اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥
د. عصام أمان الله بخاري
يُحكى في قديم الزمان أن وزيراً وراهباً اجتمعا، نظر الوزير إلى حالة الراهب المتواضعة وملابسه الرثة فقال له في لهجة المستهزئين: 'لو كنت تعلمت وعرفت كيف تحوز على رضا الحاكم، لما عانيت في حياتك ووجدت نفسك مجبراً على أن تعيش على الأرز والبقوليات!'، تبسم الراهب في هدوء ونظر إلى الوزير وقال له: 'لو كنت تعلمت وعرفت كيف تعيش على الأرز والبقوليات لما عانيت ووجدت نفسك مجبراً على نيل رضا الحاكم!'. يضرب البعض المثل بهذه القصة في أن القوة الحقيقة ليست بالقوة والمال والجاه ولكن في الحرية والقناعة.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: 'هل هذا المنطق صحيح فعلا؟'، ربما تبدو الحكاية معبرة في سياقها من وجهة نظر الراهب، ولكن لو فكرنا قليلاً فمن الذي يستطيع أن يجزم أن الوزير كان يعاني؟ بالعكس ربما كان الرجل يستمتع بعمله وأداء مهامه ويستشعر عظم الرسالة التي يؤديها بكل شغف ورضا وسعادة في خدمة رئيسه، وبالنسبة للراهب الذي كان مستمتعاً بالأرز والبقوليات وله كامل الحق في ذلك، فمع الموافقة الضمنية بأنه كان سعيداً ولكن لا يمكن تعميم حالته على الجميع.
والأمر نفسه ينطبق دون شك على الوزير، فلا يمكن الجزم بأن جميع الرؤساء قادة منصفون وداعمون والعكس صحيح.
ما أحاول قوله هنا إنه ربما كان الوزير على حق وربما كان الراهب على حق، ولكن يظل الفيصل هو نظرة كل شخص وقناعاته وطموحه، فمن ناحية، فالحرص المبالغ فيه على المناصب والجاه وخوض الحروب والنزاعات لأجلها ليس بالأمر الصحي على الإطلاق، بل هذه الممارسات مدعاة إلى الاكتئاب والهم والغم إذا أحكمت على صاحبها وشغلت باله وتفكيره. وبالمقابل، ومع أن الزهد فيه جوانب حسنة إلا أن انعدام الطموح والاتكالية وعدم السعي للرزق وتطوير الذات وتحسين الظروف ليس بمحمود أيضاً.
في عالم القيادة، لن تنجح المنظمة بمدير يفكر بعقلية الراهب فقط ولا بعقلية الوزير فقط، الفن والمهارة هو تكييف الأدوات وأسلوب التفكير حسبما يقتضيه الموقف والمصلحة.
في مواقف لا بد أن يمتلك المدير القدرة على التواصل الفعال مع رؤسائه وأصحاب المصلحة والشركاء والزبائن ويحوز على رضاهم أو على الأقل يصل لمستوى من التفاهم والتنسيق معهم بما يخدم مصلحة المنظمة. وفي مواقف أخرى، لا بد للمدير أن يكون قنوعاً بعيداً عن الجشع والأنانية والطمع باحثاً عن السعادة الداخلية والرضا بعيداً عن النظرة المادية للأمور.
وختاماً، جميل أن تسعى بشغف وطموح وهمة خلف النجاحات المادية والمناصب والجاه، ولكن الأجمل أن يقترن ذلك بنية صادقة لأن يكون ذلك لخدمة المجتمع وصناعة أثر إيجابي وسعي حقيقي للنجاح في يوم الحساب.










































