كيف أصبحت قطر وجهة استثمارية واعدة للشركات الآسيوية؟
klyoum.com
كمال صالح - الخليج أونلاين
خلال العام الماضي استقبلت قطر تدفقات كبيرة من الاستثمارات المباشرة من الصين واليابان تجاوزت 1.4 مليار دولار
تسعى قطر لتصبح مركزاً استثمارياً آسيوياً، مستندة إلى بنية تحتية متطورة، وتسهيلات بيئية تشريعية، ومشروعات طاقة كبرى، ما يجعلها وجهة مثالية للشركات اليابانية والصينية التي تتوسع في الخليج.
خطوات ملموسة مثل التعاون مع هيئة التجارة اليابانية، ومجموعة "لويي" الصينية، والاستثمارات المشتركة في الغاز وأصول مالية، تعكس رؤى طويلة الأمد تؤهل قطر للعب دور محوري في الاقتصاد الإقليمي والعالمي.
وتملك قطر الكثير من المقومات التي تجعلها بيئة مناسبة للاستثمار، خصوصاً للشركات الآسيوية الساعية لإيجاد موطئ قدم لها في الشرق الأوسط عبر البوابة القطرية.
وجهة استثمارية
موقع "كونستراكشن بيزنس" الإماراتي (6 يوليو)، قال إن الشركات اليابانية والصينية تعتزم الدخول إلى الأسواق القطرية، بهدف اقتناص جميع الفرص الممكنة في الدوحة.
الموقع قال في تقريره، إن قطر ستشكّل "مستقبلاً وجهة استثمارية رئيسية للمؤسسات الآسيوية، وبالأخص تلك القادمة من طوكيو وبكين، التي ترى في العاصمة القطرية مكاناً مناسباً لإطلاق فروع خاصة بها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومحوراً رئيسياً للعبور بمنتجاتها لمختلف دول المنطقة".
ووفق التقرير، فإن إقبال الشركات الصينية واليابانية يعود للخصائص اللوجستية التي تتميز بها قطر عن غيرها من الدول، وأهمها قرب مناطقها الحرة من الموانئ والمطارات، وكذا توفرها على أسطول عصري من الناقلات والطائرات، إلى جانب بيئة الأعمال المميزة.
وحالياً، ثمة اتصالات مكثفة بين وكالة ترويج الاستثمار القطرية "إنفست قطر"، وهيئة المناطق الحرة، مع الشركات اليابانية والصينية، لتزويدها بالمعلومات اللازمة حول السوق القطرية، وسط توقعات بثمار مرتقبة لهذا التواصل قبل نهاية العام الجاري.
قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والقطاعات الصناعية الأخرى، أبرز المجالات للتعاون والشراكة والاستثمار بين قطر والصين واليابان، ما يعني تعزيز مكانة قطر ومنحها الريادة التي تطمح إليها، وتقلّل اعتمادها على الاستيراد من الخارج.
وينسجم هذا التوجه مع استراتيجية "غرفة قطر 2025 - 2030" التي تهدف إلى تحقيق استدامة الموارد وتعزيز التحول الرقمي، مع التركيز على تطوير بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
توجّه قطري
وتسعى قطر لتعزيز موقعها كمركز استثماري آسيوي عبر جولة ترويجية شملت الصين واليابان، نظّمتها وكالة ترويج الاستثمار بالتعاون مع هيئة المناطق الحرة، أواخر يونيو الماضي.
وتعكس الجولة توجهاً واضحاً نحو تنويع الشراكات الدولية وجذب رؤوس الأموال الآسيوية في قطاعات استراتيجية تتماشى مع رؤية قطر التنموية، علماً بأن اليابان تتصدر قائمة الاستثمارات الأجنبية في قطر لعام 2024، بإجمالي استثمارات بلغ 1.38 مليار دولار، أي ما يعادل نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
في حين عززت الصين حضورها بـ12 مشروعاً في مجالات متقدمة، وهذا الزخم الآسيوي يعكس تحوّل الثقل الاستثماري نحو الشرق، مدفوعًا باستقرار البيئة القطرية وتسهيلات المناطق الحرة.
دخول شركات عملاقة مثل "هايسنس"، "ميتسوبيشي"، و"BYD" يعكس تغيراً في خريطة الاستثمار الإقليمي، حيث باتت قطر بوابة لأسواق الشرق الأوسط بالنسبة للشركات الآسيوية، وفق بيان وكالة ترويج الاستثمار القطرية.
كما أن التركيز على قطاعات مثل التكنولوجيا والخدمات اللوجستية يدل على وعي استراتيجي بأهمية الاقتصاد الرقمي والصناعات المستقبلية، وفق البيان.
استثمارات كبيرة
وخلال العام الماضي، استقبلت قطر تدفقات كبيرة من الاستثمارات المباشرة من الصين واليابان تجاوزت 1.4 مليار دولار، وأسهمت في خلق أكثر من 600 فرصة عمل، ضمن قطاعات استراتيجية كالسيارات والإلكترونيات وخدمات الأعمال، وتكنولوجيا المعلومات.
اللافت هو أن قطر لا تكتفي بجذب الاستثمارات التقليدية، بل تدخل أيضًا في شراكات نوعية، مثل مذكرة التفاهم مع "تينسنت" لدعم صناعة الألعاب الإلكترونية، وتوسّع "كينجدي" الصينية في المناطق الحرة، وهذا يشير إلى أن قطر تبني بيئة أعمال مبتكرة تستقطب شركات التكنولوجيا المتقدمة، بما يعزز مكانتها كمركز إقليمي للابتكار.
وإلى جانب ذلك، تجري اليابان مفاوضات لتوريد 3 ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال للعديد من الشركات اليابانية، وهذا يؤكد أهمية قطر كمورد استراتيجي للطاقة اليابانية.
وفي نوفمبر 2024، وقّعت هيئة المناطق الحرة في قطر اتفاقاً مع مجموعة "لويي" الصينية لإنشاء مجمع صناعي عالمي في أم الحول، يغطي 282 ألف متر مربع، ويستهدف قطاعات مثل الطاقة والبلاستيك والتكنولوجيا والتصنيع الأخضر.
كما استقطب المنتدى القطري الصيني في سبتمبر 2023، قرابة 60 شركة من "قوانغدونغ"، وحينها جرى مناقشة مشاريع مشتركة في مجالات الصحة والطاقة والتكنولوجيا والاستثمار، علماً أن التبادل التجاري اقترب في 2024 من 22 مليار دولار.
تحول نوعي
يرى المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر أن التحركات القطرية الأخيرة، سواء من خلال جولات الترويج في شرق آسيا أو توقيع الاتفاقيات الاستراتيجية مع كيانات عملاقة صينية ويابانية، تعكس تحولاً نوعياً في توجه الدوحة نحو تعزيز مكانتها كمركز استثماري محوري على المستوى الإقليمي والآسيوي.
وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أكد أبو قمر أن ما تقوم به قطر اليوم يتجاوز مجرد جذب استثمارات عابرة، بل يتّجه نحو إعادة صياغة المشهد الاستثماري في المنطقة من خلال استقطاب رؤوس أموال نوعية، والتركيز على قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا، الطاقة النظيفة، والذكاء الاصطناعي، مضيفاً:
- التعاون مع شركات مثل "تينسنت"، و"هايسنس"، و"BYD"، وتوقيع مذكرات تفاهم مع كيانات صناعية كبرى في مجمعات المناطق الحرة، يدل على وجود رؤية قطرية عميقة للانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد قائم على الابتكار والإنتاج التقني والمعرفي.
- الانفتاح على الأسواق الصينية واليابانية ليس خطوة عشوائية، بل نابع من قراءة دقيقة لخريطة الاقتصاد العالمي.
- يشهد الشرق تحولًا تدريجيًا في مركز الثقل الاقتصادي، وهو ما تسعى قطر للاستفادة منه عبر توطين الشركات العملاقة في أراضيها، وتوفير بنية تحتية وتشريعية متقدمة تضاهي أو تتفوق على مثيلاتها في المنطقة.
- قطر رغم صغر حجمها الجغرافي، تسير بخطى استراتيجية نحو استغلال كل ميزة تنافسية ممكنة، سواء عبر موقعها الجغرافي الوسيط، أو من خلال المناطق الحرة المرتبطة مباشرة بالموانئ والمطارات.
- هذا الأمر يمنحها قدرة فريدة على تقديم نموذج اقتصادي مرن ومناسب للشركات الآسيوية التي تسعى للتمدد في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا.
- ما يميز التجربة القطرية هو تكامل الجهود بين المؤسسات، من وكالة "إنفست قطر" إلى هيئة المناطق الحرة وغرفة قطر، ما يخلق منظومة مؤسسية متناغمة تدفع نحو تحقيق نتائج ملموسة في وقت قياسي.
- قطر إذا استمرت بهذا الزخم، مرشحة لتكون بيئة الاستثمار الأكثر استقراراً في المنطقة، ليس فقط على صعيد التسهيلات، بل من حيث قدرتها على احتضان الشركات العالمية ونقل التكنولوجيا وخلق فرص عمل محلية ذات قيمة مضافة.