في حاويات معقمة. ويغذي الطلب المتزايد على حليب الإبل موجة جديدة من رواد الأعمال المحليين، الذين يدركون الإمكانات التجارية غير المستغلة حتى الآن لهذا المورد التقليدي.
تُعد الصومال موطناً لأكثر من 7 ملايين جمل - أكثر من أي دولة أخرى على وجه الأرض - ولكن جزءاً صغيراً فقط من هذا الحليب يصل إلى رفوف متاجر البقالة الحضرية، وفقاً للتقديرات الصادرة عن هذا القطاع.
وفي قلب هذا التحول نحو نهج حديث لإنتاج حليب الإبل، يقف الدكتور عبد الرزاق مير هاشي، الطبيب البيطري ومدير المزرعة. بالنسبة له، لا يقتصر الأمر على الربح فحسب، بل يتخطاه أيضاً إلى الحفاظ على التراث مع احتضان التقدم وتلقف التطور.
وفي هذا السياق، يقول هاشي لوكالة "أسوشيتد برس" (أ ب) فيما يتفقد قطيعاً من الإبل الحلوب "يفخر الصوماليون بتراثهم في تربية الإبل. ومع ذلك، فقد تغيرت طريقة تربيتها بشكل كبير مع مرور الزمن".
تنتج كل ناقة في بيدر ما يصل إلى 10 ليترات من الحليب يومياً، أي ضعف ما ينتجه الرعاة التقليديون عادةً. وتُعزى هذه الزيادة إلى الاستثمارات الجديدة في الرعاية البيطرية، وتحسين الأعلاف، وتطبيق أساليب الحلب الحديثة. كما يتم تفحص الإبل بانتظام من قِبل الأطباء البيطريين، وتُمنح مكملات غذائية، وتُربى على أعلاف مُعدة علمياً، وهو ما يختلف تماماً عن قطعان البدو الرحل التي كانت تجوب المنطقة في العقود الماضية.
وفي سياقٍ متصل، يقول جاما عمر الرئيس التنفيذي لمزرعة بيدر للإبل: "كنا من أوائل من أسسوا هذا النوع من المزارع عام 2006، حين لم يكن أحد يعلم بوجود إنتاج تجاري لحليب الإبل".
وأضاف "دخلت مزارع أخرى السوق منذ ذلك الحين، لكننا نستحوذ حالياً على نحو 40 في المئة من حصة السوق". وأردف قائلاً: نوظف ما يقارب 200 موظف بدوام كامل. إضافة إلى ذلك، نستعين بعمال موسميين خلال فترات الذروة كالزراعة والحصاد".
ولعل القفزة الأكبر التي حققتها المزرعة تمثلت في إنشاء مصنع الزبادي أو اللبن- وهو الأول في الصومال المخصص لمعالجة حليب الإبل وتحويله إلى زبادي.
داخل المصنع، يُشرف عمالٌ مرتدين معاطف بيضاء على أحواض الفولاذ المقاوم للصدأ، حيث تتم عملية تخمير الحليب الطازج وتعبئته. ويُباع المنتج النهائي تحت علامة بيدر التجارية، التي تُطرح حالياً في متاجر السوبرماركت الحضرية في أنحاء مقديشو.
وفي هذا الإطار، يقول نيلسون نجوكي جيثو، وهو مهندس أغذية من مواليد كينيا ويشرف على خط الإنتاج، إن زبادي حليب الإبل ليس مجرد منتج جديد، بل إنه يملأ فجوة غذائية مهمة للمستهلكين المحليين.
ويشرح قائلاً: "إن أهم فائدة لحليب الإبل مقارنةً بحليب البقر هي انخفاض مستويات اللاكتوز فيه. ويمكن للأشخاص الذين يعانون من حساسية اللاكتوز تناوله من دون أي مشكلة. كذلك فإن مستويات الفيتامينات فيه أعلى، وبخاصة فيتامين "سي" والحديد والزنك، مقارنةً بحليب البقر".
من جهته، يرى أخصائي التغذية الدكتور يحيى شول أن الزبادي المصنوع من حليب الإبل يعد تعزيزاً للصحة العامة في بلد لا يزال سوء التغذية فيه يشكل فيه تحدياً بارزاً"، وقال: "لبن الإبل غني بالمغنيسيوم والكالسيوم، اللذين يدعمان صحة العظام. إضافة إلى ذلك، يحتوي على فيتامينات ’ب 12‘، ’سي‘ و’دي‘. كما يحتوي على بكتيريا جيدة تُعرف باسم ’بروبيوتيك‘، وهي مفيدة لصحة الأمعاء".
وقد ساعدت هذه المزايا منتجات الزبادي في بيدر على التميز في سوق الألبان الذي يشهد منافسة شديدة على نحو متزايد في مقديشو.
وأخبرنا هاشي أن الخطوة التالية تقضي بتوسيع نطاق العمل. ويأمل في توسيع شبكة نقاط جمع الحليب التابعة لبيدر خارج مقديشو، كذلك يعتزم تدريب الرعاة في المناطق النائية على أساليب الحلب الحديثة وممارسات النظافة الصحية، بما يسمح بإنتاج المزيد من الحليب وبيعه بأمان. وأضاف: "إذا تمكنا من تحديث طريقة تربية الإبل والتعامل مع الحليب، فسوف نتمكن من خلق فرص العمل وتحسين التغذية وتعزيز عامل الفخر بمنتجاتنا المحلية".
فضلاً عن ذلك، تشجع الحكومة الصومالية على القيام بمزيد من الاستثمارات في هذا القطاع.
وقال الدكتور قاسم عبدي معلم، مدير الصحة الحيوانية في وزارة الثروة الحيوانية الصومالية: "فوائد حليب الإبل لا تُحصى. في دول مثل الإمارات العربية المتحدة، يُستخدم حليب الإبل أيضاً في إنتاج مستحضرات التجميل. يجب على الصومال أن تواكب هذا التقدم وتطور سلسلة التوريد والإنتاج بأكملها".
وتابع بأن الدعم الحكومي يتزايد، مع إصدار قانون الألبان واستراتيجية لتنمية قطاع الثروة الحيوانية. وأضاف "يجري العمل أيضاً على وضع خطة استثمار رئيسة".
بالعودة إلى الحظيرة، يمتد صف من الجمال تحت أشعة الشمس الذهبية في فترة ما بعد الظهيرة. خطواتها الثابتة والصبورة تذكرنا بأن التقدم في الصومال يتحرك في كثير من الأحيان رويداً رويداً تماشياً مع وتيرة التقاليد– ببطءٍ ولكن بثباتٍ يصعب إيقافه.
من القوافل القديمة التي عبرت الصحاري إلى رفوف المتاجر الكبرى المليئة بالزبادي، تستمر رحلة الإبل الصومالي في ملء الكوب تلو الآخر.