اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
د. بدر بن سعود
يوجد مؤشر يقيس التنمية البشرية في كل دولة، ويستند إلى عوامل كالتعليم ومتوسط الحياة المتوقعة ومعدل الدخل، وكلها تعطي تصورًا عن تطورها، وفي المقابل هناك خريطة تقسم العالم بحسب معدل الخصوبة الكلي، وعند النظر إليهما معًا سنلاحظ أن الدول الأكثر تطورًا أقل في معدل الولادات، وأنه كلما ارتفع الناتج المحلي في الدولة قلّت فيها الولادات..
سجلت المملكة في 2023 تراجعاً في أعداد المواليد وصل إلى 67 %، مقارنة بأرقام 1950، وذلك بحسب بيانات الأمم المتحدة، فقد كانت في حدود سبعة مواليد لكل سعودية في الخمسينات الميلادية، وأصبحت لا تتجاوز طفلين لكل سعودية حالياً، والسابق يمثل الحد الأدنى لنسبة الإحلال، بمعنى أنه حتى تستمر أرقام السكان بدون زيادة، فلابد من تساوي أعداد الوفيات مع الولادات، وأن ينجب الوالدان من يحل محلهما في سوق العمل، عند التقاعد أو الوفاة، وفي كوريا الجنوبية واليابان يمثل شح المواليد هماً وطنياً مؤرقاً، والأولى تعتبر الأقل عالمياً في عدد المواليد، والأوربيون أجبروا على الاستعانة بالمهاجرين لتعويض النقص في القوة العاملة، نتيجة لارتفاع نسبة كبار السن والمتقاعدين، وبحسب مفوضية الشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي، يوجد في دول الاتحاد قرابة 87 مليون مهاجر، يستثمرون في هذه الفجوة الديموغرافية، ما قد يؤدي لإشكالات معقدة، أو ربما تنازلات مؤلمة في المستقبل.
بعض المختصين السعوديين يحيل تراجع الولادات في المجتمع السعودي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وقلة الوظائف ذات الدخل الجيد، أو يربطونه بتعليم المرأة ودخولها الواسع لسوق العمل، والعلاقة عكسية، وهو ما يفسر ارتفاع الولادات في الخمسينات، عندما كانت المرأة تنحاز لواجباتها الزوجية والعائلية، وتراجعه في الألفية الجديدة بسبب تعلم المرأة وانشغالها بالوظيفة، مع ملاحظة أن التأخر في الزواج قد يقلل من فرص الإنجاب، فالمتفق عليه طبياً ان احتمالية حدوث الحمل في سن 38 ينخفض بنسبة 90 %.
فكرة خفض الولادات بدأها بول إيرليك، أستاذ الأحياء في جامعة ستانفورد الأميركية، وكان هذا في كتابه 'القنبلة السكانية'، الذي نشره عام 1968، وفي أيامه لم يكن عدد السكان يتجاوز ثلاثة مليارات ونصف المليار، وقال: إن زيادة سكان العالم ستؤدي لحدوث مجاعات ضخمة، ولن يكون هناك بيوت كافية لهم، أو طاقة تستوعب احتياجاتهم، واقترح إقرار تشريعات تمنع الولادات، واستناداً لقوله فإن عدد السكان قبل 1650 كان يتضاعف كل ألف عام، وما بين عامي 1650 1850، أو خلال مئتي عام، زاد بمعدل الضعف، وفي الثمانين عاماً التالية تضاعف مجدداً، وتكرر الأمر في الـ35 عاماً التي أعقبتها، واستنتج أن المدة الزمنية التي يتضاعف فيها سكان الأرض تقل كلما تقدمت الأعوام، إلا أنه وبعد مضي 57 عاماً على كلامه، ووصول التعداد السكاني العالمي لثمانية مليارات و20 مليوناً، ثبت بالدليل أن توقعه لم يكن موفقاً، وهذا لا ينفي تأثير كتابه على تراجع الولادات العالمية.
في دراسة نشرتها الأمم المتحدة مؤخراً، وُجد أن مستوى الإحلال في 2023 لأكثر من 66 % من دول العالم لم يصل إلى طفلين لكل أسرة، بينما كان المتوسط العالمي في 1950 خمسة أطفال، والاختلاف ما بينهما هو في تمجيد مجتمع الخمسينات للمرأة الأم والزوجة، والتغير لم يحدث إلا بعد ظهور حبوب منع الحمل في 1960، ومعها الحركة النسوية، وربط التقدم الوظيفي بتأجيل الولادات أو إلغائها، وعلى سبيل المثال، ما بين عامي 1914 و2024، ارتفعت في بريطانيا نسبة النساء العاملات، من 23 % إلى 70 %، وتراجعت الولادات بشكل ملحوظ، بخلاف أنه في 2024 قدر البريطانيون أن تربية الطفل من الولادة إلى عمر 18 عاماً تكلف حوالي 260 ألف جنيه إسترليني، والمبلغ لا يناسب متوسطي الدخل، ولا أعتقد أنه يختلف كثيراً، وبالأخص في الدول الغنية، بما فيها دول الخليج وفي مقدمتها المملكة، إلا أن الخليجيين أقدر على التعامل معها وتجاوزها بفاعلية، لارتباط المسألة بالجانب الديني الحاضر في الذهنية الخليجية.
انخفاض الولادات لا يؤدي بصورة مباشرة إلى تراجع أعداد السكان، وإنما سيجعلهم مع الوقت من كبار السن، وهذا سيؤثر على اقتصاد الدولة، وكوريا الجنوبية، مثلاً، تعتمد بشكل أساسي على الصناعة، وخصوصاً على شركتين عملاقتين، وكلاهما يشتكي من قلة اليد العاملة، ومن عدم وجود أشخاص مناسبين لتوظيفهم، وساعات العمل فيها تعتبر الأعلى عالمياً، ومتوسط الأعمار في كوريا الجنوبية 45 عاماً، وستجبر حتماً على استقدام قوة عاملة من خارجها.
يوجد مؤشر يقيس التنمية البشرية في كل دولة، ويستند إلى عوامل كالتعليم ومتوسط الحياة المتوقعة ومعدل الدخل، وكلها تعطي تصورًا عن تطورها، وفي المقابل، هناك خريطة تقسم العالم بحسب معدل الخصوبة الكلي، وعند النظر إليهما معًا، سنلاحظ أن الدول الأكثر تطورًا أقل في معدل الولادات، وأنه كلما ارتفع الناتج المحلي في الدولة قلّت فيها الولادات، والشاهد أن معدل الولادات قياسي في أفريقيا، وواحدة من دولها، أو النيجر تحديداً، تعتبر الأعلى عالمياً في معدل الولادات، إلا أنها، وفي الوقت ذاته، الأسوأ في الناتج المحلي الإجمالي، والأشخاص اليوم، بمن فيهم السعوديون من الجنسين، يهتمون بتحقيق ذواتهم أكثر من الزواج والإنجاب، ولعل الثابت هو استمرار الزيادة السكانية، ووصولها إلى عشرة مليارات في 2058، وما سيحدث بعد ذلك لا يعلمه إلا من قدّره.










































