اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة سبق الإلكترونية
نشر بتاريخ: ٩ كانون الأول ٢٠٢٥
أكدت المستشارة في الصحة النفسية الدكتورة هند الصفيان أن الذكاء الاصطناعي شهد خلال سنوات قليلة تحولًا لافتًا؛ فبعد أن كان مجرد أداة للبحث والكتابة، أصبح اليوم رفيقًا يوميًا لدى كثير من الشباب والفتيات، يتحدثون معه، ويشاركونه أفكارهم، ويستقبلونه كصديق حقيقي. وأضافت أن بعضهم بات ينادي هذه الأنظمة بأسماء بشرية، ويُظهر تعلقًا عاطفيًا واضحًا وكأن بينهم علاقة إنسانية مكتملة.
وتوضح الصفيان أن الإنسان حين يطيل الجلوس في وحدته يبحث بالفطرة عن أي صوت يمنحه الشعور بالحضور والانتباه، وحين يجده في تطبيق ذكي يشعر أن فراغه بدأ يمتلئ. إلا أن هذا الامتلاء — رغم ما قد يبدو عليه من راحة في البداية — يظل مؤقتًا وخادعًا.
الصوت الاصطناعي… ووهْم الطمأنينة
تشير الصفيان إلى أن المحادثات الصوتية تُعد الأكثر خطورة في تعزيز التعلق، لأن الصوت القريب والنبرة الهادئة يمنحان إيحاءً بالحضور الإنساني الحقيقي. ويتعامل العقل الباطن مع هذا الصوت كما لو كان شخصًا موجودًا فعليًا، ليتحول الارتباط من محادثة رقمية إلى شعور نفسي عميق.
وتصنف علوم النفس هذا النوع من العلاقات ضمن العلاقات شبه الاجتماعية؛ وهي علاقة من طرف واحد يشعر فيها الفرد بارتباط عاطفي مع كيان غير حقيقي. هذا الارتباط — كما تؤكد — يمنح طمأنينة مزيفة لا تساعد الإنسان على مواجهة واقعه، وإنما تخدّره عن التعامل مع مشاكله الأساسية.
العلاقة مع الآلة… متى يبدأ الخطر؟
توضح الدكتورة الصفيان أن الذكاء الاصطناعي يقدم في البداية شعورًا سريعًا بالقبول وتخفيف الضغط النفسي، لأنه يستمع في كل وقت وبلا شروط. لكن الخطر يظهر مع مرور الوقت؛ حيث يصبح هذا النمط من التفاعل وسيلة للهروب من العلاقات الواقعية، ويضعف المهارات الاجتماعية، ويجعل المراهق أو الشاب أقل تقبلاً للاختلاف والرفض.
وتشير دراسات نفسية إلى أن الإفراط في هذا النوع من التواصل قد يزيد من أعراض القلق والاكتئاب، فبعد انتهاء المحادثة يعود المستخدم إلى واقعه كما هو، وربما يشعر بفجوة أكبر بين عالمه الحقيقي، والعالم “اللطيف” داخل التطبيق.
الأسرة أمام زحف الرفيق الرقمي
ترى الصفيان أن المجتمع يشهد اليوم حساسية أسرية متزايدة عندما يصبح أقرب صديق للابن ليس أحد أفراد أسرته، بل رفيقًا افتراضيًا. وتُعد هذه الظاهرة — برأيها — مؤشرًا على فجوة حوار داخل البيوت، وحاجة ملحّة لإعادة بناء التواصل الأسري بوعي ومسؤولية.
وتحذر من أن العلاقة مع كيان غير بشري لا تعلّم المراهق حدود العلاقات السليمة، ولا تبني لديه مسؤولية شعورية حقيقية، مما قد ينعكس سلبًا على نضجه العاطفي وقدرته على التعامل مع الآخرين.
بين الخصوصية وحماية البيانات… خطر آخر يلوح
تلفت الصفيان إلى جانب لا يقل خطورة وهو خصوصية البيانات؛ فالكثير مما يُقال في هذه المحادثات لا يذهب إلى فراغ، بل يُخزن في خوادم الشركات، وقد يُستخدم لاحقًا في أغراض تجارية أو تدريبية دون وعي كامل من المستخدم. وتضيف أن هذا المجال لا يزال يفتقر إلى تنظيم واضح يحمي المستخدمين، خصوصًا الفئات الصغيرة في السن.
ذكاء اصطناعي مفيد… إذا عرفنا حدوده
وتختتم الدكتورة هند الصفيان بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مفيدة لتنظيم الأفكار وتخفيف الشعور بالوحدة بشكل مؤقت، إذا تم التعامل معه بوعي. لكنه يتحول إلى خطر حقيقي حين يصبح بديلًا عن البشر، ويتجاوز دوره كأداة ليصبح رفيقًا عاطفيًا.
وتقول في ختام حديثها:
الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا… لكنه ليس صديقًا حقيقيًا.
هو أداة، ويبقى الإنسان إنسانًا.
وحاجتنا للعلاقات البشرية الصادقة لا يعوضها أي صوت صناعي مهما بدا لطيفًا.










































