قمتان للصين مع العرب والخليجيين.. هل تأخذ بكين دور واشنطن؟

أشرف كمال - الخليج أونلاين

متى ستعقد القمة العربية الصينية والقمة الخليجية الصينية؟

أوائل الشهر المقبل.

ما أهداف القمتين؟

تعزيز العلاقات والتعاون بين الأطراف.

هل تصل العلاقات الصينية العربية أو الخليجية إلى الشراكة الاستراتيجية؟

من غير المتوقع لأن علاقات الصين مع إيران أقوى بكثير.

شهد العقد الأخير تطوراً كبيراً للعلاقات الصينية العربية عموماً والعلاقات الصينية الخليجية على وجه الخصوص، حيث يواصل الأطراف جهودهم لتوطيد الشراكة رغم ما يكتنف هذه الطموحات من عقبات.

وتعطي الصين أولوية لهذه المنطقة بسبب وفرة مواردها الطبيعية وسوقها التجاري الهائل وموقعها الاستراتيجي؛ فيما تحاول الدول العربية فتح قنوات مع دولة عظمى أخرى غير الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الوقت الذي تخيم فيه أجواء التوتر على العلاقة بين الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية وخصوصاً السعودية؛ فإن العديد من الأسئلة تطرح نفسها بشأن القمتين: الصينية العربية والصينية الخليجية، المرتقبتين.

وسيجري عقد القمتين في المملكة العربية السعودية أوائل الشهر المقبل، حيث من المتوقع أن يحظى الرئيس شي جين بينغ، باستقبال أسطوري، وفق ما نقلته 'الغارديان' البريطانية عن مصادر في أغسطس الماضي.

علاقات تجارية متنامية

ومنذ الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق الصينية، اكتسب غرب آسيا أهمية جديدة كحلقة وصل بين الصين والقارات الثلاث القديمة في العالم.

ويعكس حجم التبادل التجاري المتزايد بين العالم العربي والصين، تقارباً كبيراً بين الجانبين، حيث بلغت التجارة البينية الصينية العربية 266.4 مليار دولار خلال 2020، بزيادة قدرها 15 ملياراً عن 2019.

واستوردت الصين ما قيمته 146 مليار دولار بضائع من الدول العربية، بزيادة قدرها 4.8% عن 2019، فيما زادت صادرات بكين للعرب خلال 2020 بنسبة 14.7% وصولاً إلى 120.4 مليار دولار.

إلى جانب ذلك، وقعت بكين العديد من الاتفاقيات مؤخراً مع دول بينها السعودية وقطر، ما يعكس إصراراً كبيراً على توسيع الشراكة التي لا تروق لواشنطن بلا شك.

ففي نوفمبر الجاري، وقعت قطر اتفاقاً لتزويد الصين بالغاز المسال لمدة 27 عاماً، هذا إلى جانب 12 اتفاقية مع السعودية (عام 2019)، بقيمة 28 مليار دولار، وضخت 'أرامكو' 10 مليارات دولار في مجمع للنفط والبتروكيماويات ببكين.

الإمارات أيضاً وقعت خلال 2019 أكثر من 12 اتفاقية تجارية ونفطية وبيئية مع الصين، كما قدمت شركة 'إعمار' 11 مليار دولار لبناء منطقة سكنية وترفيهية بالقرب من مطار بكين داشينغ الدولي.

وقفزت شحنات النفط السعودي الواردة إلى الصين في أكتوبر الماضي، بنسبة 12% مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2021، لتحافظ المملكة على مكانتها كأكبر مورد للنفط إلى بكين، التي تستورد 20% من نفطها من العراق أيضاً.

نفوذ اقتصادي وليس عسكرياً

لا تظهر الصين رغبة في الانخراط العسكري بالمنطقة العربية على غرار الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين يملكون 13 نقطة تمركز بالمنطقة، إلا أن حضورها الاقتصادي والسياسي، يبدو لافتاً.

ولا تمتلك الصين حضوراً عسكرياً في المنطقة العربية باستثناء محطة لوجيستية في جيبوتي، ووفقاً لما نشرته 'وول ستريت جورنال' في نوفمبر 2021، فقد أوقفت واشنطن قاعدة كانت بكين تقيمها في أبوظبي.

كما جرى الحديث العام عن مشروع سعودي ضخم للصواريخ الباليستية المصنوعة في الصين، ولم يعرف مصير هذه الصفقة بعدما تدخلت واشنطن بقوة لصرف نظر الرياض عنها.

لكن السجال المتصاعد بين بكين وواشنطن بشأن تايوان، وبين واشنطن والرياض بسبب إنتاج النفط، وبين الولايات المتحدة والعديد من الدول العربية مثل مصر والسودان وتونس وغيرهم بسبب قضايا حقوق الإنسان، يغذي العلاقات العربية الصينية بشكل أو بآخر.

وتذهب غالبية التحليلات إلى أن الصين لا يمكنها سحب البساط من تحت الولايات المتحدة في المنطقة بسهولة، فضلاً عن أن العرب أنفسهم ليسوا مستعدين للتخلي جملة عن الدعم الأمريكي العسكري والسياسي، لكن هذا لا يعني عدم وجود هامش للمناورة على الأقل.

حضور استثماري

في الفترة ما بين 2004 و 2018 ، استثمرت الصين ما مجموعه 224.3 مليار دولار في المنطقة العربية. وجاء أكثر من ثلثي مساعدات الصين للدول العربية في عام 2018 على شكل قروض.

وذهب 90.6 مليون دولار من هذه الأموال إلى أربع دول هي سوريا واليمن والأردن ولبنان. كما تقلت مصر 3 مليارات دولار من بكين لبناء 8 بنايات فخمة في العاصمة الإدارية الجديدة التي تقيمها شرق القاهرة.

ومن المتوقع أن تساعد مبادرة الحزام والطريق في تعزيز العلاقات العربية الصينية، وقد وقعت 18 دولة عربية اتفاقيات مع الصين للمشاركة في هذه المبادرة، بينما يضم البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) 9 أعضاء عرب.

كما وقعت وكالة الطاقة الذرية الصينية والوكالة العربية للطاقة الذرية اتفاقيات لإنشاء مركز تدريب للاستخدام السلمي للطاقة الذرية في المنطقة العربية مع منظمة تنمية وتعاون الطاقة العالمية في الصين.

حماية الاستثمارات

تشير البيانات إلى أن المنطقة العربية هي واحدة من أكثر المناطق الجيوسياسية غير المستقرة في العالم اليوم، وهو ما يجعل بكين قلقة بشأن الانخراط التجاري والاستثماري في المنطقة، كما يقول معهد 'مودرن دبلوماسي' الأمريكي.

وفي تقرير نشره في 19 أغسطس الماضي، قال الموقع الأمريكي إن الصين ربما تواصل الاعتماد على التأثير، بعيداً عن التورط في المنطقة، مشيراً إلى أن ربما تلجأ للتأثير القسري لاحقاً.

ويرى الموقع الأمريكي أن مخاوف الصين من عودة الجماعات المسلحة بما يهدد مصالحها في العراق وسوريا وربما مصر، تدفعها لتأمين استثماراتها ومناطق توريد النفط لها بالعالم العربي.

وزادت بكين الإنفاق على الدفاع والأمن الداخلي من 84.6 مليار دولار في 2010 إلى 293.35 ملياراً في 2021، وهذا الرقم لا يشمل الطائرات والبوارج الحربية.

ورغم حالة الحياد العسكري التي تبديها الصين في العالم العربي عموماً، إلا أن تبني فكرة وحدة الدولة الصينية ووصل قبائلها بدلاً من بناء السور في وجه الغزاة، قد يدفع بكين لحماية مصالحها في بلاد العرب حتى لو استدعى ذلك تدخلاً عسكرياً مباشراً، وفق 'مودرن دبلوماسي'.

وفي 18 نوفمبر الجاري، حذر كولن كال نائب وزير الدفاع الأمريكي، خلال مشاركته بمنتدى المنامة، شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من جعل التعاون مع الصين في القضايا الأمنية وثيقاً للغاية، وقال إن هذا المستوى من التعاون قد 'يضر' بتعاونهم مع واشنطن.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إن الولايات المتحدة لا تطالب الدول بعدم التعامل مع الصين وإنما تقدم لهم ما يجعلهم يفضلون التعامل معها بدلاً من بكين.

علاقة مؤقتة

المحلل السياسي العراقي ناصر الدريد، قال إن هاتين القمتين تعسكان حالة التضارب في نظرة العرب والخليجيين للعلاقة مع الولايات المتحدة والتي يجب أن ينظر لها من منظور الحليف الاستراتيجي الذي يمكن العتب عليه ولكن ليس استبداله، وهما تحملان شيئاً من 'المكايدة'  أو الاستفزاز لواشنطن.

وفي تصريح لـ'الخليج أونلاين'، إن العلاقات الصينية العربية والخليجية أيضاً قصيرة المدى وربما تكون مكايدة سياسية في جزء منها؛ لأن بكين ليست مؤهلة لأن تحل محل الولايات المتحدة عربياً وخليجياً.

وأضاف 'الصين تمتلك علاقات وطيدة مع إيران، وربما تستبدل النفط العربي بالروسي مستقبلاً لتعزيز تحالفها الاستراتيجي مع موسكو، فضلاً عن أنها آخر دولة في العالم يمكنها تقديم خدمات للعرب في الوقت الراهن على الأقل'.

ويرى الدريد، أن العرب يفهمون هذه الوضعية لكنهم يعتبون على واشنطن عدم تقديم الدعم الكافي لمواجهة إيران؛ وعدم جديتها في التصدي لنهج طهران للمنطقة؛ بينما الصين حليفة إيران ولا تأخذ منها أي موقف'.

وخلص المحلل العراقي إلى أن العلاقة الصينية العربية والخليجية لا يمكن أن تصل للتحالف الاسترايتيجي، ويمكن اختصارها بأنها 'علاقة نفطية' مؤقتة ستتراجع مستقبلاً على الأرجع لصالح روسيا، ما يعني أن المنطقة العربية ستعود مجدداً للتعاون مع دول الغرب.